"لبنان على حاله في المشهد السياسي، لا شيء تغير، ولا واقع تبدل، وحتى الأرقام بقيت على حالها، وعليه لا يمكن البناء على ما حصل لتغيير التوازنات الحساسة القائمة، أو إعادة انتاج المرحلة الآفلة بآليات أخرى" نبيه بري
ثمة انتخابات كثيرة شهدها لبنان، لكن جميعها كانت متشابهة لجهة المحصلة النهائية، على عكس الانتخابات النيابية الأخيرة، في 7 حزيران/ يونيو الجاري والتي بدت الأكثر غرابة في تاريخ لبنان الانتخابي لارتباطها بعدة عوامل وإن لم تشكل سابقة إلا أنها ارتدت هذه المرة خلفيات وأبعاد بدت في ظاهرها مؤسسة لمرحلة مختلفة عما سبقها.
ولذا ليس من قبيل المفارقة أن جميع الأطراف اعتبرتها معركة مصيرية حسب توصيف زعيم الأكثرية النيابية وتيار المستقبل سعد الحريري، وصراع كوني حسب توصيف زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون، بدلالة الضجيج الداخلي والاهتمام الدولي والإقليمي غير المسبوق الذي حظيت به كونها مثلت نقطة تحول مفصلية تاريخية بالنسبة للقوى الداخلية فيما يتعلق بمصيرها ومصير مشروعها السياسي وموقعها المستقبلي في السلطة والحياة السياسية, الذي يشكل جزءاً من مشروع حلفائها في الخارج, ومصيري بالنسبة للبنان ومستقبله السياسي في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية الجارية، خصوصاً وأنه بات الأداة الأولى والرئيسية في التأثير على الصراعات والنزاعات الإقليمية وتغذيتها الغربية والبؤرة المركزية في الشرق الأوسط المضطرب ومحاوره المتصادمة نظراً لما يتمتع به هذا البلد من أهمية جيواستراتيجية جعلته في قلب أحداث المنطقة.
لكن حقيقة الأمر مختلفةٌ تماماً، فلبنان الصغير بتركته الكبيرة لم يكن في تاريخه قادراً على حسم موقعه ودوره، وبالتالي لم تكن أي مفردة من مفرداته السياسية حاسمة لجهة نقله من مكان لأخر بشكل حاسم ونهائي، ولعل هذا سر استمراره وبقائه كما هو، لكن هذا الاستمرار لا يشكّل ظاهرة الدولة القابلة للحياة بشكل طبيعي لسبب بسيط هو انعدام التوازن السياسي, الذي كان للتدخل الخارجي دوراً رئيسياً فيه, كما في ربط تطوره السياسي بالتطورات الإقليمية، فكانت نتيجة ذلك انعدام وجود أي تنمية اقتصادية حقيق تُشكّل رافعة أساسية لتنمية سياسية فعَّالة، بل وجدت تنمية سياسية مفاعيلها الرئيسية في ساحة الصراع الإقليمي، وبالتالي بروز ما يسمى بمذهبية الرهان الإنتخابي على الدور الخارجي باعتباره شرطاً ضرورياً للتنمية والازدهار الداخلي.
تاريخياً استخدم فرقاء الداخل شعارات لكسب المعارك السياسية بالنقاط لا بالضربة القاضية، وكان من نتائج هذا التعادل السلبي بروز ما يسمى بالأزمة اللبنانية بصورة لم تعد معها مجرد أزمة طائفية تظهر متواترة من خلال أداء أجهزة الدولة، وإنما أزمة هيكلية تجد مفاعيلها المؤسسية ضمن أجهزة الدولة نفسها, ما يشي بأن مرحلة ما بعد الانتخابات حُبلى بالكثير من التدخلات الخارجية، خصوصاً وأن نتائج الانتخابات أعادة استنساخ الوضع السابق بانقساماته ومساوئه.
إذن لا جديد في المشهد السياسي، فالأكثرية لازالت محتفظة بأرجحيتها النيابية 71 مقعداً من أصل 128 مقعد بواقع 55.47 بالمائة لكنها لم تنجح في تعزيز ذلك على المستوى الشعبي، إذ لم تتجاوز نسبة الأصوات التي حصلت عليها 45.3 بالمائة من أصل مليون ونصف ناخب، بالمقابل المعارضة لازالت على وضعها السابق أقلية برلمانية 57 مقعداً بواقع 44.53 بالمائة وإحرازها الأرجحية الشعبية 54.7 بالمائة ,طائفياً تمكنت المعارضة من حصد الأرجحية الشعبية في الدوائر ذات الغالبية المسيحية بواقع 63.89 بالمائة وعلى مقابل 36.11 بالمائة للموالاة .
وهذا قطعاً لن يغير من المشهد السياسي شيئاً، ولن يقوض النظام ومؤسساته واستقراره ولن يخل بالتوازنات، ولن يمس حكماً, دستوره وسياسته الخارجية، لكن فريقي الصراع هذه المرة سيكونان على تماس مباشر مع رئيس الجمهورية الذي بدوره سيجد نفسه عالقٌ بين أكثرية برلمانية في الحكم وأكثرية شعبية في المعارضة يصعب تجاوزها واتخاذ خيارات وقرارات أساسية بتجاهلها خصوصاً تلك المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية.
لبنان اليوم أمام خيارين كبيرين وحاسمين لرسم هويته ومستقبله السياسي للأربع السنوات المقبلة هما:
1- الاستمرار في خيار التوافق الوطني بين طوائفه ومجموعاته السياسية، وهذا يفترض البقاء على الأسس ذاتها التي حكمت هذا البلد بعد اتفاق الطائف، ويتطلب ذلك إشراك أكثرية القوى السياسية في تشكيلة الحكومة المقبلة، خصوصاً ذات التمثيل السياسي والطائفي.
2- تجاهل منطق التوافق الوطني بهدف إبعاد قوى وأطراف سياسية سبق اتهامها بتعطيل البرلمان المنتهية ولايته، وإعاقة عمل الحكومة الحالية، وشل مؤسسات الدولة، وهذا يعني جر البلد ليس فقط إلى أزمة حكومية أو سياسية، بل أزمة حكم وأزمة وطنية كبرى.
حسابات الربح والخسارة
على عكس انتخابات 2005 والتي كانت نتائجها معروفة سلفاً، خصوصاً في بلد يجعل من النظام التوافقي, الأساس لتأكيد الحفاظ على التوازن العرقي والديني الدقيق, فيما كانت الانتخابات الأخيرة مخالفة لكل التوقعات واستطلاعات الرأي بما شابها من تناقضات حادة لأول مرة.
والملاحظ على قانون 2005 أنه وُضع أساساً بهدف تحجيم الأصوات المناهضة لسورية، إلا أن نتائجه صبت في صالح تيار المستقبل المستفيد حينها من التحالف الرباعي مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله وحركة أمل، ونظراً لما تبع ذلك من تبدُلات في التحالفات وما ترتب عليها من إشكاليات وأزمات, جرى التوافق في اتفاق الدوحة 7 آيار/ مايو2008 على الأخذ بقانون العام 1960 معدلاً، نزولاً عند رغبة الجنرال ميشال عون الهادف من ورائه استعادة مكانته المسيحية النقية، وهو ما عُدَّ صفعة قوية للقوة السنية، لكن الانتخابات الأخيرة أتت على عكس المتوقع، مُعيدةً بذلك الاعتبار للحريري ولتياره السياسي.
