مواضيع اليوم

لا يهم !

عبدالقادر جمعر

2010-11-29 05:47:20

0

الحياة أمل من فقد الأمل فقد الحياة
أفلاطون

الاسم: مروة. العمر: أربع سنوات. عنوان الإقامة: بيت قصديري بالشلف، قضى أصحاب الأمر و النهي بهدمه.
مروة طفلة جزائرية ماتت متأثرة بحروق أصابتها، في مقر بلدية الشلف، و على بعد خطوات معدودة من مكتب رئيس البلدية.
"مروة" اعتبارا من شهر نوفمبر 2009، لا يجب أن يبقى اسما لطفلة جزائرية، بل هو عنوان لمرحلة جديدة يعيشها الجزائريون و تعيشها معهم الجزائر. مرحلة لا تقل حساسية عن مرحلة ما بعد الخامس أكتوبر من عام 1988... مرحلة يأس، موت، انتحار.. مرحلة هرب من حياة لونها أسود و مذاقها مرّ.. مرّ.
قصة مروة تعرفونها، و لمن لا يعرفها هذا تذكير مقتضب:
مروة هي وحيدة أمها و والدها. كانت تعيش بأحد البيوت القصديرية بالشلف. من منا يستطيع أن يتخيّل الحياة في بيت قصديري، من دون أن يعيش أياما و ليال في واحد من تلك المسماة زورا و بهتانا " بيوت"؟ ... لا يهم!
ذات يوم تلقى والد مروة إخطارا بأن المسؤولين المحليين قرروا هدم ذلك البيت القصديري. لا أحد منا يعرف حجم الكوارث التي كانت تلطّخ حياة والد مروة، قبل أن يتلقّى النازلة الجديدة المتمثّلة في قرار إزالة بيته. لا أحد منا يعرف بأي لون كان الرجل يرى الحياة. كما لا أحد منا يعرف المشقّة التي كان يتحمّلها للارتزاق و الإنفاق على زوجته و ابنته، مع أننا نستطيع أن نتصوّر حجم كسبه اليومي، ما دام يعيش ببيت قصديري،تماما كما لا نحتاج لأي مساعدة من أي كان، كي نقيس حجم امتلاء كأس أي بشر يحيا ببيت قصديري... لا يهم !
الرجل و بعدما علم أن المسؤولين قرّروا هدم " العشّة" ، أخذ معه زوجته و ابنته مروة، و قصد مقر البلدية ( بلدية الشلف). هناك، طلب مقابلة السيد رئيس البلدية... من دون شك، كي يقول له: سيد المير، بعدما تهدموا بيتي، إلى أين سآخذ زوجتي و بنيّتي الصغيرة هذه؟ لكن رئيس البلدية لم يستقبل الرجل... لماذا؟... لا يهم !
والد مروة و لأنه لم يحظ بشرف مقابلة المنتخب المحلّي رقم واحد، لم يعد يرى الحياة بأي لون، بعدما كان يراها سوداء.. ببساطة لم يعد يرى أي شيء، عدا البنزين الذي أخذه و رش به نفسه، زوجته و ابنته مروة.. النار التهمت ما تيسّر لها من أجساد الثلاثة. تم نقلهم إلى المستشفى، لكن حوالي ستة أيام بعد الواقعة، لم يصمد جسد مروة النحيف أمام ما حدث له، و صعدت روحها إلى خالقها.. إلى الله.. إلى العادل الأكبر.. إلى الذي لا يميّز بين من يقيم ببيت قصديري بالشلف و بين من لديه فيلا بحيدرة.. إلى الذي يستقبل و يستجيب.. إلى الذي سيخيّر مروة بين قصور لا حصر لها في الجنّة، بعدما لم يكن من حقّ والدها و أمها، حتى F1 تعويضا عن البيت القصديري. من منا سيسأل عن مروة يوم الحساب؟ .. لا يهم !
مروة ماتت إذن.. من هنا لا أعلم إن كانت القصة قد بدأت أم انتهت. قصة محطة جديدة.. محطة مأتمية.. انتحارية. هل أبالغ.. هل أنا متشاءم.. هل أسوّد وضعا ورديا ؟ لا يهم !
من يتحمل مسؤولية موت الصغيرة البريئة مروة ؟ والدها،أم الشرطي الذي استعمل مسدّس الصعقة الكهربائية، من دون أن يعلم أن الطفلة و والدها و أمها كانوا كلهم مبنزنين إن صح التعبير أم الذين اتخذوا قرار هدم البيت القصديري أم رئيس البلدية الذي لم يستقبل أبا مروة ؟ الجواب... لا يهم !
هناك من بين الجزائريين من أبكاهم موت مروة، لكني واثق من أن أغلبنا لم يبك ! ألأننا ألفنا الموت في هذا البلد، أم لأن الحياة لم يبق لها أي معنى في وجداننا إلى الحد الذي أصبح يجعلنا نقف كالأصنام أمام موت تراجيدية كموت مروة.. أم لأننا لا نبكي إلا أنفسنا، أما الآخرون فليذهبوا إلى الجحيم؟.. لا يهم !
لقد نسينا مروة قبل حتى أن تُدفن، كما نسينا غيرها من أطفال الجزائر الأبرياء الذي سنُسألُ عنهم: " بأي ذنب قُتلوا؟"... لكن هل نحن أمة تخشى السؤال؟.. لا يهم !
هل ما زال أي معنى لحياة الإنسان الجزائري ؟.. لا يهم !
منذ أيام قليلة، و تحت عنوان "وزن الإنسان الفرنسي" كتب الزميل سليمان عوادي في عموده " حديث الناس" في عدد أسرار الصادر بتاريخ الخميس 29 أكتوبر 2009 ، كتب إذن، كلاما رائعا، أعترف بأنني لم أقدّر قيمته إلا بعدما صُعقتُ بخبر وفاة الطفلة مروة. و لأنني سُحرتُ بكلام الزميل عوادي، أنقل لكم فيما يلي، حرفيا بعض ما جاء في عموده المذكور:
منذ أيام قليلة جدا، و أنا أتباع الأخبار المسائية على قناة " فرانس 3" التلفزيونية الفرنسية، كدت أبكي و أنا أتابع روبورتاجا قصيرا بُثّ في معرض الأخبار. كدت أبكي، ليس لأنني تأثرت بمضمونه، و إن كان ذلك المضمون مؤثرا بالفعل، و إنما انتابتني الرغبة في البكاء، لأنني تمنيت لو أن ما حدث بإحدى المدن الفرنسية الصغيرة جدا، يحصل و لو مرة واحدة في بلادي.
القصة و ما فيها أن عائلة فرنسية فقيرة، وجدت نفسها محرومة من الغاز و الكهرباء، بعد أقدمت الشركة المعنية على قطع الطاقتين المذكورتين، بسبب عدم تسديد فاتورة الاستهلاك التي لم تتعد 250 يورو.
العائلة المعاقبة لم تتقبّل ما حدث لها، و اشتكت حالها لرئيس البلدية. هذا الأخير و لأنه مثقف و واع و صادق و مطّلع جيدا على صلاحياته الواسعة كرئيس بلدية، اتخذ فورا قرارا يقضي بأن تتحمل ميزانية البلدية دفع تلك الفاتورة المتواضعة. الرجل اتصل بإدارة شركة الكهرباء و الغاز و هي شركة خاصة، و طلب منها أن تعيد الكهرباء و الغاز لتلك العائلة، مقابل وعد شرفي منه بأن تُسدّد الفاتورة في أجل أقصاه أسبوع واحد على أكبر تقدير. مسؤولو الشركة رفضوا و اشترطوا التسديد الفوري لمبلغ الفاتورة زائد قيمة عقوبة التأخر، كي يعيدون الكهرباء و الغاز. رئيس البلدية و لأنه له شرف، صُدم لرفض الشركة تلبية طلبه و هو الذي قدم وعدا " شرفيا" بأن يسدد الفاتورة من ميزانية البلدية في ظرف أسبوع. بالنسبة إليه، ما حديث لم يقل عن الاهانة.
لأنه مثقف و واع و له شرف هو كذلك، و لأنه منتخب من قبل الشعب ليخدم الشعب، لا يخدم نفسه و أفراد عائلته و أبناء قبيلته، و لأنه أيضا يعرف أن مهمته أمانة يصونها كل من له ضمير و شرف و أخلاق، حتى و إن كان ملحدا... نائب رئيس البلدية قرر أن يسدد تلك الفاتورة فورا من جيبه ! أي أنه اتصل بشباك الشركة المعنية و دفع مبلغ الفاتورة و عقوبة التأخر عن التسديد، ثم أمر بالرأس المرفوعة أن يخرج فورا، أحد أعوان الشركة كي يعيد الكهرباء و الغاز لتلك العائلة. و هذا ما حدث فعلا، حتى أن ربة البيت لم تتمالك نفسها، و بكت، لأنها لم تكن تتوقع أن يعود الكهرباء و الغاز. لكنها، مهلا... فالقضية لم تنته عند هذا الحد، بل أخذت أبعادا أخرى، لأن الأمر يتعلق في نظر منتخبي تلك المدينة الفرنسية بفضائح... فضيحتين أن يُقطع الكهرباء و الغاز على مواطن فرنسي، و فضيحة ألا تستجيب شركة لكلمة "شرف" صادرة عن رئيس البلدية. و لو لم يكن الأمر يتعلق فعلا بفضيحتين، لما قبلت إدارة قناة " فرانس 3" التلفزيونية بأن تبعث فريقا عنها لتغطية الواقعة و سماع كل الأطراف و إعلام بشر العالم بأكمله بما حدث.
منتخبون يتجندون من أجل مواطن قُطع عنه الكهرباء و الغاز لأنه لم يسدّد فاتورة الاستهلاك. منتخبون يلتفون من حول مواطن، لأن للمواطن الفرنسي قيمة و وزن.
( انتهى نص عمود الزميل سليمان عوادي).. هل استخلصنا أي عبرة من مثل هذا الكلام ؟!..لا يهم !
رحم الله مروة و كل ضحايا البؤس الدزيري. السلام عليكم.

 

 

منشور في أسبوعية أسرار الجزائرية / العدد 265




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات