لصالح من ، ومن أجل من تعمل ، داعش فى المنطقة..؟!
عندما يكون الجاني فى أية جريمة مرتقفة مجهول الهوية ، ويراد البحث عنه ، ومن ثم الإمساك به ، فإن علم الجريمة يقول لنا أن أقصر الطرق لمعرفة الجاني الحقيقي ، أو القبض عليه ، هو أن تبحث أولا عن صاحب المصلحة الحقيقية فى ارتكاب هذه الجريمة ، أو تلك .
ولكن ، وللغرابة والدهشة وكذا الصدمة الشديدة ، أن الجاني لدينا هنا ليس مجهول ، ولكنه معلوم بالضرورة ، ويعيش كما يعيث فسادا وتخريبا وتدميرا وقتلا بين ظهرانينا ، وهو داعش ، والتي هي اختصارا لعبارة ما يسمى بالدولة الإسلامية فى العراق و الشام . والسؤال هنا هل ما تقوم به داعش من فساد فى الأرض وجرائم وقتل ــ وبعدما بدأت تنتشر فجأة ، و فى مشارق الأرض ومغاربها ، وبشكل يكاد يشبه ، وإلى حد كبير ، ظهور يأجوج ومأجوج ، والتي يحدثنا عنهم القرآن الكريم ــ يخدم الإسلام والمسلمين ، أو ثورات الربيع العربي ، أو قضايا الشعوب العربية ضد حكامهم المستبدين والفاسدين بصفة عامة ، فى شيء ..؟!
الجوب هو بالقطع كلا ، بطبيعة الحال ..!
إذن فمن تخدم داعش وتعمل فى صالحه ..؟!
وقبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نتذكر جيدا سياسة جورج بوش الأبن والمحافظين الجدد إبان احتلالهم للعراق . وكيف أن بوش الأبن عندما كان يطلب اعتمادات إضافية من الكونجرس لتمويل التكاليف المتعاظمة للاحتلال ، أو طلب تعزيزات عسكرية إضافية لتغطية ، أو تعويض ، ما كان يخسره فى تلك الحرب نتيجة المقاومة العراقية للغزو ، كان يصطدم دائما باعتراض الكونجرس الأمريكي لمثل هذه الطلبات . فكان يخرج علينا ، وفى ذات التوقيت بالذات أي من بن لادن ، أو رديفه أيمن الظواهري ، فقط من أجل دعم موقف بوش ، ويقول أي منهما بالضبط ما كان يسوقه بوش الأبن من مبررات من أجل القضاء على الإرهاب ــ والذى كان يتباهيان ويفتخران به ــ ومن ثم رضوخ الكونجرس لكل طلبات بوش لدعم احتلاله ، وكذا قتله للعراقيين .
والسؤال هنا ــ وبالعودة إلى داعش ــ مرة أخرى ، من فى العالم من مسلمين ، أو حتى ملحدين ، يرضى عن ذلك المشهد المؤذي ، والبذيء ، والذى يظهر فى داعشى ، ومن خلال "فيديو" على " اليوتيوب" ، وهو ممسكا بطفلة لا حول لها ولا قوة ــ وغير مسلمة غالبا ــ ويطلب منها ، أو بالأحرى يجبرها ، على تسميع ما تحفظه من القرآن الكريم ، والطفلة تسمع وتبكى . وهذا المشهد التحريضي البغيض كفيل فى حد ذاته ــ فيما لو كان يتمتع بأية قدر من المصداقية وليعاذ بالله ــ بتحريك كل جيوش العالم ضد ليس فقط بلاد المسلمين ، ولكن أيضا إلى أي مكان يمكن أن يتواجد فيه مسلمين . و لكن يجب أن نلاحظ أيضا أن القرآن الكريم ذاته يحدثنا بانه لا إكراه فى الدين .. حيث يقول تعال : " لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى .." [ البقرة : 256 ] ..؟!
والسؤال الثاني أيضا هو ؛ من فى العالم من مسلمين ، أو حتى ملحدين ، يمكن أن يرضى أيضا عن ذلك المشهد الثاني من فيديو على اليوتيوب ، والذى يظهر فيه داعشى ممسكا برأس صحفي لنحره . وهو مشهد كفيل كذلك ــ فيما لو كان يتمتع بأية قدر من المصداقية وليعاذ بالله ــ بتحريك كل جيوش العالم ضد بلاد المسلمين فى عقر دارهم ، وفى أي مكان أخر يمكن أن يتواجد فيه اية مسلم ..؟!
ولكن يجب أن نلاحظ أنه فى أعقاب تسريب ذلك المشهد الأخير بالذات من الفيديو ــ والخاص بنحر صحفي ــ قطع نتنياهو مباحثاته مع الوفد الفلسطيني فى القاهرة ، والذى يضم كل من فتح وحماس ، ونقض شروط التهدئة مع الفلسطينيين ــ وكما هو دأبهم دائما ــ واستأنفت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة وهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها متصورون أن العالم كله سوف يقف معهم انتصارا للصحفي الذبيح، و كذا الطفلة الباكية ، و المختطفة من أهلها ، والتي أجبرت على تلاوة القرآن الكريم وتسميعه ، و ما سوف يقال عادة ــ أو قيل بالفعل ــ أن المسلمون فعلوا كذا ، وكذا .. ولن يقال مثلا أن حركة ، أو منظمة إرهابية متطرفة هي من فعلت كذا وكذا .
كما تطايرت أخبار طرد المسيحين من الموصل ــ والذين تواجدوا فيها منذ مئات السنين ، وربما قبل مجيء الإسلام ذاته ــ من قبل داعش ، وبعد أن خيرتهم بين الإسلام ، وبين ترك مدينتهم . و ما فعلته داعش ، لم يفعله رسولنا الأكرم صل الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة رضوان عليهم أجمعين ، ولا حتى من التابعين ..!
إذن من له مصلحة حقيقية فى كل ما ارتففته داعش من جرائم وفساد فى كل من العراق وبلاد الشام وغيرهما ..؟!
صاحب المصلحة الأكبر فيما تقوم به داعش من جرائم ، هم بطبيعة الحال ثلاثة جهات رئيسية ، وهم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ، وكذا جل أنظمة الحكم العربية الفاسدة والمستبدة والتابعة لكل من السياسة الأمريكية والصهيونية فى المنطقة .
ولاشك فى أن من صنع داعش أيضا وجهزها وجربها فى مختبراته الخاصة ــ وقبل ظهورها على العلن ــ وذلك من أجل ضرب ثورات الربيع العربي فى المقام الأول ، وبما يخدم كل من المصالح الأمريكية والصهيونية فى المنطقة ، هو ذاته من صنع القاعدة لضرب السوفييت ، او بالأحرى الاحتلال السوفيتي فى أفغانستان ...!
مجدى الحداد
https://www.facebook.com/magdyalhaddad
التعليقات (0)