قبل اندلاع موجات السخط الشعبي المستطير، في نسخته الاجتماعية العفوية، بأغلب المدن الجزائرية كل المؤشرات كانت تنذر بحتمية وقوعه اعتبارا للانحراف البيّن الذي سار على دربه الحكام الجزائريون وبفعل الاستراتيجية المعتمدة والتي أقرّ الكثير من المتتبعين الجزائريين أنفسهم بأنها تقود البلاد إلى الهاوية.
للاطلاع على مؤلفات إدريس ولد القابلة
okdriss.elaphblog.com/posts.aspx
لا مناص من محاكمة مافيا جنرالات الجزائر
قبل اندلاع موجات السخط الشعبي المستطير، في نسخته الاجتماعية العفوية، بأغلب المدن الجزائرية كل المؤشرات كانت تنذر بحتمية وقوعه اعتبارا للانحراف البيّن الذي سار على دربه الحكام الجزائريون وبفعل الاستراتيجية المعتمدة والتي أقرّ الكثير من المتتبعين الجزائريين أنفسهم بأنها تقود البلاد إلى الهاوية.
فبالأمس القريب بدا بوضوح أن المجموعات الإرهابية أضحت تعتو فسادا في الجنوب الجزائري وفي شمال منطقة الساحل، تقتل الأبرياء وتختطف الأجانب وتطالب بفديات مالية مهمة وتخطط لعمليات الإرهابية وتعدّ العدّة لها وتشارك بحيوية في تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، ولا من حسيب ولا رقيب، ما عدا المحاولات المحدودة التي تقوم بها موريتانيا بدافع ودعم من طرف فرنسا اعتبارا لكون بعض مواطنيها بقبضة المختطفين، وما عدا هدا لا شيء يذكر بخصوص ردع مجموعات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
لكن الذي أثار الاستغراب حقا والقلق أيضا في هذا المضمار، هو سكون قصر المرادية، علما أن أرض الجزائر تُعتبر مسقط رأس النواة الأولى لتلك المجموعات في غضون تسعينات القرن الماضي، والتي ارتمت في أحضان تنظيم القاعدة مع الإعلان عن ميلاد القاعدة في المغرب الإسلامي. رغم ذلك لم يقم القائمون على قصر المرادية بما يلزم لتضييق الخناق على الإرهابيين بالصحراء الكبرى التي أضحت اليوم مرتعا للإرهاب ومشتلا لعناصره بفعل تصديره إليها من طرف الجزائر على امتداد السنوات العشرة الأخيرة.
نسمع من حين لآخر عن حملة تمشيط هنا أو هناك من طرف الجيش الجزائري في جبال "القبايل"، إلاّ أن أمر هذه العمليات المخطط لها قد انكشف بجلاء مؤخرا، حيث لا تستهدف التصدي للمجموعات الإرهابية التي استوطنت الصحراء الكبرى التي توجد تحت إمرة مافيا جنرالات الجزائر المتحكمة في البلاد ورقاب العباد ( علما أنها ليست جزائرية أصلا) أو الأراضي التي توجد في جنوب الصحراء المغربية، وإنّما تستهدف تلك العمليات المناسباتية التصدي أوّلا وأخيرا جيوب المعارضة القوّية للنظام السياسي المتسلط على الشعب الجزائري الشقيق. إنّها في واقع الأمر لا تعدو أن تكون مهمات خاصة قوامها التصفية الجسدية لزعماء الحركات الاحتجاجية القوّية المُطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية تغض مضجع قصر المرادية. وهذا سعيا لإجهاض أي مشروع انتفاضة شعبية في المهد.
لذلك يبرز اليوم بوضوح عدد أمازيغ القبايل الذين لقوا حتفهم صمن حصيلة هذه العمليات التي يُقدّمها القائمون على قصر المرادية للإعلام الخارجي كحرب للتصدي للإرهاب. وهذا ما دفع البعض إلى الشروع في الحديث عن مخطط تصفية عرقية شاملة تدور رحاها بالجزائر منذ أن أعلنت أصوات عن المطالبة الجادة والجدية باستقلال "القبايل".
ومن المعلوم أن هذا المخطط انطلق منذ فجر تسعينيات القرن الماضي على يد مجموعات "إرهابية" من خلق المخابرات الجزائرية نفسها حسب شهادة أكثر من مصدر مطّلع من قلب الدار عليم بما يجري ويدور في كواليس مافيا جنرالات الجزائر. وحسب أكثر من مصدر جزائري مطلع لجأت الأجهزة الأمنية والمخابراتية الجزائرية إلى نفس الحطة، حيث شرع مجموعات تحت إمرتها وبتوجيه منها تقترف عمليات اغتيال عشوائية وإرهابية في صفوف المواطنين محاولة منها لإجهاض بوادر الانتفاضة الشعبية التي طالما انتظرتها أوسع فئات الشعب الجزائري المغلوب عن أمرها.
ولقد تأكدت المعالم الأولى لهذا المسار الدموي منذ أن قامت مافيا جنرالات الجزائر بانقلابها يوم 11 يناير 1992 تحت مظلة "المشروعية التاريخية" (مشروعية الثورة الجزائرية التي حوّلتها تلك المافيا إلى رسم تجاري لا تزال تتاجر به إلى حدّ الساعة)، وبذلك رهن حكّام الجزائر مصير الشعب الجزائري الشقيق في برك دم أبنائه البررة الأوفياء وفي بؤر من المعضلات الاجتماعية المستعصية الحلّ رغم ثروته الهائلة.
لذا أضحى الكثيرون من أحرار الجزائر يطالبون بضرورة محاكمة دولية للمسؤولين عن الأهوال التي عاشتها البلاد، ومحاسبتهم ومساءلتهم بخصوص الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفوها على امتداد سنوات، سيما وأن ضلوعهم فيها قد تأكد بما لا يدع أدنى مجال للشك، إن على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي.
لسان حال الجزائريين يقول
محاولة منا لمعرفة كيف ينظر شباب الجزائر لأحداث وانتفاضات الغضب التي همت كافة التراب الجزائري، عملنا على القيام باستطلاع الرأي عبر صالونات الدردشة يشارك فيها الجزائريون في الأنترنيت، فكانت الحصيلة التالية:
يرى الكثير من الشباب أن الجزائر رغم البترول تبقى دولة فقيرة ، والحكومة المافوية تابعة للعسكر الذين استنزفوا أموال البترول كلها . وغالبا ما يعلنون عن مشاريع ضخمة و في الأخير لا يتحقق شيء.
في حين تساءل شاب آخر قائلا أين هي مقولة الجزائر جنة الله في الأرض؟ أين هي مقولة الجزائر أكبر و أغنى دول إفريقيا ؟ أين هي مداخيل ثروة البترول و الغاز؟ ولماذا غلاء الأسعار مع بداية السنة مادام هناك مليارات الدولارات تجنيها الدولة من عائدات البترول و الغاز؟ أليس مفروضا على الدولة الجزائرية أن تجعل شعبها يعيش في بحبوحة اقتصادية و رفاهية اجتماعية؟ أوليس حريا بدولة غنية بالبترول و الغاز أن تدعم المواد التي شهدت ارتفاعا صاروخيا في الأثمنة مراعاة لأحوال و هموم المواطنين،أم أن المواطن الجزائري هو آخر من تفكر فيه الدولة الخاضعة لسلطة الجنرالات؟ أو ليس من الأجدر صرف ثروات الجزائر على أبنائها أولا قبل أي شيء وقبل أي كان،أم أن الجزائري هو مجرد مواطن من الدرجة الثانية في نظر ماسكي زمام الأمور بهذا البلد؟ ويضيف الشاب الجزائري المكلوم بفعل التهميش والإقصاء : صراحة من يسمع بصرف الجزائر لــ 300 مليار دولار على شلة و حفنة من المرتزقة سوف يعتقد أن هؤلاء المرتزقة هم المواطنون الجزائريون الحقيقيون الأصليون و هم أصحاب الأسبقية و الأولوية... ويختم كلامه قائلا: تموت الجزائر جوع وفلوس النفط ترمى للكلاب، الجنرالات ينامون على حرير والشعب المسكين ينام على تراب...
وتعلن شابة أن الجزائر تحترق الآن نتيجة استراتيجية العسكر المتحكم في رقاب الجزائريين والتي ظلت تسعى إلى البطش بالمغرب بغية إضعافه و فرض الهيمنة عليه من خلال محاولة خلق دويلة على حسابه تكون حسب التخطيط الجهنمي العسكري مزمنة العداء لنا وعامل كسر للرقعة الجغرافية الوطنية من خلال مطالبتها لأجزاء أخرى منه وضمها للوهم الذي وحسب التخطيط سيكون خاضعا للعسكر الجزائري ومسيطرا عليه بشكل دائم، ولأجل تحقيق هذا الهدف وعلى مر السنين هدر جزء كبير من إمكانيات البلد الغازية والنفطية في سبيل تحقيق الوهم، فمن إرشاء الدول الفقيرة إلى صفقات تسليح الجيش الجزائري بما فيه فيلق تندوف ومرورا بنهب المال من لدن عسكريي الاستعمار الجديد وتكديسه بالأبناك السويسرية ، إلى أن وجد الشعب المسكين نفسه بشكل يتناقض مع إمكانيات وطنه الهائلة في حالة من التردي، بل إن أكثرية هدا الشعب أضحت تعيش بؤسا مشهودا به من قبل المنظمات العالمية المختصة وهو ما أدى إلى سخط عارم كانت نتيجته الأحداث الأخيرة. ألم يعش الشعب الجزائري الشقيق ظروف معيشية مزرية ومساكن تفتقر إلى الشروط الصحية ؟ وآخر إحصاء أشار إلى وجود أكثر من 45 ألف براكة قصدير بالعاصمة الجزائر في حين تعيش الطغمة العسكرية حياة البذخ بفضل عائدات النفط .
