مواضيع اليوم

لحظة وفاء

مالك الحزين

2010-07-20 20:54:47

0

لحظة وفاء

أول مرة نلتقي كانت عام 2001 وأنا في المرحلة الثانية بكلية دار العلوم، بهرني أسلوبه الرائع في السرد، وعالمه الخاص الذي يأخذ إلى فضاءات إبداعية بعيدة، ثم تجد نفسك تعود إلى واقعك تحمل معك هموم الذات والوطن.
هذه العوالم لم تكن إلا إشراقات إبداعية لناقد فذ، هو الكاتب الروائي والمبدع والناقد الأستاذ عبد المنعم شلبي الذي وافته المنية يوم الرابع من يوليو الجاري عام 2010، طيب الله ثراه ورحمه، تغمده برحمته وأسكنه فسيح جناته.
على الرغم من صلتي الوثيقة بالأستاذ عبد المنعم شلبي إلا أنني لم أجرب أن أكتب رؤية نقدية عنه، لأنه بالنسبة لي على الأقل الأستاذ المعلم، الذي أخذ بيدي وأنا أحبو في عالم القصة القصيرة، والذي أيضًا كنت أخجل منه كثيرًا، لأدبه الجم وعلمه الغزير.
سبب آخر كان يجعلني أشد خجلاً، وهو أنني كنت كسولاً في حياتي الإبداعية، بينما هو كان يراني على مستوى عالٍ من المهنية، وهذه شهادة أعتز وأفخر بها، وكم من مرة عنفني فيها لهجري الكتابة الأدبية خاصة القصة والرواية، وكم من مرة كان يتصل بي ويسألني عن أخباري الأدبية، بالطبع لم يكن عندي جوابًا.
كنت أشد خجلا منه أيضًا، لأنه كان يتذكرني ويتصل بي بينما كنت أغفل عنه وسط زخم عالم الصحافة المليء بالمتاعب، والتي لم أجد منها أي مردود حتى الآن، حتى إنه قال لي: لو ركزت في كتابة القصة والرواية لكان لك شأن آخر الآن.
الأستاذ عبد المنعم شلبي، مر بفترة مرضية طويلة، لأكثر من 9 أشهر، ولم يسأل أحد عنه، وكنت على حياء أتصل به كلما سنحت الظروف، لكنه كان يتذكرني دائمًا، حتى إنه عقب خروجه من المشفى، اتصل بي وطلب أن يجلس معي في أمر مهم للغاية، كان ذلك في الثاني من يوليو 2010 ، وكان ميعادنا في تمام الساعة السادسة مساء، وأخبرني أنه يعتزم عمل مجلة أدبية تحت مسمى "مداد وأقلام"، وهذا اسم لجمعية أهلية تهتم بالشئون الثقافية، يتولى هو شئونها، وكان أسسها قبل مرضه بفترة وجيزة.
كان موجودًا معه الأديب صلاح ياسين، الذي رأيته بصحبته كثيرًا، بعدها انضم إلينا الروائي الشاب الأستاذ عادل العجيمي، والدكتور الناقد الشاب شريف الجيار.
وقد اتفقنا على السياسة العامة للمجلة، وعلى أهم الأبواب والموضوعات التي ستسود بها سطور العدد الأول، وقد أوكل إليّ المعالجة الصحفية للموضوعات "الديسك"، في حين يتولى هو رئاسة التحرير، بعد أخذ رأي الحضور، ويكون مستشار التحرير الدكتور شريف الجيار والدكتور عوض الغباري والدكتور عبد الحكيم راضي، أما سكرتارية التحرير فكانت من نصيب الأستاذ صلاح ياسين، هذا بالإضافة إلى بعض العناصر الشابة التي اقترحها لتكون في أسرة تحرير المجلة مثل الشاعر إيهاب البشبيشي وغيره.
وكان من المقرر أن تصدر هذه المجلة كل شهر، يتم دعوة كبار القامات الإبداعية والثقافية في مصر والوطن العربي للكتابة فيها، دون الحجر على فكر أحد، على أن تراعى الأصول الأدبية والفكرية في تلك المجلة.
حلم لم يكتمل، فبعدها بيومين، وتحديدا يوم الأحد الرابع من يوليو توفي أستاذي عبد المنعم شلبي، ورحل معه الحلم الذي كنت أراه معينا ثقافيا للأجيال القادمة، حتى بالنسبة لنا نحن الشباب، منبر سيعتليه صاحب فكر مستنير، يؤمن بالعروبة وبحرية الإبداع التي لا تتجرأ على الثوابت والقيم، ويعلي من القيمة الفكرية.
الأستاذ عبد المنعم شلبي، لم يكن من الوجوه الإعلامية، ولم يكن يحب الظهور الإعلامي، لكنه أمتعنا كثيرًا بمقالاته في جريدة الأهرام أحيانًا، وفي جريدة الجمهورية كثيرًا، وكان يكتب أيضًا في جريدة المسائية- التي انضمت إلى مؤسسة أخبار اليوم تحت مسمى "أخبار المسائية"- عمودا أسبوعيًا.
الأستاذ عبد المنعم شلبي، مات ولم يكتب أحد عنه شيئًا، ليس لأنه لا يتمتع بالذائقة الإبداعية، بل لأنه كان يعمل في صمت، هو رائد من رواد الواقعية السحرية في الوطن العربي، هو مورد عذب ومعين زلال لمن أراد أن يعرف معنى الكتابة الإبداعية والفكرية السليمة.
لم أتحمل الصدمة يوم علمت بوفاته، ومع أنني لم أكتب لأنفذ رغبته، إلا أنه يجتاحني الآن ألم عظيم لأنني لم أكن عند مستوى الثقة التي أولانيها، مع أنني كنت أعده دائما بأنني سأجمع أعمالي التي تحتاج إلى تنقيح لأخراجها في مجموعة قصصية أو حتى أخرج أعمالي الروائية التي لم أنظر في مسوداتها بعد كتابتها.
الآن ما يشغلني فقط هو كيف أحقق حلمه في عمل مجلة أدبية ، وأتم مشروعه الذي كان يفكر فيه، ذلك هو الشيء الوحيد الذي سيجعل الأستاذ عبد المنعم شلبي مرتاحا في قبره.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !