مواضيع اليوم

لبن العصفور

نزار جاف

2011-06-22 20:51:41

0

غضب ملك على واحد من حاشيته و حکم عليه بالموت لکنه أوقف تنفيذ الحکم و إشترط على الرجل المغضوب عليه أن يجلب له لبن العصفور خلال ثلاثة أيام و إلا سينفذ فيه الحکم، وطبعا لم يکن الملك يبتغي من وراء طلبه الغريب و"المستحيل"هذا سوى أن يضع الرجل في حالة من التوتر النفسي لکي يرهقه تماما و من ثم ينفذ فيه الحکم. وضاقت الدنيا بالرجل المسکين ولم يدر ماذا يفعل و کيف يتصرف خصوصا وان الجميع کانوا يتعاملون معه على أساس أنه رجل ميت مفروغ منه، وعاد الى البيت بنفسية محطمة و حالة بائسة تماما و إستقبلته زوجته هاشة باشة و هي تبشره بأنها حامل بعد سبع سنوات من الانتظار، وکانت تتصور بأن زوجها سيطير فرحا خصوصا وانه کان يدعو من الله ليل نهار بأن يرزقه بذرية صالحة، غير انها تعجبت عندما رأته لايأبه ببشراها و تعجبت أكثر حينما رأت علامات الحزن و العبوس في وجهه، فهتفت بجزع:
ويحك أيها الرجل، ماذا حدث؟ هل طردوك من العمل في القصر؟
فأجاب وهو يجر نفسا عميقا: ليتهم فعلوا ذلك!
فذهلت و عادت تسأله: هل مات أحد أقاربك؟
فبادرها: يا حبذا لو کان الامر کذلك!
فصاحت وقد بدأ الشك يقتلها: هل تزوجت بإمرأة أخرى و أفتضح أمرك؟
فنظر إليها بغضب و صاح بها: أيتها الغبية أنا في أي حال و أنت بماذا تفکرين؟ أغربي عن وجهي وإلا، وکاد أن يقول أطلقك بالثلاثة لکنه تذکر فجأة بأنه سيقتل بعد يومين فلماذا يحمل على کاهله وزرا إضافيا، ولذلك لاذ بالصمت. وعلمت زوجته بأن هناك مصيبة کبيرة قد ألمت بزوجها و سعت بلطف و رقة بالغين لدفعه للکلام حتى کشف لها حقيقة الامر، وصعقت المرأة في بداية الامر، لکنها وبعد لحظات من تفکير عميق صاحت فرحة: وجدتها! وطبعا کان من حقها أن تهتف بذات الکلمة التي هتف بها اسحق نيوتن عندما إکتشف الجاذبية الارضية، لأنها إکتشفت سبيلا لتخليص إنسان من موت محقق، وحدق الرجل اليائس بها لکنه وکما هو حال الغريق الذي يتشبث بالبحر ولو بقشة، سألها: ماذا وجدت هيا أخبريني؟
فقالت نحن في الشتاء! فصرخ بها: أيتها البلهاء الکل يعلم نحن في الشتاء!
فبادرته مبتسمة: لکن العصافير تتزاوج في الربيع! فلم يتمالك الرجل نفسه و صرخ بأعلى صوته: هل أنت مجنونة؟ ماذا تريدين أن تقولي؟ فقالت بهدوء: خذ الامر بهدوء و روية و رباطة جأش وصدق بأنك ستخرج من هذه المصيبة بعدها و نفذ ماأقوله لك عند إنتهاء المهلة و سترى النتيجة بنفسك، و رغم عدم قناعة الرجل بوجهة نظر زوجته، لکنه مع ذلك إمتثل لإرادتها لأنه لم يجد مناصا من ذلك. وفي اليوم الموعود، صار الرجل بين يدي الملك و سأله الوزير بحدة: هل جلبت لبن العصفور کما أمرك جلالته؟ فأجابه الرجل بهدوء بالغ: للأسف لا، نحن في الشتاء و تعلمون بأن العصافير تتزاوج في الربيع ولذلك لم أجد في أثدائها حليبا!
فصرخ به الوزير غاضبا: أتسخر أيها الاحمق؟ هل أنت تنتبه لکلامك؟
فنظر الرجل الى عيني الوزير و هتف به: ويحك أيها الوزير! طالما أمرني جلالة الملك أن أحضر لبن عصفور فيجب أن نصدق جميعا بذلك ولاأحب أن أموت وأنا أکذب جلالته!
فضحك الملك و عفا عنه.
هذه الحکاية وجدت في ثناياها خير إجابة شافية و وافية على الخريف الذي يخيم حاليا على رؤساء عرب، ولماذا ثارت شعوب دول عربية بوجههم، إذ طالما إستخف هؤلاء الرؤساء المستبدون بشعوبهم و عاملوهم معاملة أشبه بمعاملة العبيد، وکانوا يحبذون دوما أن يحيطوا أنفسهم بهالة براقة و أنهم حالات استثنائية تجاوزت الحالة التقليدية للانسان العادي، لقد کانوا يطلبون من شعوبهم لبن العصفور فجاء اليوم الذي يدفعون ثمن مطالبتهم السمجة هذه!
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات