لا تحقّرن أحداً من المسلمين، فإن صغيرهم عند الله كبير.
رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم
لأنكم تعرفون كلكم ما قامت به المجاهدة الجزائرية المشهورة جميلة بوحيرد، منذ أيام، فسوف لن أعود إلى تفاصيل ما أصبح الآن جزءا من التاريخ، كما أنني سوف لن أبحث عن نفسي لمكان ضمن الذين صدّقوا كلام هذه المرأة أو الذين كذّبوه، لأن جزيئات " تافهة" أخرى لا يهتم بها " الكبار"، هي التي توقفت أمامها مطولا في هذه القضية، و هي التي أتمنى أن تكون قد أثارت اهتمام الغير قبلي.
جميلة بوحيرد توجه رسالة لبوتفليقة ، تقول فيها بأنها بحاجة إلى مال لأن منحتها كمجاهدة لم تعد تكفيها للعيش أو فقط لأنها مريضة و تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية مكلّفة خارج الوطن... كل هذا لم يعد مهمّا، لأن الأهم في نظري هو أن دستور البلد، لا يميز بين أي جزائري و آخر، على الأقل في الحقوق الأساسية، و من ذلك الحق في العلاج.
أنا أو أنت أو الآخر، حينما نُصابُ بأي مرض، نذهب إلى أي طبيب، و نعالج بأي مستشفى يوجهوننا إليه و نتناول الأدوية التي تنتجها " صيدال" و لا نتضرّع إلا لله كي يشفينا، و لا نطمع في أي تعويض من أي طرف كان غير صندوق الضمان الاجتماعي- لو هو أراد طبعا -... و عندما نعلم بأن الداء الذي أصابنا لا يمكن علاجه إلا بفرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو باليمن أو حتى بمدغشقر، فقد لا نفكّر حتى في سؤال الأغنياء مساعدات مالية تمكننا من العلاج بالخارج، فنعود إلى بيوتنا و هناك ننتظر ملك الموت. أما لماذا لا يتكفل صندوق الضمان الاجتماعي بعلاجنا خارج الوطن، فهذا سؤال آخر ... و هذه قصة أخرى كل شخصياتها أبطال إلا أنت و أنا.. ملفات و " كواغط" و هرج و مرج و مكالمات هاتفية و أسفار .. و لجنة هي التي توافق أو لا توافق على سفرك للعلاج خارج الجزائر. و باختصار لا ينتزع موافقة هذه اللجنة إلا " طويل العمر"، لذا يفضّل الكثيرون، قضاء ما تبقى لهم من عمر في عبادة الخالق و التسبيح له، بدلا من تضييعه في الجري وراء وهم عملاق اسمه prise en charge médicale . لكن، هذا لا يعني - و التوضيح لا بد منه- أنه لا يوجد من لا يستفيد من قرارات اللجنة التي تحدثت عنها.. لكن... و لا أكمل.
المهم، أنه بالمنطق المجرّد، يحق لكل مواطن جزائري مؤمّن اجتماعيا أن يستفيد من علاج طبي خارج الوطن، أما من يسدد فاتورة العلاج بالخارج، فالجواب بسيط للغاية: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأجراء (كازنوس) بالنسبة للتجار. أنا أدفع اشتراكاتي الاجتماعية طيلة مشواري المهني، كي يتكفل الصندوق المعني بأمور صحتي أكانت داخل الوطن أو خارجه... " ماعليهش"، أنا أعلم بأن أمثالي يقولون لهم بأن حالاتنا يمكن علاجها في مستوصف الدوّار الذي هجرته حتى الخنازير و الذئاب، لكنني لا أستطيع أن أتصور ذلك الصندوق يرفض التكفل بعلاج شخصية بوزن جميلة بوحيرد.. حتى لو كان ذلك العلاج خارج الوطن... مهما كانت فاتورته، بشرط... شرط واحد أن تكون جميلة بوحيرد مؤمّنة اجتماعيا. فهل يوجد من بيننا من يعتقد أنه من الممكن أن يتقاضى أي واحد من مجاهدي البلد، منحة دورية، دون أن يكون مؤمّنا اجتماعيا؟
بمجرد ما تكون جميلة بوحيرد مؤمّنة اجتماعيا، و اعتبارا من اللحظة التي يتضح فيها أن مرضها لا يمكن علاجه في أي واحد من مستشفيات الوطن، يجب أن تأخذ الإجراءات مسارها الطبيعي، قصد علاجها بالخارج.. فورا و دون أي انتظار أو مماطلة، كما لو أن الآمر يتعلق بعمل آلة تشتغل ميكانيكيا. فبالله عليكم، لماذا، توجه جميلة بوحيرد رسالة مفتوحة إلى بوتفليقة كي يأمر بعلاجها بالخارج؟
ما هذا السيرك ؟
لماذا يستنجد أي جزائري برئيس الجهورية، كي يعالج خارج الوطن؟ ما هذا اللعب ؟
لماذا يتدخل الرئيس شخصيا، كي تتكفل الجزائر بعلاج أي جزائري أو جزائرية في مستشفيات الخارج ؟ هل إصدار أوامر علاج العباد بالخارج، يًعدُّ من مهام رئيس الجمهورية؟... رئيس الجمهورية شخصيا بلحمه و عظمه، و ليس الوزير الأول أو وزير الصحة... هل هذا أمر طبيعي؟ رئيس الجمهورية يمكنه أن يسأل عن مدى تحسن الحالة الصحية لهذه الشخصية العمومية أو تلك، بحكم تاريخها أو مكانتها أو وزنها، كما يمكنه أن يبعث لتلك الشخصيات بباقات ورود مرفقة برسائل طيبة.. و يمكنه حتى أن يزورها متى سمحت له الظروف بذلك، لا أن يقوم بمهام صندوق الضمان الاجتماعي !
الرجل الأول في الدولة منذ ما قبل مجيء بوتفليقة، غالبا ما كان يتدخل لعلاج شخصيات معينة بالخارج، و هذا بنظري تصور خاطئ لما يجب أن تكون عليه الأشياء، لأن الأمر يتعلق هنا بسلوك يكرّس التمييز بين الجزائريين. ألأن فلان مجاهد أو فنان مشهور أو كاتب معروف، يتدخل لأجله الرئيس ، كي يعالج بمستشفى أجنبي بينما الآخر لأنه معلم متقاعد أو موظف بسيط، قد يموت على بلاط مستشفى قريته المنسية، في غياب عدد الأسرّة الكافي في بعض الأحيان ؟! لا.. هذا تمييز بين الجزائريين، و إذا كانت جميلة بوحيرد عزيزة على من يحبونها - و نحن كلنا من الذين يحبونها- فان كل أم أو أخت أو ابنة في نظر أبنائها أو إخوانها أو والدها أو أمها، هي كذلك جميلة بوحيرد، و لمن لا يفهم كلامي، أذكره بالمثل الجزائري الشعبي الشهير " كل قرد في عين أمه غزال".
ما هذا ؟!.. هل نعلم بأننا نكرّس طبقية لا ترضي لا الله و لا الضمير؟ هذه سنوات و نحن نستهلك هذه الطبقية: فئة من الجزائريين لا حق لها في أكثر من المستشفى المحلّي ( و يا ربّي !)، فئة ثانية تحتاج إلى "بيستون" من الدرجة الثالثة، كي يفوز أصحابها بسرير في واحد من مستشفيات العاصمة، فئة ثالثة يلزمها " بيستون " من الدرجة الثانية، كي تتسلّل إلى مستشفى " عين النعجة" (مع تمنياتي بالشفاء لكل من دخله)، فئة رابعة يجب أن تتوفر على " الشكارة" كي تقيم بعيادة خاصة، و فئة خامسة لا بد لها من "بيستون" من الدرجة الأولى، حتى تجد نفسها بين أيدي أطباء الخارج... و أخيرا فئة أخرى، خارج التصنيف تحتاج إلى رئيس الجمهورية شخصيا حتى تعالج بأحد مستشفيات الخارج.. لا .. و أي مستشفى و بأي بلد !
ما هذا ؟!
ما أريد أن أقوله أيها الأصدقاء، هو أنه إذا ما كانت السيدة الكريمة جميلة بوحيرد، مريضة، فعلى الهياكل الصحية الجزائرية أن تعالجها و إذا ما تبيّن أن المستشفيات الوطنية غير قادرة على علاجها، فيجب حينها أن تحوّل المرأة للعلاج بالخارج، لكن... لكن.... لكن:
أولا: ألا يستدعي علاجها بالخارج، تدخل رئيس الجمهورية، و ألا تحتاج المعنية إلى توجيه رسالة إلى الرئيس بهذا الخصوص.
ثانيا: ألا يتحدث أحد عن تكفل " على عاتق الدولة"... لا يجب أن يكون للدولة - بالمفهوم الأعوج الشائع- مكان في مثل هذه القصص، لأن الأصح أن يتم ذلك "على عاتق الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي" ( و بلا مزيّة منه).
ثالثا: أن يكون كل الجزائريين على اختلاف أسمائهم و أعمارهم و أحوالهم، جميلات بوحيرد، و أن يحظون بنفس الحق و ذات الفرصة في العلاج داخل الوطن أو خارجه.
جزائريون كثيرون ماتوا عبثا، بينما كان من الممكن إنقاذ حياتهم لو أُتيحت لهم فرص العلاج خارج الوطن، كما أُتيحت للشخصيات المصنفة ضمن ما يسمى " الوزن الثقيل" بمن فيهم الوزراء، و على رأسهم وزير الصحة السابق عمار تو الذي فضل مستشفيات الخارج على المستشفيات الجزائرية التي يشرف على تسييرها. فمن كانت حياته عزيزة عليه، و عالج بالخارج من جيبه الخاص، فليمدّد الله في عمره، أما أن يكون العلاج بالخارج من المال العام، حلال على "البعض"، حرام على الأغلبية.. فلا و ألف NON .. و رجاء، لا تقولون لنا: " على أي حال، إن الأعمار بيد الله"، لأننا أجدر بأن نقول لكم هذا. السلام عليكم.
( منشور في أسبوعية " أسرار" الجزائرية/ العدد 271 )
التعليقات (0)