(في الذكرى الأولى "للبشرى" بتشكيل لجنة عربية لحقوق الإنسان العربي نعيد نشر ما نشرناه بالمناسبة للتذكير والاستفسار)
لينم الإنسان العربي قرير العين "هانيها " بعد أيام قليلة فقط من تاريخه, وبالتحديد ابتداء من شهر فيفري/شباط القادم عام 2009, ستعود له الكرامة المستباحة. فقد طارت الأنباء بتشكيل لجنة عربية لمراقبة حقوق الإنسان. أعلنتها الأمينة العامة المساعدة في الجامعة العربية, لا احد غيرها, تسمى «لجنة مراقبة حقوق الإنسان في الوطن العربي" !!!.
على الإنسان في هذا الوطن صبر أيام فقط لا أكثر إلى حين قيام اللجنة المذكورة, لينعم بحقوقه كاملة غير منقوصة, وتنتهي مآسيه, أو على الأقل اغلبها. على الإنسان الصابر الصبور في الوطن العربي, مهما كان معتقده الديني, أو السياسي, أو أصله, أو جنسه, أو لونه, الذي انتظر أجيالا وأجيال انتظار شهرين فقط فلجنة المراقبة قادمة و مبشر بها.
صدرت هذه البشرى محمولة بتصريح الأمينة المساعدة المذكورة, على هامش المؤتمر العربي الأول !!! لحقوق الإنسان ( الأول بعد 60 عاما للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعقود من المؤتمرات والندوات والقمم العربية وعقود من الاضطهاد وخنق الإنسان مع حقوقه) المختتم أعماله في الدوحة في 14/12/2008.
وأعلنت البشري بان هذه اللجنة كان قد نص على إنشائها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عام 2004 في قمة تونس , إحدى قلاع حقوق الإنسان, ضمن القلاع العربية الأخرى, و اثر القلق العميق للزعماء والملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ العرب,على حال حقوق رعاياهم في أوطانهم.
وسيكون انتخاب أعضائها "ديمقراطيا" بالاقتراع السري (دون رقابة من كارتر المستعد دائما لمثل هذه المهام الانتخابية) من الدول العربية السبعة التي صادقت على الميثاق (لا نريد الإشارة هنا إلي هذه الدول المؤسسة حتى لا يجفل القارئ) وستُسمى الدولة المنضمة إلى هذا الميثاق لاحقا بالدول المنضمة (دون إمكانية نيل شرف ولقب دولة مؤسسة) .
أعطى الميثاق لهذه اللجنة الضمانات والحصانات الكافية كي تمارس مهامها بحيادية ونزاهة واستقلالية وجدية, وزيادة في ضمان الضمانات سيمارس أعضاؤها هذه المهام بصفتهم الشخصية, وليس كممثلين لدولهم في اللجنة. وإمعانا في الحيادية والنزاهة والاستقلال وطلبا لذلك سيُجعل لها ميزانية مستقلة (و ربما رواتب ومخصصات مجزية تحصينا لأعضائها من الانزلاق فيما قد تسول للمحتاج نفسه. والحكام العرب يعرفون ذلك جيدا ويحصنون أنفسهم وأبنائهم والورثة وكل المقربين تحصينا تحسدهم عليه النخب الأولى من أباطرة المال في الشرق و الغرب).
"بميلاد هذه اللجنة تكون الجامعة العربية قد أنشأت أول آلية عربية إقليمية لمراقبة حقوق الإنسان". هكذا جاء في التصريح البشرى, وهذا احتفالا بالذكرى الستين لحقوق الإنسان وانتصارا عربيا له, مجسد ماديا, بلجنة مراقبة عربية التركيب والهوى. وستكون "كالآلية الموجودة في الأمم المتحدة". خاصة وان مؤتمر قطر قد ناقش مسودة خطة عمل أعدتها الجامعة العربية, لا غيرها, للفترة بين 2009 و 2013 لتعزيز وحماية وتكريس حقوق الإنسان في الوطن العربي.
نعم تريد الجامعة العربية صادقة تكريس حقوق الإنسان, الموجودة أصلا, والتي لا تحتاج إلا لمجرد تفعيل وتكريس, في خطة خمسية, على غرار الخطط الخمسية التي كانت تضعها الدول العربية وتُقسم على تنفيذها ولو بعد 20 عاما, كما صرح احد المسؤولين العرب المتحمس لتنفيذ الخطط بمعزل عن سير الزمن ونوائبه.
ربما تكون الجامعة قد سمعت أخيرا, مشكورة مع ذلك على صحوتها وفطنتها واهتمامها, في الذكرى الستين لإعلان حقوق الإنسان, بقضايا هذا الوطن العربي, أليست جامعة لدوله؟, بان الإنسان فيه ليس على ما يرام, فلا بد إذن من إيجاد لجنة (آلية) لمراقبة تنفيذ الميثاق العربي لتلك الحقوق, فقد تكون بعض مواده أو فقراته لم تطبق بشكل مرض, من قبيل الإهمال أو النسيان دون قصد, وإلا لما فكرت بإيجاد مثل هذه اللجنة للمراقبة, وتذكير أولياء الآمر والنهي بالتجاوزات البريئة على الإنسان وبعض حقوقه.
ولكن شكر الجامعة على الصحوة, ونحن في زمن الصحوات, لا يمنع من توجيه بعض الأسئلة لها, وسؤالها لا يحتاج لجرأة كبيرة, ولا يخيف السائل, كسؤال موظف أو وزير عربي حتى لا نقول زعيم. فالجامعة نفسها تخاف ولا تُخيف.
