الشرق الأوسط الجديد..من الفكرة الى التنفيذ [5/11]
لبنان في قبضة قوى التقسيم
تقوم خطة "برنارد لويس" لتقسيم لبنان في "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، على تفتيت هذا البلد الى ثمانية كانتونات عرقية وطائفية ومذهبية. والدويلات موزعة على الشكل التالي: دويلة سنية في الشمال عاصمتها "طرابلس"، ودويلة مارونية شمالا عاصمتها "جونيه"، دويلة سهل البقاع العلوية، عاصمتها "بعلبك" (خاضعة للنفوذ السوري شرق لبنان)، بيروت الدولية "المدوّلة"، كانتون فلسطيني حول صيدا وحتى "نهر الليطاني"، تسيطر عليه "منظمة التحرير الفلسطينية"، كانتون كتائبي في الجنوب يشمل مسيحيين ونصف مليون من الشيعة، دويلة درزية في أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية والفلسطينية المحتلة، كانتون مسيحي تحت النفوذ الإسرائيلي.
أول ما يمكن ملاحظته من تصوّر "لويس" التقسيمي للبنان (وهو تقسيم شديد الشرذمة والتعقيد)، أن الأخير إنما كان يراهن على الأقليات المسيحية اللبنانية، لكي تكون الدافع والأداة لتنفيذ المشروع التفتيتي في لبنان، ويظهر ذلك من خلال إشارته الى "حزب الكتائب" الذي خصص له كانتونًا خاصًا في الجنوب يجمع ما بين المسيحيين والشيعة مع أن الشيعة هم أكثرية ساحقة في تلك المنطقة، وتخصيصه كذلك كانتونين آخرين مسيحيَين أحدهما مارونيًا شمالا عاصمته "جونيه"، وثانيهما (وهو الكانتون المسيحي الثالث) على تماس مع الحدود الفلسطينية ويخضع للنفوذ الإسرائيلي.
ومن تقسيم "لويس" يلاحظ أيضًا، أن الطائفة الشيعية محيّدة تمامًا عن هذا المشروع، إذ إن "لويس" لم يلحظ لها أي كانتون خاص بها مع أن ذلك ليس بالأمر الصعب جغرافيًا ولا ديموغرافيًا، لكون تلك الطائفة ذات ثقل كبير في الجنوب وكذلك في "البقاع" و"بعلبك"، إلا أن "لويس" أعطى "سهل البقاع" و"بعلبك" لدويلة علوية -وهم أقلية قليلة لا تقارن بالشيعة- خاضعة للنفوذ السوري، وأما الجنوب فقد أعطاه لـ"الكتائب"! فما السبب ياترى؟! وهل هذه الخارطة المشرذمة قابلة للتعديل؟
من خلال متابعة مجريات الأحداث في لبنان بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وخصوصًا في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، ندرك أن "لويس" في تصوّره التقسيمي للبنان كان يراهن على الحصان الصحيح، لكون "حزب الكتائب" كان متورطًا بعلاقة مع إسرائيل ومدعومًا منها؛ يومذاك، كان لبنان خاضعًا لـ"المارونية السياسية"، وكان مطلوبًا من "الكتائب" -وبقناعة منها كـ"مقاومة لبنانية" رافضة لأي تنظيم أجنبي مسلّح على الأراضي اللبنانية- القضاء على الوجود الفلسطيني المناهض لإسرائيل والذي يتخذ من لبنان منطلقًا لعملياته "الفدائية" في إسرائيل؛ وقد زادت النقمة على التنظيمات الفلسطينية بعدما أصبحت تتدخل في السياسة اللبنانية الداخلية، وتمارس نفوذًا عليها.
بيد أن التنظيمات المارونية المسلحة لم تنجح في القضاء على المنظمات الفلسطينية، ولم تعد تريد المضي بمخطط التقسيم الذي تريده إسرائيل، وذلك على أثر وصول قائد "القوات اللبنانية" "بشير الجميّل" إلى سدة الرئاسة الأولى عام 1982، وإعلانه في أول خطاباته عقب انتخابه وقبل تسلمه مقاليد الحكم، رفضه أي احتلال أجنبي للبنان، الذي لن يكون إلا سيدًا حرًا مستقلا موحدًا على كامل أراضيه البالغة مساحتها 10452 كلم مربع.
شكل هذا الإعلان وشعار "10452كلم2" الذي رفعه " بشير الجميّل"، صفعة موجعة لإسرائيل ومشروعها التفتيتي، لأنها كانت تراهن على "الجميّل" وطائفته المارونية وحزبه لتنفيذ مخططها التقسيمي في لبنان، وبالتالي تخلّت عن "الموارنة"، وجرى اغتيال الرئيس "بشير الجميل" ردًا على موقفه الوطني في 14/9/1982 قبل تسلمه مقاليد الحكم رسميًا بواسطة "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، التابع للنظام السوري الموجود في لبنان منذ العام 1976، يوم اجتاح البلاد بالتنسيق مع أميركا وإسرائيل للمساهمة في القضاء على "المقاومة" الفلسطينية بعد تعثّر "الكتائب"... وبذلك، بدأت إسرائيل تبحث عن البديل المناسب لحفظ حدودها وتنفيذ مشروعها.
في لبنان لا توجد من بين اللبنانيين قوميات عرقية لها عدد يعتد به، وبالتالي كان لا بد من حصر البحث في الإطار الطائفي حيث المجال الأوسع. جرى استبعاد الخيار الدرزي لقلة عدد الدروز وتقوقعهم في مناطق محددة، وكذلك الأمر بالنسبة للعلويين؛ أما السنّة فجرى تحييدهم أيضًا لأنهم المستهدفون أصلا من تقسيم المنطقة وهم شديدوا العداوة للصهيونية ومؤيدون لـ "منظمة التحرير الفلسطينية"، وبالتالي لم يعد هناك سوى غلاة الشيعة المرتبطين "بولاية الفقيه" في إيران، وهم كثرة في لبنان، ولديهم أطماع وأحقاد تاريخية وعقائدية ومشروع خاص يقوم على "تصدير الثورة الخمينية"، وهو مشروع يتقاطع والمشروع الصهيو-أميركي في المنطقة.
جرى تسليم لبنان للنظام العلوي البعثي بعد التخلي عن "الكتائب" (الذين تمسكوا بالخيار الوطني)، على أن تكون مهمَّة السوريين تنظيف الساحة اللبنانية من أي سلاح لأي فئة أو طائفة قد تُشكِّل خطراً على إسرائيل، فانحصر السلاح بالقوات السورية و"حزب ولاية الفقيه" الذي أسسه "الخميني" بعد أعوام قليلة من نجاح -أو إنجاح- ثورته في إيران.
قبل أن يتم نقل دفة إدارة المشروع التفتيتي وتفنيذه الى "حزب ولاية الفقيه"، كانت مهمة تصفية المنظمات الفلسطينية في لبنان مناطة بـ"حركة أمل" ولم يكن ذلك الحزب الإيراني قد ولد بعد؛ وفي ذلك يقول "توفيق المديني" في كتابه "أمل وحزب الله": "إن البرنامج الضمني لحركة أمل هو القضاء على الوجود الفلسطيني المسلّح، باعتباره يشكّل تهديدًا رئيسًا لأمن المجتمع الشيعي". ولعل هذا ما يفسّر سبب استقبال المنتمين الى ذلك "البرنامج" الجيش الإسرائيلي عندما اجتاح الجنوب اللبناني عام 1982 للقضاء على الفصائل الفلسطينية بالورود والأرز!!