وتكمن المشكلة في هذا القانون, وضعه كل فرد لبناني في دائرة انتخابية طائفية خاصة كما هو حال بيروت الثانية ما أدى إلى هز التحالفات القديمة، وبالتالي تغليب قاعدة الطائفة والوفاء الطائفي على قاعدة السياسة كونه يعتمد على نظام القضاء دائرة انتخابية بما يشكل ذلك من ديناميكية اجترارية لاستعادة العصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية، وبالتالي حرمان طوائف وأقليات لها ثقلها من التمثيل وانعدام المساواة في توزيع الدوائر جغرافياً والتوزيع الطائفي.
والملاحظ حسب التوزيع الطائفي استئثار السنة بـ27 مقعد ومثلها للشيعة و34 للموارنة و14 للارثوذكس و8 للكاثوليك ومثلها للدروز و 5 للأرمن الارثوذكس و2 للعلويين وواحد لكل من الأرمن الكاثوليك والانجليين والأقليات الأخرى.
أمثلة كثيرة نجدها في الواقع، فالأقليات المسيحية مثلاً رغم تجاوز تعدادها 6 اقليات و 54 ألف نسمة تحصل على مقعد واحد، فيما العلويين الذين لا يتجاوز تعدادهم 25 ألف نسمة لهم مقعدين، المسيحيون في "بنت جبيل" البالغ عددهم 14930 نسمة لم يخصص لهم مقعد، في حين تم تخصيص مقعد للمسيحيين في طرابلس البالغ تعدادهم 5129 نسمة,وكذا الحال بالنسبة لمسلمي دائرة جزين البالغين 12375 نسمة لم يحصلوا على مقعد واحد هناك.
كل هذا يجعل من نظام القائمة النسبية الأنسب للحالة اللبنانية, كون نظام القضاء لا ينتج تنوعاً، وإنما لاعبين كبار يستأثرون بمصير الطوائف كما هو حال تيار الحريري الذي احتكر تمثيل الطائفة السنية، وثنائي حزب الله وأمل اللذين احتكرا الطائفة الشيعية وسط انعدام الزعامات المتعددة، وهو ما انعكس سلباً على المستقلين الذين وجدوا صعوبة بالغة في اختراق الاصطفافات السياسية والطائفية الكبيرة، وهو ما يجعل الحالة اللبنانية في نهاية المطاف غير قابلة لوجود طرف خاسر وهي واحدة من السلبيات الغامضة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، بما شابها من ولاءات ونفس طائفي ومذهبي غير مسبوق في المشهدين السني والشيعي على عكس الساحة المسيحية التي بدت ولاءاتها منقسمة بين الموالاة والمعارضة.
لكن هذا لم يمنع من نجاح الانتخابات الأخيرة في هذا البلد خصوصاً وأنها لأول مرة تٌجرى في يوم واحد بعد أن كان إجرائها موزعاً على أربعة أيام ، وهو ما يجعل وزير الداخلية الآتي من خارج النادي السياسي والمؤسسة الأمنية وقوى الأمن الداخلي الأبطال الحقيقيين لنجاحها وبشهادة المراقبين الدوليين على رغم حدة التنافس الذي صاحبها والشعارات المثيرة للعصبيات والاستخدام وازدهار سوق النخاسة وبازار المال السياسي والدعم الخارجي الواسع والبراعة في استغلال وسائل الإعلام بعقلية جاهلية صرفة.
على مستوى الكتل والاصطفافات
أفرزت نتائج الانتخابات تباينات كبيرة في حجم الكتل وتمثيل التيارات منها انضمام خمس كتل جديدة إلى البرلمان الجديدة هم: المردة(3) والوطنيين الأحرار (1) والجماعة الإسلامية (1) والحزب الديمقراطي(1) وجبهة العمل الإسلامي(1), ومغادرة كتلتين هما: الكتلة الشعبية بعد أن كان لها سابقاً 5 مقاعد والتجدد الديمقراطي باستثناء فوز مرشح واحد من الكتلة الشعبية هو عاصم عراجي لترشحه على القائمة المنافسة.
كتل حافظت على مكانتها هي القوات اللبنانية (5) القومي (2)، اليسار الديمقراطي (1).
كتل توسع تمثليها النيابي هي: الإصلاح والتغيير انتقلت من 27 مقعد مسحي، الكتائب 5، المستقلون 7، تيار المستقبل 38 منها 22 مقعد سني ، الطاشناق 2، البعث 2.
أربع كتل تراجعت تمثيلها هي: اللقاء الديمقراطي(جنبلاط) من 15 إلى 11، التنمية والتحرير من 15 إلى 13، الوفاء للمقاومة من 14 إلى 12، قرنة شهوان- مسيحية مستقلة- من 5 إلى واحد هو بطرس حرب.
على مستوى الاصطفاف
1- الموالاة: تضم 10 كتل هي: المستقبل 38 مقابل 36 في 2005، اللقاء الديمقراطي 11 مقابل 15، القوات 5 مقابل 6، الكتائب 5 مقابل 2، التكتل الطرابلسي 2 مقابل 4، الجماعة الإسلامية 1، الأحرار 1، زحلة بالقلب 6 مقابل 1، اليسار الديمقراطي 1، مؤيدين 2.
2- المعارضة تضم 10 كتل هي: التيار الوطني الحر 21 مقابل 14 في العام 2005، التنمية والتحرير 13 مقابل 15، الوفاء للمقاومة 12 مقابل 14، الطاشناق 2 مقابل واحد، القومي 2، الكتلة الشعبية (مسيحية) خسرت مقاعدها الخمسة، المردة 4، التنظيم الناصري خسر مقعده الوحيد، البعث 2 مقابل واحد، طلال أرسلان 2. يذكر أن قائمة أرسلان والمردة انظمت إلى تكتل الإصلاح والتغيير كما منح حزب الله مقعداً لجبهة العمل الإسلامي التي يترأسها فتحي يكن.
3- المستقلون: واحد لقائمة ميشال المر و2 لكتلة ميقاتي.
لماذا خسرت المعارضة؟
أدت عدة عوامل إلى خسارة المعارضة غير المتوقعة أبرزها: اختزال المعارضة في تيارين هما حزب الله والتيار الوطني الحر، وعدم تبلور مشروع سياسي واحد يعكس المعارضة بكافة أطيافهاومكوناتها ما أدى إلى ترك حلفائها خارجين التيارين الرئيسيين يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وغالباً في موقع الدفاع عن سياسات الحزب والتيار، وبإيجاز لم يكن ينقص المعارضة القوة المالية والسياسية، ولا الإعلام، ولا حماسة الجمهور والتحالفات إلى غيرها من الأمور التي تفوقت فيها الموالاة سواء على صعيد التعاون بين مكوناتها أو الانفتاح على قوى جديدة بصورة أوسع، بل ما ينقص المعارضة المشروع والبرنامج والإدارة وكل ما من شأنه جعلها معارضة وطنية بحق، وليس مجرد تكتلات متجاورة لأهداف سلطوية بعضها يتعارض مع البعض الآخر.
السيناريوهات المحتملة
تميزت الدولة اللبنانية في السنوات الأربع الماضية بالضعف والهشاشة والانقسامات الحادة في ظل سعي أميركا لاستخدامها وتوظيفها كأداة في التأثير على الصراعات والنزاعات الإقليمية، ونظراً إلى لعبة التوازنات الدقيقة التي تُسَيِّر هذا البلد, وتحول دون اتخاذ مواقف سياسية تتجاوز سقف التوافق الوطني, السقف الذي يمكن لقوى المعارضة والموالاة بغض النظر عن الأكثرية والأقلية البرلمانية التحرك تحته، لكن المعطيات الأولية تشير إلى وجود جردة حسابات قاسية في المرجعية الواجب الانطلاق منها لرسم هوية المرحلة المقبلة والمتراوحة بين اتفاقي الطائف والدوحة, في وقت تُصِّر فيه الموالاة على الأول باعتباره تسوية تاريخية على عكس اتفاق الدوحة الذي لا يعدو عن كونه إجراء مرحلي مؤقت ينتهي بزوال مبرراته، فيما ترى المعارضة أن الطائف قد أنجز وظيفته وتآكل فانتفت قدرته على الاستمرارية وبالتالي سيرورة الدوحة القاعدة الأساسية لرسم وتشكيل هوية المرحلة المقبلة خصوصاً فيما يتعلق بالمشاركة السياسية.