وقد ذهب أحد الشبان الجزائريين إلى القول : كنا نسمع عن أسطورة "دراغولا" (مصاص الدماء) حتى ظهر لنا في الجزائر "دراغولا" حقيقي، إنهم جنرالات الدم الذين يمصون دماء الشعب الجزائري. فعار على هؤلاء القابعين في المرادية، بطونهم تزداد انتفاخا يوما بعد يوم بينما شعبهم مقهور يعاني في الحصول حتى على المواد الأولية في بلد يغني صباح مساء أن ذمته خالية من أي دين خارجي حتى لا يتدخل أحد في قراراتهم إذا ما أرادوا تجويع شعبهم وقهره واستنزاف جيوبه المستنزفة أصلا. وها هي الدولة التي تتمتع باحتياط كبير من الغاز يعيش سكانها الفقر المدقع بينما الحديث يدور عن فائض مالي سنوي يقدر بــ 110 مليار دولار، كل هذا يحدث في جزائر بوتفليقة.
ويردف آخر مكملا : الجزائر بلد حرروه شهداء ويخربوه عملاء، إن شباب الجزائر هم الأكثر هجرة نحو أوروبا، في حين تراجعت الهجرة بالمغرب ... للجزائر عائدات البترول قياسية ومستوى المعيشة متدني بها مقارنة بتونس والمغرب، وذلك لسبب بسيط أنها تركت التنمية وتبنت دعم النزاعات وزرع التفرقة بين العائلات المغاربية ، والنتيجة سينقلب السحر على الساحر . وقد صدق من قال إن وضع البلاد لن يتغير مادام نظام الحكم عسكري هو السائد .
ويختم الدردشة شاب في مقتبل العمر قائلا: الجزائريون رجال أحرار صناديد لا يقبلون الظلم على أنفسهم ولا على جيرانهم وهم واقفون مكتوفي الأيدي فقط أمام الترسانة العسكرية التي تحلب خيراتهم. لقد نهبوا كل شيء ولم يتركوا للشعب الجزائري الا المشاريع الورقية .
الاحتجاجات حركها الوضع الاجتماعي المتردي والأوضاع السياسية الاقتصادي
يرى الخبير الجزائري في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، أن دوافع الاحتجاجات الشعبية، وان كانت بفعل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي، إلا أنها امتداد للأوضاع السياسية التي تعرفها البلاد منذ مدة، كما ينفي أن تكون هناك جهة معينة تحرك المحتجين، غير السخط عن الوضع الاقتصادي والسياسي بالجزائر.
وقد تنبأ منذ الانطلاقة أن الحركة الاحتجاجية لن تظل مقتصرة على بعض المدن الكبرى وإنما ستنتشر في باقي الولايات لتصبح ظاهرة وطنية، ستلحق بالمناطق الصحراوية التي لطالما ميزها الهدوء ، وذلك لأن أسباب هذه الجركات وطنية وعميقة.
وأقرّ بأن المحتجين حتى وان كانوا صغارا في السن، فهم أبناء عائلات، وينتمون لأحياء شعبية، ويتأثرون بالواقع الاجتماعي لأسرهم، وبالقدرة الشرائية لمعيل الأسرة، مما ينعكس على باقي أفراد العائلة، فحتى الأطفال هم أبناء الوسط الاجتماعي، والجو العام المتعلق بالظروف الاقتصادية والعوامل الأخرى المؤثرة.
وأضاف أن انفجار الاحتجاجات كان ليلا، ربما نظرا للكاميرات التي تملأ الشوارع، وخوفا من التقاط صور الغاضبين تحسبا للتعرض للاعتقال والمساءلة. مؤكدا أن المحرك الرئيسي لهذه الاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي مع المستجدات، لكنها مركبة وعمرها يمتد لعدة أسباب، ولم تتسبب فيها جهة معينة، أو سبب واحد، بل يدخل فيها الاحتقان، التهميش، والوضع السياسي.
في حين دعا العضو القيادي في حركة الإصلاح الوطني، جهيد يونسي الحكومة إلى الاهتمام أكثر بالجانب الاجتماعي للمواطنين ووصف انزلاق الوضع وخروج الشباب الفئات المتضررة إلى الشارع للانتفاضة ضد التهاب الأسعار، بأنها وضعية تعكس عدم تحكم الدولة في زمام الأمور، والكارثة الحقيقية حينما تتحجج الحكومة باستحواذ المستوردين على السوق، وكأن الجزائر يحكمها قانون الغاب.
أما حركة النهضة فقد ركزت على فشل السياسة الاجتماعية التي اعتمدتها الحكومة ، وبأن الميزانيات المالية الاجتماعية الكبيرة التي اعتـُمدت في قوانين المالية لم تعد تصل إلى المواطن، نظرا لسوء التسيير والفساد وعدم نجاعة الآليات المعتمدة، كما أعابت حركة النهضة تردي الأجور وعدم تمكن الدولة من التصدي لجشع التجار ومحاربة لوبيات الفساد لوقف التدهور الاجتماعي.
التعليقات (0)