انتهى دور "حركة أمل" التى كانت أكبر الحركات الشيعية فى لبنان في ذاك الوقت، بعدما فشلت "طهران" في بسط سيطرتها عليها، حيث رفضت "الحركة" (التي لاقت دعمًا في وقت ما من إيران) تبني مبدأ "الولي الفقيه" أحد المبادئ الاساسية للجمهورية الايرانية، الذي جعله "الخميني" عقيدة دينية يتوقف عليها إيمان "الشيعي" أو كفره، وهي عقيدة تُلزم معتنقها بضرورة الولاء الديني والسياسي لنائب "المهدي" المسمى بـ"الولي الفقيه". وقد رفضت "الحركة" تبني تلك العقيدة، لأنها كانت تدين بالولاء لإمامها "موسى الصدر" وتعتقد أنه الأولى بواجب الطاعة، وذلك قبل تغييبه وبعده.
عقب هذا الفشل الايراني، قررت طهران إقامة منظمة شيعية جديدة تكون بديلا لـ"حركة أمل"، ويكون ولاؤها الكامل لإيران لكي تحقق تطلعاتها في لبنان، فأسّس "الخميني" "حزب ولاية الفقيه" في لبنان الذي أعلن عن ولادته رسميًا عام 1985، وإن كانت نشأته تعود حقيقة الى العام 1982؛ فيومها، استغلت إيران "الخمينية" الفراغ السلطوي الذى نشأ فى لبنان عقب الغزو الاسرائيلي، وأرسلت الى لبنان قوة تنفيذية من "الحرس الثوري الايراني" ضمت 1500مدرب ومقاتل، كانت مهمتها تدريب وتعليم المنضمين الأوائل لـ"حزب ولاية الفقيه" والمساهمة فى إقامة مؤسساتها الخاضعة لإدارة الحزب، والتى كانت نواتها الاولى فى مدينة "بعلبك".
منذ تأسيسه عمل "الحزب" على تحجيم "حركة أمل" عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًا وصولاً الى إخضاعها لوصايته بشكل كامل، كما عمل على احتكار ما يسميه "مقاومة"، فحصرها بحزبه وطائفته، وبدأ يكدس السلاح الإيراني بذريعة "المقاومة" ويقوي نفوذه وسيطرته على طائفته، وعلى الدولة اللبنانية بجيشها وجميع مكوناتها، مستخدما عناصر: السلاح والمال والتكليف الشرعي، ومستغلا ضعف الدولة الذي عمل ولا يزال على زيادته لصالح تقوية دويلته، مع العلم ان ضعف السلطة المركزية هو دليل على خطر احتمال التقسيم، أما قوة السلطة المركزية، فهي دليل على وحدة البلاد.
وفي هذا السياق، أثارت علامات استفهام كبيرة جدًا، دراسة نشرت في حزيران 2010 بمناسبة مرور عشر سنوات على الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان بعد احتلال دام ما يربو على العقدين من الزمان، فقد أكدت ورقة بحثية من إعداد الصهيوني "شيمعون شابيرا" تحمل عنوان "حزب الله وفشل الدولة اللبنانية" صادرة عن "المركز الأورشليمي للدراسات العامة والسياسية"، أكدت على "أن الغزو الاسرائيلي للبنان فى صيف 1982، أسهم بشكل كبير في تعظيم قوة حزب الله العسكرية، الى جانب ذلك أسهم الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني الذي استمر من عام 1982 وحتى عام 2000 في تعاظم تلك القوة، وأصبح حزب الله بمثابة الزيت الذى يوضع فى المحركات، واصبح يمتلك أيضاً قدرات عسكرية، سياسية واجتماعية". وقد أكد على ذلك أيضاً وزير الحرب الصهيوني "إيهود باراك" الذي قال في حديث مع التلفزيون الإسرائيلي بمناسبة مرور عشر سنوات على الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان: "حزب الله لم يكن موجودا بتاتًا عندما دخلنا لبنان، بل أُقيم بسبب وجودنا هناك، وإن تعاظم قوته ليست نابعة لانسحابنا من جنوب لبنان، بل بسبب وجودنا هناك".
وبعيدًا عن تلك الدراسات والتصريحات التي سنترك الحكم على مدى صحتها للتاريخ، فالملاحظ أنَّه منذ العام 2000، قرَّرت السياسة الصهيو-أميركية، رفع أسهم إيران وملحقاتها أتباع "ولاية الفقيه" في العالمين العربي والإسلامي، عبر إظهارهم بمظهر المقاتل لإسرائيل والمعادي لأميركا، تمهيدًا لكسب تعاطف الشعب العربي والإسلامي السُنِّي، وبالتالي شقّ الصفين العربي والإسلامي.
وعلى هذا الأساس، تمَّ عام 2000 الإنسحاب الإسرائيلي التكتيكي من جنوب لبنان، باستثناء مزارع شبعا لضمان احتفاظ "حزب ولاية الفقيه" بسلاحه وإبقاء ذريعة ما يسميه "المقاومة". وقد تعمّد العدو الإسرائيلي تنفيذ انسحابه التكتيكي، من دون تنسيق مسبق مع الدولة اللبنانية التي كان يفترض أن تتسلم قواها الأمنية تلك المناطق المخلاة إسرائيليًا لبسط أمنها وسلطة الشرعية اللبنانية عليها، إلا أن العدو الإسرائيلي فضّل تسليم تلك المناطق الجنوبية لـ"حزب ولاية الفقيه" مع "حبة مسك"، تمثلت بتركه ذخائر وأسلحة وأجهزة وآليات عسكرية إسرائيلية، متيحًا لـ"الحزب" الإفادة من بعضها وعرض بعضها الآخر في "معارض" دعائية.
أدى الإنسحاب التكتيكي غرضه، فنمت شعبية عارمة لـ"الحزب" متخطّية حدود لبنان والعالم العربي لتَعُمَّ المسلمين في كل مكان، واستولى الحزب بشكل كامل على الجنوب اللبناني الذي كان مقررًا في تقسيم "لويس" إعطاؤه لـ"الكتائب". ومنذ ذلك الحين سُمِحَ للحزب بالتسلُّح المُكثَّف والثقيل ليقوى على الدولة اللبنانية، ويُشكِّلَ دويلة له داخلها، لها جيشها الخاص واقتصادها الخاص الذي لا يتأثر بالاقتصاد اللبناني كونه مبنيًا على الدعم الإيراني بمليارات الدولارات، تُنفَق على أعضاء الحزب ومؤيِّديه ومؤسساته المُتَخَصِّصة بالمجالات كافة، وكل ذلك بحجة دعائية تمويهية تسمى "المقاومة". وتوازيًا مع ذلك بدأ الحزب يشكل خلايا له في الدول العربية المراد تصدير "الثورة الخمينية" إليها، وكان بعض عناصر تلك الخلايا يزورون لبنان لتلقي التدريبات والتوجيعهات اللازمة في معسكرات الحزب الإيراني، الموجودة في المناطق المحظورة على الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية.
