مواضيع اليوم

لست عليهم بمسيطر

انور محمد

2009-05-24 10:58:37

0

                           لسـت عليـهم بمسـيطر

إن تاريخ الفكر البشرى منذ نشأته يدور حول فكرة الصراع بين السيطرة والحرية ، فريق يريد الحرية ، وفريق يريد السيطرة ، فالإنسان يولد وهو ينشد الحرية والانطلاق ، مثله مثل كل مخلوقات الله عز وجل ، فهو يرى الطير فى السماء ، والزهر والهواء والضوء ، كلها مخلوقات تنعم بالحرية التى وهبت لها ، فهو يريد أن ينعم مثلها ، من ثم فهو دائما ما يسعى للحرية ، وهو سعى فطرى يبدأ معه منذ نعومة أظفاره ، ينمو بنموه ، ولا جدال أن حريته تلك تصطدم بحرية الآخرين ، من ثم اقتنع البعض أن الحرية ملك للجميع ، وأن لكل وجهة هو موليها ، ولكن طائفة أخرى لم تقتنع بذلك ، وأرادت أن تحتفظ بالحرية لها وحدها ، وتحولها إلى وسيلة للسيطرة على عقول الناس ، فتحجب بذلك عنهم حريتهم ، فصارت الحرية أداة لمنع الحرية .
ويبدأ صراع الحريات بين البشر حيث لا يستطيع البعض أن يعيش بحريته المنشودة إلا عن طريق تضييق مساحة الحرية عند الآخرين متوهما أن مجال الحرية لا يكفى الجميع وعليه أن ينتزع الحرية انتزاعا أو لعل هناك من يكره أن يرى الحرية لدى البعض بمساحة أكبر مما لديه ناهيك عن الحسد والحقد البشرى والطمع فيما فى يد الغير من هنا ظهرت فكرة كبت الحريات ، فريق يحاول أن يسيطر على الآخر حتى يكون أكثر حرية من غيره ، ومن هنا يتعمق الصراع بين فريقين ؛ فريق ينشد الحرية وفريق ينشد السيطرة .
ثم يهبط الوحى من السماء ليقول إن الأصل هى الحرية ، ويرحب بالحرية بين البشر ، لكن فريق السيطرة يلتف على النص المقدس ليجعل منه طوقا جديدا للسيطرة ، فأنت تهرب إلى الدين فرارا من سيطرة البشر الجاهل المتعصب ، فإذا بك تقع مرة أخرى فريسة لسيطرة من نوع جديد تلبس ثوب الدين ، وتقيدك تحت نيرها ، فتسأل أين الحرية التى كنت أحلم بها ، فالكل يعلم أن الدين جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، مقولة بديهية عند أرباب العبادات السماوية ، فالدين من الله ، ولا حكم إلا لله ، لكن اليد التى تشير لك على طريق الله لا يجب أن تلتف حول عنقك بالتهديد والوعيد ، وكأنها أخذت توكيل عن الله فيما تقول ، وتوقع عن رب العالمين ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
إن خلق السيطرة خلق بشرى ، حيث تستمتع طائفة بالهيمنة والسيطرة على فريق آخر ، وكى تحكم القبضة عليها ، فهى تغلف أقوالها بغلاف مقدس ، يتحكم فيك ، وفى عقلك يقول لك فكر ثم يعود ليقول لا تفكر فهو يجعلك تفكر حتى إذا ذهبت بك أفكارك لطريق يجعلك تفهم صحيح الدين ومقصده من الحرية أوصدت باب التفكير والنقاش وصار النقاش محرما وضربا من الكفر والجهل ، فلا أنت تعرف هل التفكير حرام أم عدم التفكير هو الحرام ؟ إنه يحدد لك كيف تفكر ؟ وأين تفكر ؟ ومتى تفكر ؟ إنها وسيلة قديمة نستخدمها مع الأطفال حيث نشجهم على التفكير وإعمال العقل ، فإذا سألك طفلك سؤالا لا تعرف إجابته هربت منه بالنهى عن التفكير أو استدراجه لخرافة ترهبه من التفكير ، فأنت دائما تريد السيطرة على ولدك ، طلبا فى حمايته ، أو ظنا منك أن حرية تفكيره ستخرج به عن سيطرتك ، فحب السيطرة أقوى من حب الخير والصلاح حتى لولدك .
الله عز وجل جعل الحرية من نصيب البشر ، وجعلها أمانة عرضها على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وأخذها الإنسان لكن الصراع الذى تحدثنا عنه حوّل هذه الحرية أداة فى يد البعض . والتاريخ يثبت لنا أن أكثر ما سيطر به البشر على البشر كان عن طريق استخدام الدين ، رغم أن الدين هو الذى قد وضع أصلا للتخلص من السيطرة لا لتدعيمها .
أشارت الملائكة قبل خلق آدم إلى أنه سيفسد فى الأرض ، وقد صدقوا فى قولهم ، وأكد الذكر الحكيم ذلك ، فقد ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس . لقد أكد الذكر الحكيم أن الفساد الذى أشارت به الملائكة قد ظهر فعلا ، وليس هذا الفساد إلا حب السيطرة الذى عم الأرض ، فالغنى يريد السيطرة على الفقير ، والعالم يريد السيطرة على الجاهل ، والقوى يريد السيطرة على الضعيف ، إنه فساد لا محالة يقلب الأوضاع ، ويعمق الخلاف والقسوة بين البشر ، فكل ما يظهر من سلبيات هو نتيجة لهذا الخلق الفاسد ، من ثم هرب الجميع ؛ فقيرهم وضعيفهم وجاهلهم إلى الله عز وجل هاربين من الدنيا الفاسدة إلى الله العادل فإذا بهم يقعون أسرى لطائفة أخرى من هواة السيطرة تستروا بالدين إما عن جهل بمقصده أو طمع فى سلطة أو مال أو غير ذلك ، ونسوا أن الله وحده هو المهيمن والمسيطر ، وليس غيره ( لست عليهم بمسيطر ) .
وما النتيجة الحتمية للسيطرة ، إما الخنوع والسلبية واللامبالاة ، وكلها صفات تشير للكسل العقلى الذى تعيشه المجتمعات العربية الآن ، والتى ترفض الاندماج مع شعوب العالم ، خوفا منها ، مع شعور متزايد بالفارق الشاسع بينهما ، أو محاولة الانتقام ، وتدمير الآخر الذى تراه ينعم بالحرية ، وهى قابعة فى شقاء الهيمنة من أطراف عديدة ، إن محاولة العودة للإصلاح النفسى للمجتمعات العربية يبدأ من التحرر الفعلى للعقلية العربية من سيطرة العباد ، فمتى استعبدوا الناس ، وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا .
إن ميزان العقل موضوع بمقدار ، وعلى من يتحدث فيه أن يضع نصب عينيه المنهج المنطقى ليعمل به لا الهوى الشخصي الذى يتغير فى كل يوم مائة مرة ، والقاعدة الأكبر أن الله خلق الأنس والجن ليعبدوه وحده لا غيره ، فلا سيطرة لأحد إلا لله ، أما أن يتحول الدين لوسيلة للسيطرة على البشر ، فهذا ما لا يرضاه الله عز وجل ، وعلى من يشتغلون بالدين قبل غيرهم أن يفهموا هذه الحقيقة فهم وسيلة فقط لنقل الفهم لا لقيد الناس به ، وهم كذلك أداة معينة لا معول مهدد .

                                   والله من وراء القصد 

                                                    بقلم :

                                                     أنور محمد أنور
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !