لبنان ... طائر الفينيق والسهل الممتنع
لقاء المصالحة السعودية السورية الذي يجري الآن في عاصمة بني أمية لاشك يثلج صدور كافة الحادبين على وحدة واستقرار الوضع العربي الداخلي في ظل الأخطار المتشعبة التي يتعرض لها هذا الوطن سواء في فلسطين والعراق أو لبنان والصومال والسودان واليمن .......
ومن المؤكد أن اللقاء الذي تم بين العاهل السعودي جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز وبين الرئيس السوري بشار الأسد ستحظى فيه المشكلة اللبنانية بنصيب الأسد .....
لقد عودتنا السعودية دائما على سعيها الصادق لرأب الصدع بين العرب بالحكمة والموعظة الحسنة وكنا ولا نزال نشد على يد وعضد سوريا في الصمود العربي والتصدي.
قبل عقود مضت كانت الساحة اللبنانية مقصورة على اللاعبين الفرنسي والسوري ..... وبعد أن تقلصت فرنسا عسكريا إلى داخل حدودها وثلاث أو أربع قواعد عسكرية رمزية إسمية رقيقة حال العدة والعتاد والتسليح في جمهوريات موز منسية ومحميات أفريقية هامشية من باب (كل برغوت على قدر دمه) ، فقد حاولت الولايات المتحدة الحلول محلها ولكنها سرعان ما انسحبت بعدما خسرت أكثر من مئتي فرد من مارينزها في تفجير واحد واكتشفت أن المسألة لا تستحق كل هذا العناء في وقت لم يكن الجنوب اللبناني يغلي ولا تهديد حقيقي يمثله حزب الله لإسرائيل آنذاك.
وكانت المحصلة لإنسحاب الولايات المتحدة تفرد سوريا بالشأن اللبناني كاملا . ولكن إسرائيل سرعان ما وجدت نفسها في حاجة لملء الفراغ فدخلت في لجة السهل الممتنع اللبناني وتعرضت للهزيمة تلو الأخرى حتى بات لبنان عقدة إسرائيل الأبدية وسيظل كذلك على مر العقود حتى يرث أهل فلسطين بلادهم ويعود الحق إلى نصابه من جديد .
ثم جاءت إيران الخميني لتجد الطريق ممهدا أمامها في الجنوب لتحقق عدة أهداف أولها مساندة الطائفة الشيعية اللبنانية وثانيا لي ذراع إسرائيل وإحراجها وبما يحققه من صدى إعلامي إيجابي للنظام الإيراني في العالمين العربي والإسلامي على الرغم من أنه لايوجد بالطبع مجال لتصديق أن إيران يمكنها تحقيق الحلم العربي بتحرير فلسطين وإعادتها على طبق من ذهب إلى أمة العرب.
أهل السياسة وزعماء الطوائف في لبنان لايجب التقليل من قدراتهم وخبرتهم ودهائهم بالطبع فهم ليسوا حملان وديعة أو مجرد أصحاب دكاكين تصفيف شعر وعيادات تجميل ومعلمي مطاعم كبة وتبولة ومقاهي . وراقصي دبكة ونظار معاهد لتخريج صبايا وحسناوات فضائيات ومتنافسات في مسابقات الرقص والغناء والطرب وملكات الجمال لاغير وفق ما يذهب الآخرون من الشعوب العربية والإسلامية إلى الظن بهم .....
ومن بين كل الزحام الأجنبي في بلادهم تراهم دائما ومن خلال خبراتهم المتأصلة يبحثون عن فرص لعقد التحالفات الخارجية وجلبها للساحة اللبنانية لتحقيق التوازنات المطلوبة ....
ومن أراد أن يعرف معنى هذه التوازنات فعليه أن يسترجع مقولة السيد حسن نصر الله بأن لبنان لايمكن الإنفراد بحكمه من جانب حزب واحد أو طائفة وحدها حتى لو حصل هذا الحزب أو الطائفة على الأغلبية المطلقة في انتخابات حرة نزيهة بالطبع ....
وهكذا يمكننا أن نفهم كيف دخلت السعودية وبعض دول الخليج في السوق اللبناني هكذا رويدا رويدا منذ تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الحرب الأهلية وفق تفاهمات الطائف التاريخية على عهد المغفور له جلالة الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه.
وكان المدخل الذي أفلح من خلاله زعماء الطوائف والساسة اللبنانيين في فرض مشكلة لبنان على السعودية هو جـذب العـديد من الاستثمارات المالية والعقارية منها ومن دول الخليج الأمر الذي شكل بالطبع لوبي ضغط قوي في عواصم الدول العربية النفطية للدفاع عن مصالح مواطنيها من رجال الأعمال واباطرة الاستثمار في لبنان.
هكذا إذن أفلح أهل لبنان في (تعـريب) أو بنحو أدق (تخليج) المشكلة اللبنانية بعد أن فشلوا خلال أعوام الثمانينيات في تدويلها او حتى تهويدها .... وخيرا فعلوا وخيرا استجـابت لهم الأقدار حين جاءت بدولة عربية (السعودية) لها وزنها المالي الثقيل جدا وتاريخها الناصع في الدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية منذ عهد مؤسسها الملك الراحل عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه.
وبعد أن سعت فرنسا سيركوزي مؤخرا إلى التوجه مباشرة نحو الخليج العربي وعقدت شراكات اقتصادية مع عواصمه النفطية والمالية ؛ فقد بات الدور الفرنسي في لبنان لا يكاد يكون أكثر من علاقات فرانكوفونية لا غير .. ولربما تشهد الأيام المقبلة وشيئا فشيئا إنقلابا نموذجيا في خريطة التحالفات اللبنانية بإنحياز جزء كبير من اليمين المسيحي اللبناني إلى سوريا كحل أمثل لتحقيق توازنات بعد فشل تحالفاته السابقة و ثبوت عدم جدواها مع كل من فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل .. ولا غرو فالسياسة خضراء دمن وحسناء لعوب لا تعرف الولاء لأحد ولا تسكب دموعها إلا على مصالحها.
بقي أن نامل حدوث تفاهمات بين السعودية وسوريا وفقا لهذه المعطيات اللبنانية الخاصة وليس وفقا لمعطيات أخرى ، لأنه إذا كان لا يصلح للبنان سوى ما يرتضيه أهل لبنان لأنفسهم ، فإنه لا يصلح لرعاته وأصحاب النفوذ فيه سوى التفاهم فيما بينهم وعلى نحو يرضيهم كافة ويتماشى مع صيغة التعددية والطائفية فيه .....
وغني عن القول أن سوريا بما تحتفظ به من حقوق تاريخية وجوار حدودي مباشر وتداخل سكاني مع لبنان لابد أن يكون لها الدور المفصلي الأهم في هذه الصيغة .. ولو كان بالإمكان تخطي سوريا لكانت إيران الخميني هي السباقة إلى تخطيها في علاقتها بحزب الله.
وحيث يرد إسم إيران فإن حزب الله قبل حليفهتا سوريا قد يكون فيه الكفاية لإقناعها بإحترام خصوصية لبنان وخطورة التورط فيه حتى حلمتي الأذنين لأنه وعلى الرغم من صغر حجمه وإنفتاح مواطنيه فإنه ليس باللقمة السائغة بأي حال من الأحوال سواء لعابر السبيل وللبعيد أو القريب على حد سواء ... وهو في كل الأحوال سهل ممتنع .. وبالعربي الفصيح شوكة حوت لا تنبلع ولا بتفوت.
التعليقات (0)