هل تريد الجامعة العربية أن تنافق الأنظمة العربية حتى في مجال حقوق الإنسان وعلى حساب كرامته, وعلنا؟ أم أنها من موقعها لا ترى و لا تسمع, وان رأت غضت الطرف خفرا, وان سمعت فبآذان من طين وعجين, كما يقال؟
لا نريد أن نبين للجامعة مفهوم حقوق الإنسان, ونشأته, وتطوره, واليات وشروط تطبيقه, فلديها من الخبراء, والمنظرين, والمفكرين, والعاملين في هذا المجال, مئات الدكاترة, والأساتذة, والدبلوماسيين, ومن الخبرات المتراكمة من المشاركات غير المنقطعة, من عقود وعقود, في المؤتمرات الدولية في كل أنحاء العالم بما فيه العربي, ولحضورهم حضور, أي حضور!!.
و لكن نريد أن نسأل, فضولا فقط, إن كان البعض من هؤلاء لا يحمر خجلا أو حياء وهو ينظر في عيون نظرائه من غير العرب عند التطرق لحقوق الإنسان, ويحاضر فيهم في المؤتمرات الدولية؟. في المؤتمرات العربية لا يُطرح السؤال فلا خجل ولا حياء في حقوق الإنسان, ولا خشية من الله خالق ومكرم هذا الإنسان.
ـ كيف تشارك منظمات دولية كمنظمة العفو الدولية وغيرها وغيرها. .. الجامعة ودولها ذات التاريخ الأسود في مواد حقوق الإنسان, وتنافقهم وتضفي عليهم غطاء و ستارا؟, ولو كان إلى العري أقرب.
ـ كيف تريد الجامعة والمنظمات الدولية المشاركة في المؤتمرات الاحتفالية لحقوق الإنسان الإقناع بأنه يمكن في ظل الاستبداد والدكتاتورية, وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية, أن تولد حقوق للإنسان ؟
ـ كيف, دون تأنيب ضمير, يمكن البرهنة للإنسان في الوطن العربي انه في غياب دولة القانون والمؤسسات ودون قضاء مستقل ونزيه يمكن أن توجد حقوق وحريات فردية وعامة, وتُحترم, وتُقام لها و عليها رقابة؟
ـ كيف, دون ديمقراطية حقيقية, يمكن أن يُعترف للإنسان بحقوقه في المشاركة في بناء الدولة, واخذ دوره الذي يرسمه الدستور وتنص عليه القوانين وتضبطه الأنظمة؟.
ـ كيف يمكن البرهنة, ولو بمشاركة وجهود جامعة الحكام العرب و ضيوفها من الخارج, على إمكانية تعايش القمع, والإرهاب, والاحتقار, وانتهاك الحرمات والكرامة, والتجويع, والطرد والنفي, وتخصيص على الأقل مخبرين اثنين متفرغين لكل إنسان, يسجلان ليلا نهارا سيئاته دون حسناته, مع الحقوق الأساسية للإنسان ؟.
ـ كيف ماذا يمكن أن تقوله الجامعة ودولها الموقعة على الميثاق المذكور والمواثيق الدولية الأخرى, لورثة مئات آلاف من الذين أزهقت أرواحهم, وللذين شوهت أجسادهم تحت التعذيب بوسائله الرهيبة, منذ عقود وعقود, ولكل من هاجر أو هُجّر طلبا للنجاة ولسان حاله يقول " انج سعد فقد هلك سعيد", على طول الوطن العربي وعرضه؟. هل سيدخل في مهام لجنة المراقبة الموعودة رد الاعتبار لذكراهم, أو التعويض على الأحياء منهم والاعتذار لهم و لخالقهم, أي هل ستكون مراقبة بأثر رجعي أيضا؟. أم عفا الله عما مضى ؟.
ـ كيف وماذا تقول جامعة الحكام العرب في مواد حقوق الإنسان (حين تكف الدولة عن كونها دولة لتصبح دولة حكامها, تصبح الجامعة جامعة للحكام, في غياب الدول المخطوفة) للإنسان الذي أصبح متسولا في الوطن العربي على اتساعه: متسولا لقمة عيش, وظيفة, عملا, دراسة, كرامة, فتات حرية, رضاء موظف أو مسؤول, عطف حاكم؟ . متسول على أبواب السفارات الأجنبية تأشيرة دخول, بحثا, في دول الغير, عن لقمة عيش شريف, وكرامة مفقودة, وحقوق إنسان؟.
إن لم يكن عند هذه الجامعة مفيدا تفعله أو تقوله, ولا حول لها ولا طول, فمقبول منها, مشكورة, أن لا تقول شيئا, و لا تشارك في خداع إنساننا المقهور, ولا توهمه بخلق مواثيق ولجان مراقبة حقوق, لا وجود لها أصلا , وتترفع عن العهر السياسي, وهذا ابسط الإيمان.
ومع ذلك ـ وليس للإحراج فالجامعة لا يحرجها شيء ومنذ النشوء فقدت الإحساس بالإحراج و بالخجل ـ وفي الذكرى الأولى للبشرى بقيام اللجنة المذكورة, هل للجامعة أن تخبرنا عن صحة المولود السعيد, وعن إطفاء شمعته الأولى, إن كان هناك شمعة مضيئة أو قابلة للإضاءة؟.
د. هايل نصر
التعليقات (0)