مواضيع اليوم

لبنان: لا بوادر لمصالحة وطنية بل رصاص ورصاص

عمادالدين رائف

2009-06-30 14:39:03

0

أزيز رصاص كثيف وأصوات قذائف صاروخية من ضواحي العاصمة وبعض أحيائها ومناطق لبنانية ذات غالبية "معارضية" بعيد إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري على رأس الندوة البرلمانية للمرة الخامسة على التوالي، يليه رصاص آخر وأصوات شبيهة من بيروت الإدارية ومدن صيدا وطرابلس وبعض مناطق البقاع "الموالاتية" يصاحب تكليف النائب سعد الحريري بتشكيل حكومة ستبدي الأيام القليلة القادمة مدى صعوبة تشكيلها من دون تدخلات إقليمية في تفاصيل التفاصيل.
رصاص هنا ورصاص هناك، ولا مصالحة وطنية ولا من يحزنون.

لبنان نفسه الذي اعتاد على إمكانية فقدان الذاكرة المؤقت يحاول أن يجد معادلة متأرجحة جديدة للتهادن السياسي على مستوى تقاسم الحصص طائفياً ومناطقياً، وكما يقول المثل الشعبي المحلي "واللي راح راحت عليه". ربما هي صفعة أخرى لجهود لم يقدر لها أن تتراكم للمجتمع المدني اللبناني، وقد أثبتت صناديق الاقتراع مجدداً أن كافة تلك الجهود المبذولة في تعزيز السلم الأهلي والمواطنة ذهبت أدراج الرياح، وقد اثبت اللبنانيون مجدداً أن انتصارهم للطائفة والمذهب عبر أوراق الديمقراطية الممكننة، أقوى من أي جهد لتوحيدهم كمواطنين منتمين إلى أرض ودولة وعلم و...

إذن، يختار معظم اللبنانيين من جديد الرصاص شكلاً من أشكال التعبير، ولا يخفى على أحد أن هذا الرصاص ليس مجانياً يهطل من السماء الزرقاء أو عبر أشعة الشمس الصفراء.. أو ينبت من أرضنا الخضراء. رصاص الأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية لا تنتجه مصانعنا الوطنية مع مشتقات الحليب، ولا ينمو على الأشجار المثمرة، وليس نباتاً موسمياً يلجأ إليه المواطنون ليطعموا أطفالهم حين معسرة.

فبأبسط تعبير ممكن، توزع الميليشيات على أنصارها ومحازبيها هذا الرصاص "غير الشرعي"، لكي يتم إطلاقه من على أسطح البنايات والشرفات لحظة ظهور أمير الطائفة على الشاشة انتصاراً له ولما يمثله من ضروب الإقطاع الجديد، المغلف بالديمقراطية التوافقية.

لم يعد لبنان على جدول البلدان الأشد فقراً، وكذلك ارتقى عن البلدان النامية إلى تلك المتوسطة الدخل القومي بقدرة قادر. ذلك على الرغم من عدم تقدمه لسانتيمتر واحد على صعيد معالجة المشاكل والأزمات الاجتماعية الملحة، وفشل حكوماته السابقة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم في إيجاد شبكات أمان اجتماعية كان يتم الوعد بها مع كل مؤتمر باريسي. وعلى الرغم من عدم تحرك مؤشر الفقر كثيراً فيه، إلا أن حرب تموز 2006 وما أنتجه باريس 3، وكل تلك المساعدات العربية والدولية من خارج باريس 3، التي أعلن عن بعضها أو لم يعلن، مرت من خلال أمراء الطوائف إلى مستفيدين ومستهدفين، عززت لدى هؤلاء المستفيدين انتماءاتهم الطوائفية والمناطقية والمذاهبية على حساب الانتماء الوطنية، وتم عملياً لديهم الاستغناء عن منطق الدولة الراعية لجميع أبنائها لتتعزز صورة الزعيم، الذي تحول إلى اسم على ورقة تليه فيها عدة أسماء تابعة، ومن ثم إلى صندوق، وفرز أنتج معادلة 71 ضرب 57 بدون مستقلين فعليين.

هنا، في الصورة لدينا زعيمان الأول على رأس المجلس التشريعي والثاني على رأس السلطة التنفيذية، وكلاهما لم يبخلا بالرصاص على مناصريهما، كلاهما سيجلسان معاً عما قريب، والضحكة رطل، لتقاسم الحصص بين الطائفتين الأوفر حظاً في هذا البلد لتكون كافة الطوائف الأخرى رعايا لراعيين إقليميين أو مجرد تابعة لقطبين اختارا الرصاص لغة.

منشور في إيلاف،29 حزيران/ يونيو 2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !