لبنان تعسر الرئاسة مرة أخرى
للمرة العاشرة تعسرت عملية إنتخاب رئيس جديد للبنان, تعسرٌ تزامن مع احداث دموية بقرية عرسال كادت أن تؤدي لعودة حالة الإقتتال الطائفي والمذهبي ببلد التناقضات والولاءات المختلفة , لبنان المولود من رحم المعاناة والتاريخ الدموي أتت السياسة على غير ما رسم وخطط لها لها بإتفاق الفرقاء والطوائف الذي عقد في حقبة ماضية بقلب مدينة الطائف , ولد إتفاق الطائف بعد سنوات دموية داخلية طوال أستمرت لسبعة عشر عام ولد الإتفاق مشدداً على محاربة الطائفية السياسية والفكرية والمذهبية والإجتماعية وفتح آفق المواطنة والكفاءة لكل اللبنانيين , لكن ذلك الإتفاق أصطدم بتراكمات الساسة القديمة وأصطدم بسلاح حزب الله وأصطدم بتدخلات أطراف إقليمية ودولية على رأسها إيران والسعودية وفرنسا لاعبون على الساحة اللبنانية في أدق التفاصيل التي لم تعد خافية على أحد , أزمات لبنان أزمات مستوردة فقد تحول لبنان من بلد الأمان والإطمئنان إلى بلد يشتهر باغتيالات الساسة والصحفيين وتصفية الحسابات والخصومات السياسية والطائفية والمذهبية وتحول لبلد يستوعب صراعات الأطراف الإقليمية والدولية ويحتضن كافة أشكال الصراعات ويؤقلم نفسه معها وتلك مفارقة عجيبة بات العقل العربي عامة واللبناني خاصة يعجز عن إستيعابها أو فهمها على الأقل! أكثر شيء يواجه لبنان في هذه المرحلة الهامة من تاريخه هو تحديات تتمثل في تدخل حزب الله بالصراع السوري وسلاحة الموجه ضد الدولة اللبنانية وإنقسام الشارع اللبناني إلى طرفين متضادين طرف مع النظام السوري وطرف ضده كل تلك التحديات يقابلها تراكمات سياسية أبرزها صراع الفرقاء على طاولة الحوار المتوقفة منذ سنوات وصراع القوى السياسية حول إستحقاقات دستورية وإنتخابية تحديات متشعبة أفضت في نهاية المطاف لتعسر ولادة إنتخاب رئيساً جديداً للبنان يقف على رأس الدولة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان الحديث . لبنان بلد التناقضات المثيرة صراعات سياسية وتحالفات نيابية سياسية وإغتيالات وتصفيات دموية وحريات مدنية تتأثر بحالة الصراعات المستفحلة وإستحقاقات دستورية ونقابية لا ترى النور ومع كل تلك التناقضات يبقى ذلك البلد بلد الحريات والتعددية والتعايش رغم المؤثرات الخارجية وأطماع من يظن بإمكانه إعادة الزمن للوراء وجر لبنان لدموية أشد من دموية الحرب الأهلية التي لم تندمل جراجها حتى الآن ! لن يستقر لبنان وهو يمر بمرحلة الطائفية السياسية والمذهبية والمحاصصة السياسية القائمة على التوزيع النسبي للطوائف ولن يستقر وهو عرضة للتدخلات والإستقطابات السياسية الخارجية من أطراف إقليمية ودولية , إستقراره مرتهن بتوافق أبناءه وتخلي الساسة عن التراكمات الماضية التي كانوا جميعاً طرفاً فيها والتوافق على بدء مرحلة جديدة شعارها الوطن للجميع تعديلات دستورية مبنية على التوافق مراعية للتنوع العرقي والمذهبي والطائفي متخذه من الكفاءة مبداً لا تحيد عنه التعديلات أو الإجراءات التي إن تمت فإنها ستفضي لبناء دولة مدنية متطورة تعيد إلى الواقع لبنان المدنية والحضارة والتاريخ والتعددية والتعايش الذي يكاد يموت تحت وطأة صراعات وإستحقاقات أطرافها ينظرون للمصلحة الخاصة لا العامة وتلك هي المشكلة الحقيقية التي غذت بقية الإشكالات والمشكلات بالداخل اللبناني , البرلمان اللبناني يعيش أسوأ دورة في تاريخة لم يستطع إكمل نصابه لعقد جلسة إنتخاب رئيس جديد ولا يستطيع تمديد دورته البرلمانية الممتدة لسنتين ونصف قادمة أكثر من ستة أشهر في ظل فراغ دستوري متمثل في عدم وجود رئيس توافقي للبلاد , مرحلة حرجة تمر على البرلمان اللبناني الذي بات طرفاً في أزمات لبنان بدلاً من أن يكون طرفاً في الحلول والتوافق , على قادة الكتل الإنتخابية تنحية الخلافات جانباً والإلتفات نحو القضايا الوطنية الكبرى فعقد الحل والمشكلات جميعها تحت قبة البرلمان وخلف مكاتب القوى السياسية المختلفة التي باتت تنتظر التدخلات الخارجية لحلحلة العقد المعقدة , إنتظار مكلف باهض الثمن فمتى يتحمل الساسة اللبنانيون مسؤولية لبنان ويعملون لأجل لبنان الموحد المتعدد بلد التناقضات الفاخرة والمثيرة ؟
التعليقات (0)