يأتي هذا التباين الحاد في وقت يعاني فيه لبنان من غياب الرؤية والمشروع والقوى الاجتماعية الحاملة والقوى الدولية والإقليمية الحاضنة والقوى القادرة على تأمين ديمومة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تحت ضربات الإفلاس والأزمة المالية العالمية، وهو ما يثير التساؤل عن الأسباب التي منعت الموالاة سابقاً من الحكم وما إذا كانت المتغيرات الخارجية ستصب لصالحها، في حين أن المتغير الوحيد داخلياً الذي تراهن عليه هو شخص رئيس الجمهورية، لكنه ليس جوهرياً, كون العناصر التي عطلت حكمها في السابق في مكان آخر تماماً, بدءاً من سلاح المقاومة وجمهورها وتحالفاتها, وهو ما يشي بأن استعادة الموالاة أكثريتها البرلمانية مؤشراً خطيراً لإعادة تعميم الأزمة والدفع بها إلى مستويات أكثر في حال أصرت على عدم القبول بمنح المعارضة حق المشاركة والثلث الضامن، خصوصاً مع تنامي الحديث في أوساط تيار المستقبل عن الاتجاه نحو منح ميشال سليمان الثلث الضامن مقابل إعطاء المقاومة ضمانات بعدم الحديث عن سلاحها خارج طاولة الحوار الوطني على خلفية المساعي الحثيثة لحصول الموالاة على أكثرية وزارية في الحكومة الجديدة توازي الأكثرية النيابية لتقضي بذلك على الثلث الضامن، وهي معادلة رسمها رئيس الجمهورية بعد البطريك الماروني نصر الله صفير خصوصاً وان عام ميشال سليمان الأول في الحكم معطوباً.
ردود الفعل الأولية تشير إلى عدم استمرار الأزمة القائمة، بل إلى وضع لبنان على مفترقين، إما تجديد اتفاق الدوحة مع أرجحية لصالح الموالاة أو العودة إلى الوضع السابق بما فيه من صدامات لا أحد يعرف كيف ستكون خاتمتها في ضوء المؤشرات وردود الفعل الخارجية.
أسئلة كثيرة تنتظر لبنان وملفات مرحلة تنتظر الحسم أضافت إليها الانتخابات عبئاً جديداً أكثر جسامة وخطورة سواء على صعيد تشكيل الحكومة ومصير الثلث الضامن والمشاركة ووضعية الرئيس سليمان، خصوصاً بعد خسارة مرشحين قيل أنهم محسوبين عليه في عدة مناطق أهمها كسروان وجبيل.
الحكومة المقبلة..
بحسب التركيبة اللبنانية المعقدة لن يستطيع الرابح الحكم بمفرده، ولن يكون وجود الخاسر خارج الحكم مبرراً لتهميشه, وكون الفريقان لا يؤمنان كثيراً بالقواعد الدستورية التي تقوم على مراقبة اداء الحكومة ومحاسبتها في البرلمان ولا بسقوطها عندما تحجب الثقة عنها، لذا لا تكمن الأزمة المنتظرة في سلاح الغالبية البرلمانية، بل في المعادلة القديمة التي رافقت تشكيل الحكومات المتعاقبة والمتجلية هذه المرة في الجدل حول مستوى الشراكة لكلا الفريقين، وتباين المواقف حول الثلث الضامن وموقع التوافق الوطني من ذلك، وفي حال أصر الفريقين على مواقفهما ستكون البلاد على موعد اخر من الازمات المتناسلة .
الموالاة ترفض منح المعارضة الثلث الضامن لكنها لا تمانع مشاركتها في الحكومة الجديدة بشروطها، في ذات الوقت تتمسك المعارضة بالمشاركة والثلث، فيما يرى فريق آخر اعطاء الثلث+ واحد لرئيس الجمهورية، لكن هذا دونه عقبات في اوساط الموالاة، خصوصاً بعد موافقة عون منح الرئيس الثلث+واحد شريطة جعله جزءاً لا يتجزأ من الدستور، وهو ما اثار حفيظة جعجع وجنبلاط.
وفي ما يتعلق بتشكيلة الحكومة هناك عدة سيناريوهات أبرزها:
1- عدم اختلاف الحكومة المقبلة كثيراً عن الحالية باستثناء دخول فرقاء جدد يلعبون دور الوسيط بين الفريقين، وبالتالي فرض هذا الفريق نفسه على الواقع السياسي وتشكيل الحكومة أو عرقلتها تبعاً للمؤشرات الخارجية.
والرهان هنا يتوقف على احتمال توافق جنبلاط وبري والطاشناق وميقاتي للانضمام إلى رئيس الجمهورية وتشكيل كتلة وسطية ثالثة تفرض نفسها على الموالاة والمعارضة, بما يؤدي الى اخراج حكومة وحدة وطنية أو تعزيز مبدأ الحكومة الائتلافية ودور الرئيس التوافقي فيها كشريك فاعل بالمحكم بمنحه الثلث الضامن بالحكومة بما من شأنه في نهاية المطاف اجتراح خروقات كبيرة في مواقف الموالاة والمعارضة تُسهّل تشكيلة الحكومة وتخرج البلد من دوامة المراوحة والشلل والتعطيل.
2- اتجاه الموالاة الى تشكيل حكومة متجانسة دون الثلث المعطل، وهو أمر مستحيل ما يعزز جزم البعض برضوخ الموالاة في النهاية لسياسة الأمر الواقع وهو اشراك المعارضة، والتسليم لها بالثلث الضامن, كون عدم التسليم بذلك يعني العودة إلى المربع الاول قبل اتفاق الدوحة، كما أن التعويل على ولادة الكتلة الوسطية يظل في القاموس السياسي ضرباً من الخيال كون ذلك يتطلب الحصول على رضا كل الاطراف، مالم ستصبح خطراً على دور رئيس الجمهورية نفسه، لاسيما وأن الاطراف المتحمسة لهذا الطرح غير متفقة فيما بينها على تعزيز صلاحيات الرئيس حتى الأن.
3- خيار ثالث يدعو الى تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج الاحزاب والتيارات السياسية الحالية خيار قديم أثبت نجاحه لذا أعيد استحضاره لكنه يحتاج إلى معجزة.
4- بقاء الحكومة الحالية كحكومة تصريف اعمال انتظاراً لما قد تفرزه عجلة الحوار الأميركي الإيراني والأميركي السوري.
5- خيار خامس يذهب إلى تعزيز الاتجاه نحو مقاربة سعودية سورية واعادة استنساخ تجربة الحريري الأب وهو يبدو الاقوى من بين الخيارات السابقة بدلالة تغير خطاب الحريري الابن تجاه سلاح حزب الله وتصريحه أكثر من مرة أنه سيزور سورية في حال صار رئيساً للحكومة، ناهيك عن استعجال سورية والسعودية وصول سفيريهما إلى بيروت قبيل الانتخابات بأيام، كما لم تبدِ سورية انزعاجاً بخسارة المعارضة كونها جنبتها مواجهات ومناورات مع إسرائيل.
التعليقات (0)