كما بدأ "الحزب" يشكل كانتونه الخاص، من خلال عملية ممنهجة ومدروسة لاستملاك وشراء أراضي وعقارات تابعة لطوائف مسيحية ودرزية وسنية بإغراءات مالية كبيرة، محاولا العبث بالديموغرافيا اللبنانية، وترسيم حدود كانتونية أكثر بساطة وأقل شرمذة من اقتراح "لويس"، لا تنتظر سوى"التكليف الشرعي" لإعلان التقسيم الرسمي للبلاد. مع العلم أن "الحزب" يفضل وضع اليد على الدولة اللبنانية بالكامل وإخضاعها لسيطرته، إلا أنه لن يستطيع الوقوف في وجه الإرادة الصهيو-أميركية عندما تقرر إتمام التقسيم، أي تقسيم "لويس" لكن معدّلاً، بدءًا من دويلية شيعية في الجنوب و"سهل البقاع" لا "كتائبية" و"علوية" كما كان مقرّرًا.
اصطدم الدور المراد للحزب أن يلعبه في لبنان، وكذلك "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، بعقبة كبرى تدعى "رفيق الحريري"، وذلك للأسباب التالية:
1- فقد تمكن "الحريري" منذ وصوله الى سدة رئاسة مجلس الوزراء في لبنان عام 1992 وحتى سنة 2005، من بناء زعامة عابرة للطوائف في هذا البلد نظرًا لفكره الوحدوي وقوميته العربية، وقناعاته الراسخة بالوحدة الوطنية والعيش المشترك، وهو فكر غير مرغوب به في بلد يراد له أن يبقى مكتويًا بنار الانقسامات الطائفية -التي يعد "حزب ولاية الفقيه" من أهم النافخين في نارها- ريثما يحين موعد تقسيم لبنان على أساسها.
2- وتوازيًا مع تلك المكانة التي استطاع الرئيس "رفيق الحريري" تبوؤها، كان موقعه كزعيم سني يقوى يومًا بعد يوم، بحيث أصبح قادرًا على الوقوف في وجه التمدد الشيعي-الإيراني في لبنان أو إعاقته على أقل تقدير، وهو أمر محرّم ليبقى العنصر الشيعي مسيطرًا بلا منازع أو منافس. أضف الى ذلك أنه في لبنان ممنوع على غير الشيعة إنشاء زعامات قوية يلتف مؤيدوها حولها، وتمكّن "الحريري" من التربع على عرش الزعامة السنية في لبنان أخلّ بالمعادلة السورية-الإسرائيلية في هذا البلد، القاضية بإضعاف السنة وتهميش المسيحيين وتقوية شيعة "ولاية الفقيه". وهذا ما أكده نائب الرئيس السوري السابق "عبد الحليم خدام" بقوله لقناة العربية في 30/12/2005: "وجرت حملة على الحريري لأنه يقوم بتجميع طائفته حوله، وهذا ضد سورية. وأنا اتصلت بالرئيس (الأسد) وسألته عن الموضوع، وسألته لماذا رفيق الحريري خطر على سورية إذا تجمَّعت طائفته حوله، وحسن نصر الله ونبيه بري ليسا خطرًا إذا تجمعت طائفتهما حولهما؟!".
لم يجب "خدام" ولا "بشار الأسد" عن هذا السؤال الإنكاري الجريء، لكن تقدير الإجابة المضمرة هي أن الخطير والمقلق في زعامة "الحريري" السنية، أنها بدأت تتخطى الحدود اللبنانية، الأمر الذي شكّل خطرًا على موقع الرئيس السوري العلوي في سوريا نظرًا لكون غالبية الشعب السوري (90%) من الطائفة السنية التي ينتمي إليها "الحريري"، وهي أغلبية مقموعة ومسحوقة من أقلية ضئيلة جدًا (4%) من العلويين الذين تنتمي إليهم العائلة الحاكمة وتسيطر على سوريا بنظام قمعي ديكتاتوري، والمراد إسرائيليًا في هذه المرحلة بقاء نظام "الأسد" في سدة الحكم، ولا سيما أنه رئيس "مقاوم" و"ممانع" من الطراز النادر والرفيع، فهو يحافظ على أمن "الجولان" المحتل سيرًا على خطى والده وعملاً بالمعادلة الإسرائيلية: "أمن الجولان مقابل بقاء النظام".
3- يضاف الى ما تقدّم، أن "رفيق الحريري" نما سياسيًا وماليًا ليصبح شخصية عربية وعالمية لها معارفها وصداقاتها على مستوى العالم، ما سمح له بالخروج أحيانًا عن إرادة الإدارة الأميركية التي جمعته بها علاقة ودّ أو تحالف، ولا سيما مع رفضه توطين الفلسطينيين في لبنان. كما برز "الحريري" أيضًا كشخصية "قومية عربية" معادية للتقسيم ومحاورة من الدرجة الأولى، تعمل جاهدة على حل المشاكل التي تنشب بين الدول العربية بين الحين والآخر. هذا مع العلم، أن الرئيس "رفيق الحريري" أعلن صراحة عام 2004، رفضه للمبادرة الأميركية المشبوهة والمسماة بـ"الشرق الأوسط الكبير" وأعرب عن مخاوفه من تطبيقها، وهي مبادرة طرحتها أميركا عام 2004 وسوقتها على أنها على تهدف إلى تشجيع ودعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ونشر الديمقراطية في العالم العربي ودول إسلامية أخرى، دون أن تتعرض للب المشكلة في المنطقة والمتمثل بالصراع العربي-الإسرائيلي. اعتُبر موقف "الحريري" ذاك، موقفًا مهمًا ومزعجًا للإدارة الأميركية، لأنه جاء بعد لقاء جمع "الحريري" بالرئيس المصري "حسني مبارك"، مما أوحى بأن هذا الأخير يتّخذ موقفًا مماثلا ما لبث أن جهر به بعد لقائه الملك السعودي.
4- ومما زاد استياء النظام السوري من الرئيس "رفيق الحريري"، عَزْم الأخيرعلى خوض انتخابات العام 2005 بكل ثقله وترجيح المراقبين السياسيين فوزه بغالبية مقاعد البرلمان ما سيشكل ضربة قوية لميزان القوى في لبنان، خصوصًا بعد انضمامه إلى المعارضة الوطنية المتمثلة بـ"لقاء البريستول" رافضًا أن يحكم لبنان من الخارج، وتزعمه وتمويله تلك المعارضة؛ هذا فضلاً عن تبنّيه منذ العام ألفين الأسلوب الأوروبي الفرنسي البطيء، والسلمي التفاوضي، في تحقيق أهدافه، وانحيازه إلى نمط قضم المكتسبات الجزئية من أمام النظام البعثي، بدل إعلان الحرب عليه والقطيعة معه.
حيال ما تقدّم، بات "رفيق الحريري" عبئًا على المشروع الصهيو-أميركي في لبنان والمنطقة، وحجر عثرة في طريق التمدد الإيراني والنفوذ السوري، فجرى اغتياله في 14 شباط 2005 بعد عملية تخوين وتحريض وتضييق سياسي وأمني منظمة ومبرمجة شنها ضده حلفاء سوريا وإيران في لبنان، ففجر موكبه في بيروت في عملية إرهابية محكمة التخطيط والتطبيق، نفذت بتعاون إيراني-سوري مشترك، وبضوء أخضر أميركي-إسرائيلي.
فقد ورَّطت أميركا النظام البعثي بتلك العملية وكذلك إيران وحزبها في لبنان، على أن تُنشِئ محاكمة دولية نزيهة تطال بأدلة دامغة تلك الجهات ولا سيما النظام السوري، وعلى أن يبقى قرار الإدانة حبرًا على ورق إلى أن يحين موعد تغيير النظام السوري وتعديل وضعية حلفائه في لبنان، وفق ما ينص عليه "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، فيتمّ إخراجه إلى حيِّز التنفيذ.
وتَمَّ اغتيال الحريري ظنَّاً من المجرمين أنَّ ردَّة الفعل على عملية اغتياله لن تتجاوز تلك التي حصلت لدى اغتيال زعماء سُنِّيين لبنانيين من قبل. إلا أنَّهم تفاجأوا بانتفاضة جماهيريَّة ونيابية منظمة تُنادي باستقالة الحكومة الموالية لسوريا، مهَّدت لثورة شعبية عارمة في 14 آذار 2005 (ثورة الأرز)، جمعت أكثر من مليون ونصف المليون شخص يُطالبون بإنهاء حكم الوصاية، وخروج الجيش السوري من لبنان الذي سحبت منه أميركا التفويض أصلا عام 2004 مع صدور القرار 1559 الذي عارضته إسرائيل بشكل لافت، فلم يَجد المجتمع الدولي بدًا من الإذعان لإرادة تلك الثورة الشعبية، والتي لم تدعم أميركا قواها السياسية جديًا سوى في الأشهر الستة الأولى لانطلاقتها على أبعد تقدير وفي أمور محدّدة، أي الى حين انسحاب الجيش السوري من لبنان، ووضع المحكمة الدولية على المسار الموصل لإقرارها دوليًا.
هذا، ولا يمكن وضع "ثورة الأرز" في خانة ثورات "الفوضى الخلاقة" التي بدأت مطلع العام 2011، لأنها ثورة فاجأت العالم واتسمت بالعفوية، فلم تحرّض عليها قناة"الجزيرة" بتحقيقات وأفلام وثائقية ولا خصّصت لها معظم ساعات بثها، وأنما كانت الـ"جزيرة" دائمًا ولا زال في صف فريق 8 آذار الذي يتزعمه "حزب ولاية الفقيه"، كما أن "ثورة الأرز" لم تتم الدعوى إليها عبر صفحات الـ"فايسبوك" للحشد والتأييد. أضف الى ذلك أن تلك الثورة لم تسقط أو لم يسمح لها بإسقاط رأس النظام اللبناني المتمثل برئيس الجمهورية آنذاك "إيميل لحود" (حليف الحزب الإيراني) الذي بقي في منصبه حتى آخر لحظة من ولايته الممددة قسرًا، والذي رغم معاناته من شبه مقاطعة دولية وفرنسية خصوصًا، لم تجرؤ أميركا على دعوته الى الرحيل على نحو ما فعلته مع "بن علي" و"مبارك" و"القذافي"، لأن المطلوب بكل بساطة بعد الحذف الأميركي-الإسرائيلي-السوري-الإيراني المشترك للرئيس "رفيق الحريري" من المعادلة اللبنانية والعربية، نقل السلطة من قبضة الوصاية السورية الى قبضة "حزب ولاية الفقيه"، كما أن ثمة تخوّفًا صهيو-أميركيًا من انسحاب نموذج "ثورة الأرز" إذا كتب له النجاح الكامل والباهر الى دول مجاورة، كانت تلك السياسة لا تزال بحاجة إليها أو في صدد دراسة مستقبلها.
تسلمت الحكم -وإن بشكل منقوص- الأكثرية النيابية التي اكتسحت الإنتخابات عام 2005، والتي عرفت بقوى 14 آذار. إلا أن هذه القوى، شكلت عقبة كـ"رفيق الحريري" للمشروع الصهيو-أميركي، لكونها عابرة للطوائف، وصاحبة مبادئ الحرية والسيادة والاستقلال، وحصر السلاح بالجيش اللبناني، وداعية للوحدة الوطنية العيش المشترك؛ فجرى تسليمها السلطة التي انتزعتها بقوة النظام الديموقراطي والانتخابات النيابية، لكن مؤقتًا للتنفيس من غضب "ثُوَّار الأرز" وامتصاص غليانهم، وحفاظًا على صورة أميركا التي ترفع شعار دعم الديموقراطية في العالم، الأمر الذي انعكس سلباً على الوجود الشيعي الذي ضعف نفوذه وانكفأ. فكان أن دُبِّرت حرب تموز عام 2006 لتعيد الوضع إلى نصابه.
اندلعت "حرب" تموز في 12/7/2006 على خلفية قيام "حزب ولاية الفقيه" بانتهاك الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة وقيامه بخطف جنديين إسرائيليين وقتل آخرين.
كانت تلك "الحرب" مسرحية أتقنها بطلاها بامتياز. إذ قبل بداية المسرحية لم يكن هناك قصور استخباراتي لدى الجيش الاسرائيلي. كانت لدى الجيش الصهيوني معلومات جيدة ودقيقة عن تشكيلات "حزب ولاية الفقيه"، والأسلحة التي بحوزته، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع، والمخابئ والمخازن، وشبكة الخنادق المحصنة، ومسارات وقوافل نقل السلاح، وأماكن منصات اطلاق الصواريخ، وطرق القيادة، وأماكن القياديين... فكل ذلك كان يتم أصلا تحت إشراف وموافقة طائرات العدو الاستطلاعية التي لا تفارق الاجواء اللبنانية، وبالتعاون مع النظام السوري الذي تمر تلك الإمدادات عبر أراضيه، فضلا عن الأقمار الصناعية التجسسية التي تستطيع رصد أدق الاشياء والتضاريس والتفاصيل في الجنوب اللبناني.
ومع ذلك كله، لم يتم القضاء على قدرة الحزب القتالية أثناء ذلك العدوان المريع الذي استمرر 33 يومًا حاصدًا 1300 قتيل و4000 جريح، والذي طال الدولة اللبنانية وحدها: بشعبها وجسورها وطرقاتها ومطارها ومرفئها وبناها التحتية وسياحتها واقتصادها، وبقي الحزب يطلق صواريخه حتى ساعة وقف اطلاق النار لكن باتجاه الأحراج والتلال والوديان والقرى ذات الكثافة العربية وأحياء العرب في "حيفا"، فيما بقيت المستوطنات المتاخمة للحدود الشمالية شبه سالمة، وكأن الجيش الإسرائيلي و"الحزب" فقدا ذاكرتهما الدعائية أو أصيبا بالعمى!!
كما لفت أثناء عرض فصول تلك المسرحية، مناشدة الممثل "حسن نصر الله" عرب "حيفا" بإخلاء أحيائهم، بحجة أن بقاءهم فيها يُعوِّق قصفه تلك المدينة لصعوبة تفاديهم؛ لكن لِحُسن الحظ فقد تنبَّه أهل "حيفا" لهذه المكيدة الخبيثة، إذ لو خرجوا من أحيائهم لسيطر عليها الإسرائيليون اليهود، وَلَوَجَّهت إليهم الحكومة الإسرائيلية تهمة التواطؤ مع "العدو"، وإذًا لاستُبعدوا عن مدينتهم نهائياً. وهذا ما تسعى إليه إسرائيل، التي تجهد منذ العام 1948 لطرد عرب "الناصرة" و"عكا" و"حيفا" و"الجليل" من مدنهم، إلا أنهم أصروا على البقاء متحملين المتاعب والويلات منذ عشرات السنين، ورافضين التنازل عن أراضيهم للصهاينة المحتلين.
وفي خضم "حرب" تموز 2006 المدمرة، اصّرت وزيرة الخارجية الأميركية "كوندوليزا رايس" على زيارة لبنان، مصرحة لدى وصولها: "هذه آلام المخاض، نحن نشهد ولادة شرق أوسط جديد". وصدقت فيما تقول.
استدرجت "رايس" وزراء ونوابًا وشخصيات من قوى 14 آذار الى اجتماع في السفارة الأميركية في "عوكر"، بذريعة التباحث في كيفية ايجاد مخارج لوقف تلك "الحرب". وقد شكّل هذا الاجتماع (الذي كان ينبغي تفاديه أو على الأقل حصره برئيس مجلس الوزراء)، مادة دسمة للمعارضة التي وصفته بعد انتهاء الحرب بالإجتماع التآمري على ما يسمى "مقاومة"، بهدف إطالة أمد "الحرب" حتى التخلص منها نهائياً وتهجير الشيعة بالبواخر من لبنان(بحسب زعم "نصر الله")، مع العلم أن "نبيه بري كان قد وصف في 30/8/2006 الحكومة اللبنانية بـ"حكومة المقاومة الديبلوماسية والسياسية"، فانسحب وزراء "أمل والحزب" من الحكومة وطعنوا بشرعيتها، وخوّن "نصر الله" أكثر من نصف اللبنانيين، وبدأ ينفذ انقلابه المدعوم صهيو-أميركيًا للإستيلاء على السلطة، واستكمال بناء "الشرق الأوسط الجديد" لبنانيًا.
نجحت مسرحية "حرب تموز" في إضعاف الدولة اللبنانية، وفي جعل إيران و"نصر الله" في أعين البسطاء "أبطالا مقاومين"، كما نجحت في تحويل الأنظار عما دار في أثنائها من تطهير مذهبي في العراق، ونجحت أيضًا في توسيع الشرخ بين فئات الشعب اللبناني وزرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية ولا سيما بين شيعة "ولاية الفقيه" وبقية الطوائف، بعد افتراءات "نصر الله" وتخوينه أكثر من نصف اللبنانيين، ونجحت "الحرب" بجهود "نصر الله" في حقن وتحريض أتباع "الحزب" ضد الحكومة اللبنانية تمهيدًا لاستخدامهم في خطوات إسقاطها، كما أفضت "الحرب" الى صدور القرار 1701 عن الأمم المتحدة، الذي نص في أحد بنوده على تمركز 15ألف جندي من قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني، لإراحة "الحزب" من مهمته التقوقعية في حراسة الحدود الجنوبية، وتفريغه بكامل طاقته للتمدد شمالا وإنجاح انقلابه ورسم خارطة كانتونه.
بقيت "حكومة الإستقلال الثاني" برئاسة "فؤاد السنيورة" صامدة، ولم تنجح حرب تموز، ولا جهود "الحزب" التعطيلية، ولا عمليات اغتيال خيرة قادة "ثورة الأرز"، ولا حتى "حرب مخيم نهر البارد" (في إيار 2007)، في ثنيها عن متابعة مهامها الوطنية؛ كما فشل السلوك الأميركي-الإسرائيلي المشترك، الذي حاول من خلال إطلاقه تصاريح يومية داعمة للرئيس"السنيورة" و"14 آذار"، إيجاد شبهة قوية لدى البسطاء لاتهام هؤلاء الإستقلاليين، بلعب دور الخيانة والعمالة والتبعية لتلك الجهات، ذلك الدور المكذوب، الذي ما انفكّ "حزب ولاية الفقيه" يذكِّر به أتباعه في جميع خطاباته ولا سيما في اعتصام "ساحة رياض الصلح"، الذي أمته جوقة "الشتامين" طوال سنة ونصف السنة تقريبًا.
وصل "الحزب "الى الطريق المسدود، فنفذ عملا إرهابيًا بكل ما للكلمة من معنى، مستغلا حدثًا يحمل البصمات الأميركية، ألا وهو اتخاذ الحكومة بتاريخ 5/5/2008 قرارًا اعتبرت بموجبه شبكة اتصالات الحزب السلكية المكتشفة غير شرعية وغير قانونية، وتشكل اعتداء على سيادة الدولة، وملاحقة كل من يثبت تورطه بها، كما قررت إعادة قائد جهاز أمن المطار إلى ملاك قيادة الجيش، بعد الكشف عن كاميرة مراقبة نصبها الحزب لمراقبة أحد مدارج المطار. وجد "الحزب" في هذين القرارين ضالته، ليشن حملة إرهابية عسكرية من الواضح أنها كانت معدّة سلفًا وجاهزة، من أجل الإطاحة بحكم الاكثرية وبنتائج انتخابات 2005، واسقاط الحكومة بقوة السلاح.
اجتاح "حزب ولاية الفقيه" بيروت والجبل في 7و11 أيار 2008، منتهكًا جميع الحرمات وموقعًا أكثر من 83 قتيل بسلاحه المعد زورًا لـ"المقاومة" وحقيقة للاستعمال الداخلي، واستطاع جلب قادة 14 آذار الى الدولة المشبوهة "قطر"، حيث انتزع براعية قطرية كل مطاليبه، وعلى رأسها قانون انتخاب يلائمه وثلث معطل في حكومة جديدة، فضلاً عن انتخاب رئيس للجمهورية من خارج صفوف الأكثرية (قوى 14 آذار)، ونعني به قائد الجيش "ميشال سليمان" الذي كان "نبيه بري" أول من طرح اسمه كمرشح "توافقي" ورفضته قوى 14 آذار بداية مصرّة على حقها في انتخاب رئيس من صفوفها. وقد عرف ذلك الاتفاق بـ"اتفاق الدوحة" الذي أكّد دخول لبنان في حقبة "الشيعية السياسية".
وأتى ذلك كله وسط صمْت أميركي مريب، فَضَح الدعم الكلامي الأجوف الذي كان يتكرر بشكل يومي بلا كلل ولا ملل لأـ"حكومة الاستقلال الثاني"، وتأمُّل اسرائيلي عجيب، نمّ عن موافقة ضمنية على تنقُّل أرتال "المقاومة" بين بيروت والجبل مكشوفة كما تريد، وهو ما لاحظه زعيم الأكثرية "سعد الحريري" وعبّر عنه في 13/5/2008، قائلاً: "الهجوم على بيروت ما كان ليتم من دون غطاء إسرائيلي، نعم ما كان للهجوم أن يتم من دون تغطية إسرائيلية...".
في انتخابات 2009، جرت الرياح الإستقلالية بما لا تشتهي السفن الصهيو-أميركية، فاكتسح فريق 14 آذار المقاعد النيابية مجددًا، وعاد الأمر بالنسبة لـ"حزب ولاية الفقيه" الى نقطة البداية، الذي فرض برهبة سلاحه على الأكثرية انتخاب "نبيه بري" رئيسًا لمجلس النواب، إلا أنه لم يستطع الحؤول دون وصول "سعد الحريري" نجل الرئيس "رفيق الحريري" الى سدة الرئاسة الثالثة بقوة الأكثرية النيابية، فعاد "كابوس" "رفيق الحريري" الى أذهان المجرمين، الذين لا يريدون لهذا الشاب أن يكمل مسيرة والده.
أصر "الحزب" على التمديد لـ"اتفاق الدوحة" ومنع "الحريري" من تشكيل أي حكومة لا يحوز فيها "الحزب" على "الثلث المعطل"، الذي يستطيع بموجبه إسقاطها متى شاء، فكان له ما أراد بعدما لوّح مهددًا بسلاحه ابتداءًا من حادثة "عائشة بكار" التي نفذتها ميليشيا "حركة أمل" موقعة قتيلة وستة جرحى، وكانت أشبه بـ"7أيار مصغّر". وتوازيًا مع ذلك عمل "الحزب" على تطويع الزعيم الدرزي "وليد جنبلاط" لإخراجه من قوى 14 آذار ولا سيما أنه يملك كتلة نيابية قادرة إذا انتقلت الى الضفة الثانية، على تحويل الأقلية -اي قوى 8 آذار بقيادة الحزب-الى أكثرية.
تعرض "جنبلاط" للتهديد بإشعال فتنة في الجبل حيث الثقل الدرزي، وأعطي كنموذج على ذلك درس غزوة 11أيار 2008 الذي فهمه جيّدًا بدليل قوله في 28/8/2008: "الأميركيون خدعونا وتركونا، والآن يفاوضون الإيرانيين، وتيار المستقبل لم يصمد ساعتين في بيروت"، فانكفأ مفضلا البقاء مع الأقوى، وأعلن انسحابه رسميًا من قوى 14 آذار في 2 آب 2009، إلا أنه مع ذلك أكّد أنه لا يزال حليفًا لـ"سعد الحريري".
عام 2010، ومع اقتراب صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس "رفيق الحريري"، الذي تبيّن أنه سيستند الى أدلة قاطعة ودامغة تبيّن تورط "حزب ولاية الفقيه" ومَن وراءه في "جريمة العصر"، سارع "الحزب" الى اتهام المحكمة بأنها إسرائيلية أميركية، وبدأ يتذرع بوجود "شهود زور" حرفوا التحقيق الدولي عن المسار الصحيح، مطالبًا الحكومة بتحويل هذا الملف الموهوم والفارغ على القضاء العدلي، ما يعني التخلي عن المحكمة الدولية وإعادة القضية الى القضاء اللبناني. ووعُرض على "الحريري" البقاء في سدة الرئاسة الثالثة مدى الحياة إذا ما قبل بالتخلي عن المحكمة والمضي في سياسة "حزب ولاية الفقيه".
رفض الرئيس "سعد الحريري" وقوى 14 آذار الإنصياع لأمر "الحزب" الذي يعني اغتيال الشهداء مرتين والقضاء نهائيًا على لبنان، فاستقال "الحزب" من الحكومة بثلثه المعطّل وأسقطها بهذه الذريعة في 12/1/2011 أثناء لقاء "الحريري" الرئيس الأميركي "أوباما" في البيت الأبيض، وصرّح الإنقلابيون أن "الحريري لن يلتقي أوباما إلا رئيسًا لحكومة مستقيلة". أما عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب "نواف الموسوي"، فقد كشف المستور في 22/1/2011، عندما اعتبر ان "المعركة في لبنان هي ذاتها في غزة وفي العراق وفي أفغانستان وفي إيران". وإننا إذا تأملنا واقع الدول التي ذكرها، سنلاحظ أنها في الحقيقة الدول التي جرى تقسيمها بواسطة الخنجر الإيراني المسموم بما يتوافق و"مشروع الشرق الأوسط الجيد"، وإذا أضفنا إليها سوريا تصبح ممثلة لـ"الهلال الشيعي"، أو ما يفضل أحمدي نجاد و"علي خامنئي" تسميته بـ"الشرق الاوسط الإسلامي الجيد".
تبيّن للإنقلابيين أن الأكثرية النيابية ستعيد تسمية "سعد رفيق الحريري" لرئاسة الحكومة، فأمروا رئيس الجمهورية "ميشال سليمان" بتأجيل الاستشارات النيابية أسبوعًا كاملاً عن موعدها المقرر، وخلال ذلك الأسبوع المصيري ضغط "حزب ولاية الفقيه" مجدّدًا بطرقه الميليشيوية على " وليد جنبلاط" لكي لا يسمي "الحريري" في الإستشارات النيابية، فنفذ انتشارًا مسلحًا ليليًا في مناطق ذات تماس درزي-شيعي على محور "القماطية-عاليه"، فأعلن "جنبلاط" انصياعه التام للإرادة الإيرانية-السورية وكذلك ستة من نواب كتلته، وبالتالي أمّن "الحزب" أكثرية نيابية مسروقة ومنقلبة على تفويض ناخبيها، نجح بموجبها بتاريخ 25/1/2011 الموافق ليوم إحياء شيعة "ولاية الفقيه" مراسم "أربعين الحسين"، نجح في إحكام قبضته على لبنان برئاساته الثلاث، من خلال الإتيان برئيس حكومة سني (نجيب ميقاتي) لا يمثل إلا قلية قليلة من أبناء طائفته التي تؤيد بغالبيتها العظمى "سعد الحريري"، لا بل انقلب "ميقاتي" على ناخبيه بنقضه التحالف مع "الحريري" في انتخابات 2009 مقابل الوصول الى السلطة؛ وبذلك يكون "حسن نصر الله" قد نصّب نفسه "وليًا فقيهًا" على لبنان، بفرضه على الطائفة السنية رئيسًا لا تريده، مهمته تشكيل حكومة "ولاية الفقيه" في لبنان، وإلغاء بروتوكول التعاون مع المحكمة الدولية. ولا يمكن فصل هذا الإنقلاب عن مسلسل "الفوضى الخلاقة" التي كانت قد بدأت في تونس، فهو أحد فصولها بامتياز.
شهد يوم 25/1/2011 ثلاثة حوادث ذات دلالات بالغة الأهمية، ففي ذلك اليوم التاريخي بالنسبة لـمشروع "ولاية الفقيه" في لبنان والمنطقة، أعلن عن الإنطلاقة الرسمية للثورة المصرية في الدولة يشكل نظامها حاجزًا متينًا في وجه تمدد "ولاية الفقيه" في المنطقة، والذي ما لبث أن سقط بعد 18 يومًا من بدء الثورة ليوافق يوم الذكرى 32 لـ"لثورة الخمينية"!! كما سمّي بذلك التاريخ مرشّح سوريا وإيران في لبنان رسميًا رئيسًا مكلّفًا تأليف الحكومة الجديدة، وقد وافق ذلك اليوم أيضًا وأيضًا (وربما بفعل فاعل) ذكرى أربعين "الحسين"التي أحياها "نصر الله" في احتفال كبير نظمه حزبه في "بعلبك"، وحمل في ثناياه الكثير من الإيحاءات ذات الدلالات الطائفية التي تدل على أن مشروع الحزب عقائدي بامتياز ولا علاقة له بالسياسة، فقد جعل "نصر الله" محور كلمته استحضار موضوع "الظلم اليزيدي لآل البيت" وختم بعبارة أوحت وكأنه ينسب انتصاره بالاستيلاء على الرئاسات الثلاث في لبنان الى "الحسين" حيث قال مهنئًا شعبه: "الحسين عليه السلام سمع صوتكم خلال كل السنوات الماضية واليوم في ذكرى أربعين الحسين عليه السلام نريد أن نسمعه صوتنا ونقول له يا سيدنا وإمامنا نحن لن نغادر الساحات، لن نبخل بالدم ولن نبخل بالعطاء، سوف يبقى صوتك هادرًا فينا وصوتنا مجلجلا في التاريخ،لبيك يا حسين"!!
بإسقاطه الحكومة وتعيينه رئيسًا جديدًا بقوة السلاح، انكشف "حزب ولاية الفقه" أمام الشعب اللبناني وكل المسلمين والعالم أجمع، وافتضحت فرية سلاح "المقاومة" التي يتمترس خلفها ويتستر بها منذ تأسيسه، بعدما تحول هذا السلاح أداة للتخريب في الداخل اللبناني، ولفرض أمر واقع ضد إرادة اللبنانيين، وصولا الى السيطرة على القرار السياسي بانقلاب عسكري مغلف بمظهر ديموقراطي. ومنذ ذلك الحين تحرّر الرئيس "سعد الحريري" من القيود التي كان قد فرضها عليه منصبه، واستيقظ المارد الاستقلالي المتمثّل بـ"قوى 14 آذار" من خنوعه وإذعانه وغفوته واستضعافه لنفسه، وبدأ ينظم حملة متكاملة تستهدف سلاح الغدر والاغتيال والقهر والتهديد في لبنان، منتفضًا على وصاية السلاح.
ومع أن الفريق الانقلابي دأب بشكل مستمر في معرض خطابه الدعائي والتخويني على اتهام قوى 14 آذار بأنها تنفذ الأجندة الأميركية في لبنان وأن راعيها وداعمها الأساسي هو أميركا، لم نجد الأخيرة لدى الإطاحة بالحكومة اللبنانية التي يرأسها "سعد الحريري" ومحاولة اغتياله سياسيًا وعزل قوى 14 آذار، لم تجد أميركا ترسل قواتها إلى بيروت لترهيب "الحزب الإيراني" وبقية حلفائه. لم تُصدر بيانًا تهدد فيه سوريا بأن عليها منع تأليف حكومة لا تكون برئاسة "سعد الحريري". لم تصدر تحذيرًا فعالاً وتنفّذ خطوات عملية تمنع الفريق الانقلابي من القيام بما قام به. لم يتصل "أوباما" بالرئيس "نجيب ميقاتي" ويطلب منه سحب ترشحه وإلا سُحبت منه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة أو قُطِع الاتصال به أو وُضِع اسمه على لائحة الإرهاب. لم تمارس "هيلاري كلينتون" ضغطًا على السعودية لكي تصدر موقفًا مسبقًا رافضًا لأي رئيس للحكومة غير "سعد الحريري"...كل ذلك لم يحدث، فَحُقَّ لقوى 14 آذار أن تسأل هي الفريق الانقلابي: ما هو السبب الفعلي الذي يجعل دولاً مثل السعودية ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، غير قادرة على هزم سوريا في لبنان؟ وما هو السبب الذي يجعل دولة محاصرة ظاهريًا في العالم مثل إيران، توسِّع نفوذها في لبنان والمنطقة، وتحقِق توحّدًا شيعيًا غير مسبوق حول قيادة نصر الله وحلفائه، وتتسلّم لبنان بكافة مفاصله؟
سلّمت الولايات المتحدة بوصول "حزب ولاية الفقيه" الى السلطة، فصرّحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 26/1/2011 انه: " يعود الى اللبنانيين وليس الى سواهم ان يقرروا مصير بلادهم". وكذلك فعلت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة الوزيرة "سوزان رايس"، فرغم اتهامها "الحزب" وسوريا باستخدام "الترهيب والإكراه لإيصال الوضع الى ما هو عليه الآن في لبنان"، إلا أنها سارعت لإعلان تسليمها بما حدث، فحضت على "تأليف حكومة تلتزم انهاء الإفلات من العقاب"، داعية الى وقف "التدخل غير المناسب" في الشؤون الداخلية اللبنانية.
وقد قطع الشك باليقين في 2/3/2011، عندما قالت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إنها "تدعم استمرار المساعدات الأميركية للجيش اللبناني على رغم تولي نجيب ميقاتي الذي يؤيده حزب الله منصب رئاسة الحكومة". مبدية تخوّفها "من تدهور قدرات الجيش اللبناني بسرعة في حال وقف المساعدات الأميركية، مما سيعرض أمن الحدود اللبنانية- الإسرائيلية للخطر".والى ذلك ذهب أيضًا رئيس أجهزة الاستخبارات الأميركية "جيمس كلابر"، الذي أعلن في 11/3/2011أنه يؤيد "الإبقاء على المساعدة الأميركية للجيش اللبناني حتى وإن سيطر حزب الله على الحكومة اللبنانية". علمًا أن الجيش المدعوم أميركيًا سيأتمر بأوامر حكومة "ولاية الفقيه" فيي لبنان.
أما الديبلوماسية الفرنسية، فكانت قبيل تسمية "ميقاتي" تواصل مشاوراتها مع الحلفاء لعقد اجتماع تشارك فيه، الى فرنسا، الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وقطر وتركيا لبحث الوضع في لبنان، إلا أن وزير الخارجية القطري "حمد بن جاسم" صرّح في 27/1/2011 بعد لقائه ساركوزي: "ان الاجتماع الذي تنوي باريس عقده لا يقدم أي شيء". ودعا الرئيس الفرنسي الى "إلغائه واستبداله باجتماع لدعم الاستقرار في لبنان والمنطقة". فألغي الاجتماع فعلا بجهود الدولة المشبوهة قطر!!
وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، رأت صحيفة الـ"جيروزاليم بوست" في 26/1/2011 أن:" في وصول حزب الله نافذة فرصة لإسرائيل ومن شأنها أن ترغم الحزب على أن يكون أكثر تقييدا". وحاولت في اليوم نفسه صحيفة "هآرتس" قلب الحقائق معتبرة أن: "رئيس الحكومة المكلف في لبنان نجيب ميقاتي ليس ممثلاً لحزب الله ولا لإيران بطبيعة الحال، ولكنه صديق شخصي حميم للرئيس السوري بشار الأسد"! الأمر الذي جعلنا نتساءل ما إذا كانت صداقة المقاوم والممانع الكبير "بشار الأسد" تشكل عامل اطمئنان وأمان لإسرائيل دولة وشعبًا!!
وفي 29/1/2011، إعتبر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية أنّه: "بالنسبة لإسرائيل، فإنها يجب أن تكون سعيدة بالوضع الجديد الناشئ في لبنان، والذي تحول فيه نصر الله من زعيم جهادي إلى زعيم مسؤول عن الدولة، كما حدث مع حركة "حماس" في غزة". مع أنه منذ انتهاء مسرحية تموز2006، لم يطلق "الحزب" رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل.
وهكذا، ما لبث ان تبيّن للملأ بعد أيام قليلة على وصول "نجيب ميقاتي" الى سدة رئاسة الحكومة، أن الأخير لم يأت الى السلطة بتكليف من سوريا وإيران وحسب، بل بتفهم وعلم وتوافق دولي وإقليمي. كما تبيّن أن "ميقاتي" ما كان ليقدم على خطوة القبول بالترشح لترؤس الحكومة لو لم يكن لديه معطياته الاقليمية والدولية الى جانب العوامل المحلية التي شجعته على ذلك، والتي أوحت إليه بأنها ستكون بمثابة المظلة لأي حكومة يشكلها، وقد أتى هذا التشجيع تحت حجة الرغبة بالحفاظ على استقرار لبنان والحؤول دون دخوله في الفراغ ومن ثم الفوضى، وهذا الامر بالتأكيد شكل عنصراً مساعداً ومشجعًا للرئيس "ميقاتي" وللخطوة الإنقلابية التي أوصلته الى السلطة.
