مواضيع اليوم

لسانكم طويل...قصة قصيرة

mariam al sayegh

2009-07-19 14:34:22

0

تكاد تقارب الستين من عمرها، نحيلة، لباس رث، وجه مكتوبة عليه تواريخ و أحداث المآسي التي مرت منها..أخرجت منديلا اسودا من قفتها ؛وضعت قطعة الخبز في أحضانها و فتحت قنينة المشروب الذي اشترته من الكشك الذي هي الآن جالسة بجانبه .

يا بسم الله

يا بسم الله

ثم شرعت في الأكل...كانت لديها ذكريات مع القراءة بحيث بالكاد تتهجى كلمة أو كلمتين على الأكثر و يساعدها أكثر ان كانتا مكتوبتين بحروف بارزة؛

بين الفينة و الأخرى ترفع رأسها فوق واجهة الكشك و أخيرا تمكنت من حل اللغز ألا و هو /كشك الشفاء.

رمت بنظرها جانبا فقالت لسيدة مثلها حالا و أحوالا / هذه هي الدنيا..مع الأسف لم نهتم في صغرنا بالقراءة..

كل من مر من أمامها يلقي إليها بنظرات مشبوهة كما إلى الطفل المنهك الذي بجانبها.سألتها السيدة التي بجنبها قائلةهل هذا ابنك؟ ردت عليها بنعم و لكنها كانت لا ترغب في التطرق إلى موضوع ابنها المريض المنهك.

جاءها حارس المستشفى و نهرها بلغة خشبية-آلالة؟تنحي جانبا من أمام المستشفى سيدخل المدير .ثم ردت عليه بعنف –هذا مستشفى المخزن.إن لم يعجبك الحال أخبر مديرك؟

تابعت حديثها مع السيدة –انه ابني،أنا قادمة من قرية أكدز بنواحي ورزازات لكي أصل إلى هذا المستشفى قطعت ثلاثمائة كيلومتر تقريبا.طلب مني الطبيب أن اجري له السكانيت وكانت تقصد السكانير ولكنهم في الصندوق رفضوا شهادة الاحتجاج- و تقصد شهادة الاحتياج- لأن اسم ابني غير موجود بها.قلت لهم بأنها باسم والده فرفضوا..

نهضت بسرعة و ركضت في اتجاه سيارة توقفت بعد قليل.الكثير من النسوة و الرجال تحلقوا حول السيارة و كل يريد التفرد بصاحبها الملتحي...

-آلحاج أنا من وارزازات .ابني في حاجة إلى سكانيت.انه هناك .انظر إليه؟أرجوك

هذا الشخص صاحب المخلاة هو من فصيلة المحسنين الذين يحطون رحالهم أمام المستشفى.رغم إصرارها فان عيونه تنظر هنا و هناك لالتقاط نوع معين من أصحاب الحاجة.ألحت عليه من جديد و ألقى بنظراته صوب الطفل المنبطح هناك فقال لها-ادخلي إلى المستشفى و انتظريني بباب الصندوق لأحل لك المشكل...

عادت لتحمل ابنها على ظهرها و لتدخل به إلى داخل المستشفى فتصيدها حارس المستشفى و صديقه

-لقد ضيعت الوقت .بماذا سينفعك ذلك المحسن؟ قصدي هو أن تدخلي إلى المستشفى دون مضيعة للوقت..أو تتوجهي إلى الإدارة لحل مشكلك.

-إذا كنت تريد مصلحتي فلماذا تحرم علي الجلوس هنا أو هناك؟هذا المدير بماذا ستنفعه المظاهر؟من واجبك أنت أن تطرح عليه مشكلي ؟ماهو دوركم إن لم تقوموا بإرشاد الناس؟

أجابها بعصبية-سبحان الله..لسانكم طويل.هيا معي عند المدير و سأطلعك على مكتبه و ناقشيه هو؟

-ليس لدي ما أفعله في مكتبه.من حقي أن أعالج ابني.و صاحت بأعلى صوتها----الله ينصر المخزن..الله ينصر المخزن.

تدخل حارس أمن آخر قائلا-ادخلي.لا تضيعي الوقت معنا.نحن فقط نطبق أوامر المسئولين..هم أصحاب القرار.

تدخل أحد الملتحين و يحمل قفة لزيارة أحد المرضى-و هل الرشوة هي أيضا قرا...

لازال لم يكمل تدخله فرد عليه الحارس ببرودة-ماذا أعطيتني أنت؟العيب و العار هو لو أعطيتني شيئا و رفضته..هذا ما تريد؟

دخلت السيدة حاملة ابنها فوق ظهرها ووقفت أمام مصلحة الأداء في انتظار قدوم صاحب المخلاة الكثيفة.

عشرة دقائق..عشرون..نصف ساعة..ساعة

أخيرا سألت الموظفة متى سيأتي المحسن...كل شخص هنا له ميل للتحدث بأعصابه سواء الموظفون أو طالبو خدمات المستشفى.

تحادثت مع بعض الناس و لما علموا بحكايتها تدبروا أمر مبلغ السكانير و أدوا الواجب و ساعدها بعض الشبان و حملوا ابنها إلى مصلحة السكانير.

أعطت لموظفة الاستقبال توصيل الأداء فصاحت الموظفة في وجهها للاحتجاج على تعطلها لأن موعد إجراء السكانير هو الحادية عشرة صباحا و ليس الواحدة زوالا.

صمتت السيدة و لم تنبس ببنت شفة لأن حالة ابنها تدهورت إلى حد بعيد و كانت تترقب حدوث أمر ما لابنها.

زادت الموظفة قائلة-المواعيد عندنا هنا مضبوطة.لكثرة الطلبات فإننا أصبحنا حاسمين في هذه المسألة و لا تهمنا الاستعطافات و التدخلات...المهم.سأخبر الطبيب المكلف و له القرار الأخير...

كانت السيدة تنظر إلى ابنها غير آبهة بأقوال الموظفة و كانت أشبه بإنسان مرمي في غيابة جب و كان الناس الذين ينتظرون دورهم يتبادلون نظرات مقيتة و مغلفة بأسف مصطنع ليس إلا.

صاحت السيدة-ابني توفي..مات...مات...

دب الحسيس بين الحضور .أطلت الموظفة فعادت إلى مكانها غير عابئة.حضر طبيب ففحص الطفل.انه فعلا جثة هامدة..

وكان الموظفون ينظرون إلى الأمر ببرودة دم...

حضر حارس أمن خاص و طلب من السيدة أن تكف عن البكاء و بأن تنتظر إجراءات الإدارة لأن هذه الحالة تتطلب حضور رجال الأمن لانجاز تقرير لان المرحوم غير مقيد في سجلا ت المستشفى .

احضروا عربة ووضعوا عليها الجثة و ووضعوها في مكان بعيد عن الأنظار ريثما تحضر الشرطة للمعاينة و تحرير تقرير..

قال حارس الأمن الخاص للسيدة-رحمه الله ماعليك إلا الصبر.هذه هي الإدارة..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !