السؤال:
لدي سؤال حول الحواريين الذين كانوا مع عيسى عليه السلام ؛ هل اعتقدوا بعد رفعه إلى السماء أنه صلب فعلا ؟ والقرآن الكريم يذكر أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحواريون هم أصحاب عيسى عليه السلام وأتباعه ، سموا حواريين لأنهم أنصاره ، قال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران/ 52 .
وروى البخاري (2997) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ) قَالَ سُفْيَانُ بن عُيَيْنة : الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ .
وهؤلاء الحواريون كانوا كلهم مسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وأما الحواريون فإن الله تعالى ذكرهم في القرآن ووصفهم بالإسلام واتباع الرسول وبالإيمان بالله " انتهى من "الجواب الصحيح" (2 /348) . .
ثانيا :
ليس كلهم اعتقد رفع المسيح عليه السلام ، بل إن منهم من ظن أنه صلب ، ولكن هذا لا يقدح في إيمان من ظن ذلك منهم ، فإن هذا اعتقاد منه أنه مات على وجه معين ، ومجرد اعتقاد قتل النبي وصلبه لا يقدح في الإيمان به .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ قَدْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ صُلِبَ ، وَأَنَّهُ أَتَاهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَهُمْ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْ الْمَسِيحِ الْإِنْجِيلَ وَالدِّينَ فَقَدْ دَخَلَتْ الشُّبْهَةُ ؟
قِيلَ : الْحَوَارِيُّونَ وَكُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ : إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ . وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الْحُجَّةِ : إنْ كَانَ حَقًّا قُبِلَ ، وَإِلَّا رُدَّ ... وَالنَّصَارَى لَيْسُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى صَلْبِ الْمَسِيحِ ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَلْبَهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي صُلِبَ إنَّمَا صَلَبَهُ الْيَهُودُ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ حَاضِرًا ، وَأُولَئِكَ الْيَهُودُ الَّذِينَ صَلَبُوهُ قَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْمَصْلُوبُ بِالْمَسِيحِ ...
وَقَوْلُهُ : ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ) قِيلَ : هُمْ الْيَهُودُ ، وَقِيلَ النَّصَارَى ؛ وَالْآيَةُ تَعُمُّ الطَّائِفَتَيْنِ . وَقَوْلُهُ : ( لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ) قِيلَ : مِنْ قَتْلِهِ ، وَقِيلَ : ( مِنْهُ ) أَيْ : فِي شَكٍّ مِنْهُ ؛ هَلْ صُلِبَ أَمْ لَا ؟ كَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ : فَقَالَتْ الْيَهُودُ هُوَ سَاحِرٌ ، وَقَالَتْ النَّصَارَى إنَّهُ إلَهٌ . فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى اخْتَلَفُوا هَلْ صُلِبَ أَمْ لَا ، وَهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ ، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصَّلْبِ ، فَكَيْفَ فِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَ الرَّفْعِ وَقَالَ : إنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ ؟
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ الَّذِينَ أَدْرَكُوهُ قَدْ حَصَلَ هَذَا فِي إيمَانِهِمْ ؛ فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ : ( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَقَوْلُهُ : ( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) .
قِيلَ : ظَنُّ مَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّهُ صُلِبَ لَا يَقْدَحُ فِي إيمَانِهِ ، إذَا كَانَ لَمْ يُحَرِّفْ مَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ . بَلْ هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ؛ فَاعْتِقَادُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ صُلِبَ لَا يَقْدَحُ فِي إيمَانِهِ ، فَإِنَّ هَذَا اعْتِقَادُ مَوْتِهِ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ ، وَغَايَةُ الصَّلْبِ أَنْ يَكُونَ قَتْلًا لَهُ ، وَقَتْلُ النَّبِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ .
وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ مَنْ اعْتَقَدَ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ الرَّفْعِ وَكَلَّمَهُمْ ، هُوَ مِثْلُ اعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُمْ فِي الْيَقَظَةِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ ؛ بَلْ هَذَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ، وَاتِّبَاعًا لَهُ ، وَكَانَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَكَانَ يَأْتِيهِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ لَا يُوجِبُ كُفْرَهُ ؛ فَكَذَلِكَ ظَنُّ مَنْ ظَنَّ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَسِيحُ ، لَا يُوجِبُ خُرُوجَهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ .. " انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (13 /106-109) .
أما من شاهد رفعه منهم فلم يعتقدوا صلبه ، وهو الحق الذي جاء به القرآن ، قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/ 157.
قال ابن كثير رحمه الله :
" أظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك ، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ، ما عدا من كان في البيت مع المسيح ، فإنهم شاهدوا رفعه ، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /449) .
وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه : " أن القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت تفرقوا عنه قبل أن يدخل عليه اليهود ، وبقي عيسى ، وألقي شبهه على بعض أصحابه الذين كانوا معه في البيت بعد ما تفرق القوم غيرَ عيسى ، وغيرَ الذي ألقي عليه شَبهه . ورفع عيسى ، فقتل الذي تحوّل في صورة عيسى من أصحابه ، وظن أصحابُه واليهود أن الذي قتل وصلب هو عيسى ، لما رأوا من شبهه به ، وخفاء أمر عيسى عليهم ؛ لأن رفعه وتحوّل المقتول في صورته كان بعد تفرق أصحابه عنه ، فحكوا ما كان عندهم حقًّا ، والأمر عند الله في الحقيقة بخلاف ما حكوا . فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حواريّيه أن يكونوا كذبة ، إذ حكوا ما كان حقًّا عندهم في الظاهر ". راجع : "تفسير الطبري" (9 /375) .
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (110592) . .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/ref/181943
التعليقات (0)