بيد أنه رغم ذلك الواقع المأسوي الأليم، نجحت قوى 14 آذار في تتويج حملتها على السلاح غير الشرعي التي أطلقتها عقب الانقلاب الذي أطاح بحكومة "الحريري" بحشد مليوني في 13/3/2011 زحف من كافة أنحاء البلاد الى "ساحة الحرية" وسط العاصمة بيروت، في مشهد سيادي استقلالي حضاري معبّر، فاق حشد السنوات الخمس الماضية وقارب المشهد التاريخي الذي ارتسم في 14آذار 2005، ليعلن ولادة "ثورة الأرز" من جديد في الذكرى السادسة لاندلاعها لكن هذه المرة تحت شعار "لا لوصاية السلاح"، ما كسر رهبة سلاح الغدر في نفوس اللبنانيين، وأكد عدم شرعيته دستوريًا وشعبيًا، وعرّاه من أي ادعاء لوجود إجماع أو أكثرية مؤيدَين له، والأهم أنه أعاد لميزان القوى توازنه بين فريقي 14 و8 آذار.
بعد ذلك اليوم التاريخي المجيد انكفأ الحزب الإيراني بعض الشيء، وزاد إحراجه لعدم استطاعته حتى ذلك التاريخ تشكيل حكومة من فريقه السياسي، ولم يجد سبيلاً للرد على سقوط رهبة سلاحه من نفوس اللبنانيين الأحرار، سوى تنظيم حملة شتم وتخوين جديدة أوكلها الى محازبيه وحلفائه، الذين لم يستحِ أحدهم من القول: "إن إسرائيل لم يعد لها حليف في المنطقة سوى فريق 14 آذار"! كما كلّفت صحيفة "الأخبار" ذات التمويل المجهول والمؤيدة لـ8آذار، كلّفت بنشر مجموعة من وثائق "ويكيليكس" جرى تحريف ترجمة معظمها والتلاعب بموضونها لكي تظهر فريق 14 آذار وكبار رموزه بمظهر المتواطئ مع العدو الإسرائيلي أثناء مسرحية تموز 2006!
وبذلك، أطاحت السياسة الصهيو-أميركية في سياق مسلسل "الفوضى الخلاقة الذي بدأ في المنطقة بـ"سعد الحريري" وفريق 14 آذار، اللذين لطالما أحرجاها وشكلا عائقًا أمام مشروعها منذ العام 2005، فأخرجتهم من الحكم بواسطة "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، وأعادت "مشروع الشرق الأوسط الجديد" الى مساره الصحيح، مع وقوع لبنان بشكل كامل في قبضة من يريدون تحويله الى دولة فئوية وطائفية ومذهبية خاضة لـ "ولاية الفقيه"، وذلك بفعل محاولتهم ترسيم حدود دويلتهم فعلا من جهة، ومن جهة ثانية بتهيئتهم (بفعل ممارساتهم المشينة في استعمال السلاح في الداخل وتخوين خصومهم) مناخًا نفسيًا تقسيميًا في البلاد، ما شكّل قناعة خطيرة ومميتة لدى بعض اللبنانيين بجدوى التقسيم للخلاص من قبضة ذلك الحزب وممارساته، سواء من خلال مشروع اتحادي فيديرالي أو غيره، يضمن للطوائف حقوقًا متساوية ويمنع الاصطدام لاحقًا!
وفي 21/3/2011، كشفت مصادر غربية في لموقع "ليبانون ديبايت" عن أن "حزب ولاية الفقيه" يسير بالتزامن مع المسار العام للأحداث في المنطقة وتفكك الدول المحيطة ( أي"الفوضى الخلاقة" المتمثلة بموجة الثورات المعدية التي ابتدأت في مطلع عام 2011)، "يسير "الحزب" باتجاه عملية فرز واضحة من خلال تقسيم مماثل تحت شعار إنشاء الأقاليم او الفدراليات ما يبرّر عملية شرائه لهذا الكمّ الهائل من الأراضي وخاصة على الخط الذي يربط عمقه الجنوبي بقاعدته البقاعية".(أي نقل القسم المسمى في تصوّر "لويس" بدويلة سهل البقاع العلوية-عاصمتها "بعلبك"، والمقرر سابقًا إخضاعه للنفوذ السوري شرق لبنان، من العلويين الى الشيعة بحيث يصبح خاضعًا لـ"ولاية الفقيه").
وأضافت المصادر أن "قيادة حزب الله كانت قد وضعت في الفترة الماضية بالاتفاق مع موفدين ايرانيين وبدعم من النظام السوري مسودة للمناطق اللبنانية التي يجب السيطرة عليها لإقامة حكم شيعي مستقل فيها، حيث تعتقد أن الوضع الهش في لبنان والمنطقة يمنحها الفرصة الفريدة لتحقيق انفصال الدويلة الشيعية من جنوب لبنان حتى شمال البقاع وتخوم عكار في حال حصل اتفاق لبناني داخلي بين الطوائف الاخرى المسيحية والسنية والدرزية حول تجريد الطائفة الشيعية من سلاحها أو إذا ما اقتضت الظروف مواجهة مع المجتمع الدولي عبر المحكمة".
كما لفتت المصادر الى ان "الحزب رسم حدود دويلته بدقة من حيث التقارب مع الحدود الاسرائلية في الجنوب بحيث تكون أقرب نقطة لا تتجاوز العشرة كيلومترات، انطلاقا من السفوح الغربية اللبنانية كجبل الشيخ وانتهاء بمصب الليطاني". وختم المصدر بأن مخطط الحزب "سوف يشكّل ضربة موجعة للطائفة الشيعية في لبنان على مستوى العيش المشترك".
إن الخوف اليوم جدي من تقسيم لبنان في ظل الاضطرابات العربية الحاصلة حاليًا في المنطقة، ويبدو أن إخراجًا محددًا يجري لكل دولة عربية بمفردها منذ مطلع العام 2011؛ فتحت عنوان الديموقراطية يجري تقسيم بلدان عربية أو تفتيتها أو اضعافها تباعًا، وإذا حصل التقسيم أو بدأ مشروعه، فعندها لا يوجد أي عائق لفرض التقسيم على لبنان بعد الجهود التقسيمية النفسية والعملية التي قام بها "حزب ولاية الفقيه" لتحويل الوطن الواحد الموحد الى مجموعة دويلات مذهبية وطائفية، بعدما كان يشكل بفعل تنوّع طوائفه المتعايشة في أجواء من السلام والاحترام المتبادل والوحدة الوطنية والعيش المشترك، النقيض الكلّي والمزعج للكيان الصهيوني العنصري الغاصب. وبالتأكيد لسان حال السياسة الصهيو-أميركية الراعية لـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد" في لبنان لا بد أن يقول: "شكرًا حزب ولاية الفقيه، شكرًا إيران"!
عبدو شامي "تقسيم السودان"، موضوع الحلقة السادسة من هذه السلسلة.
التعليقات (0)