كرر القرآن الكريم في أماكن شتى، أن أهم عنصرين نفسيين يتحرر الإنسان منهما هما: الخوف والحزن، فلماذا؟
"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون".
في تقديري، أن "الخوف" يتعلق بما سيأتي، وهو مرتبط بحزمة من المشاعر مثل القلق والتوتر. أما "الحزن" فهو على عكسه تماماً، أي الانحباس في مربع الزمن فيما مضى. والإنسان لا يحزن على شيء لم يحدث، بل على شيء حدث واكتمل، مثل فقد عزيز، أو كارثة مالية، أو رسوب في الامتحان، أو تصرف أحمق، أو ارتكاب إثم وخطيئة... بكلمة ثانية كأن الخوف والحزن، هما قطبا الزمن المتعاكسان، واحتشادهما بغيوم سوداء.
وهذا يعني التوقف في الزمن عند سيطرة كل شعور. فمع الحزن يطوق بالماضي يلتهم ذاكرته، ويعرقل مسيرة الحياة العملية، وهو غير مجد عملياً، فالميت لن يعود، والخسارة المالية تمت، والرسوب تقرر، والخطئية ارتكبت، وطلقة البندقية خرجت فلا تعود لحجرة النار...
ولن تعالج سلبيات ما حدث إلا بتكرار المحاولة، أحياناً كما في الرسوب، أو الخسارة المالية. أما حادث السيارة أو الموت أو المرض، فلن يغير قدرها شيء، ومن هنا نفهم قول القرآن "وكان أمر الله قدراً مقدورا".
أما الخوف فهو يعتقل الإنسان في الحاضر، مترافقاً مع الرهبة والترويع، من تدفق وحدات الزمن القادمة.
إذا تعلق المرء بالماضي تعذرت حركته للالتحاق بالحاضر، وإذا خاف مما سيأتي توقف أيضاً، فلم يتمن استقبال ما سيأتي؟
إن التخلص من ذينك الشعورين الضارين، يدفع نحو الحركة، فيأخذ الحزن القديم مكانه في الذاكرة بالحجم المناسب، كما يحسن فرص مواجهة القلق القادم، ووضعه أيضاً في حجمه الملائم. "وكل شيء خلقناه بقدر".
ويعتبر الاكتئاب مرضا من الأمراض الثلاثة الأعظم، التي تهدد استقرار النفس، وهي (الغضب ـ القلق ـ الاكتئاب)، وعندما يستفحل الاكتئاب، فإن الانسان ينزل سلماً خطيراً بسبع درجات تنتهي بالموت.
وحسب عالم النفس "ويليام ستايرون"، فإن أول مظاهر اشتداد الحزن، هو الإحساس بـ"انعدام القيمة"، فمع الموت مثلاً، يشعر كل واحد منا، أنه غير محصن أمام العدم والزوال في لحظة واحدة، بدون مقدمات؛ بحادث سيارة أو احتشاء قلب أو نزيف دماغي أو جلطة رئوية أو جريمة سطو وقتل، كما حدث مع 32 طالباً جامعيا في فيرجينيا بطلقات معتوه صباح يوم 16 أبريل المنصرم، على غير موعد!
بعدها يأتي دور الأعراض العقلية، من التشوش وضعف التركيز، أو تراجع الذاكرة. وفي المقام الثالث؛ تستفحل الأعراض العقلية، إلى درجة التشوه، بحيث تغمر عمليات التفكير موجة مسمومة، تحول دون أي بهجة في الحياة.
بعدها يتزحلق المكتئب إلى الدرجة الرابعة من سلم الكآبة، باتجاه قبو الأحزان، فتبدأ الأعراض الجسمانية، وأهمها الأرق وعدم القدرة على النوم.
وعند الدرجة الخامسة يفقد السرور تماماً، ويقع في حالة اجترار للأحزان لا تتوقف، مع الشعور بالهشاشة، ويصبح الطعام بدون مذاق.
وهنا يكون قد اقترب إلى الدرجة السادسة من قبو الفناء النفسي تماماً، حيث ينعدم كل أمل ومبرر في الحياة، فيدخل دوامة اليأس المطبق، وهي حالة خطيرة، إذا لم تعالج بسرعة، لأنه يمكن أن ينتحر. والانتحار هو فقد مبرر الوجود، واستيلاء هذا الشعور على صاحبه بحيث يقدم استقالته من الحياة.
وقد قامت عالمة نفس هي "سوزان نولن هوكسمان"، كما يذكر ذلك صاحب كتاب "الذكاء العاطفي"، من جامعة "ستانفورد"، بدراسة ظاهرة اجترار الأحزان، ورأت أن أفضل علاج لها، هو "الاندماج في المجتمع"، لكن بشرط أن يحدث تحويل لمجرى المشاعر، لأن أي عملية إذا عادت، وأدخلت صاحبها في دوامة الدوائر العصبية، من دراما الأحزان، فإنها تزيد من استفحالها، في وقت يريد صاحبها الخروج منها!
التعليقات (0)