ربما الافراط في التفاؤل في ملف المصالحة الفلسطينية في المراحل السابقة أعطى مؤشراً عكسياً، حيث فرض التشاؤم نفسه بقوة، حتى وصل المواطن الفلسطيني والعربي إلى درجة القناعة الراسخة بأنه لا مصالحة بعد اليوم، وأن الإنقسام سيبقى، وسيكتسب شرعيات سياسية من العديد من الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، ويساعد على ذلك مجموعة من المرتكزات الرئيسية منها:
1- إنقسام وضعف النظام الإقليمي العربي.
2- مركزية المتغير الأمريكي والاسرائيلي في ملف المصالحة الفلسطينية.
3- سلوك وأداء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وطريقة تعاملها مع حركات المقاومة الفلسطينية من خلال عمليات التنسيق الأمني، مما أفقدها ثقة المواطن الفلسطيني.
4- حجم التغييرات التي أحدثها الانقسام في البنية المؤسساتية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
5- صعوبة تجانس الثقافة الوطنية العلمانية (حركة فتح) مع الثقافة الوطنية الاسلامية (حركة حماس) في المرحلة الراهنة.
6- أزمة الثقة بين الحركتين هي المسيطرة على أصحاب القرار السياسي الفلسطيني، وبذلك لا يمكن أن تتقدم المصالحة خطوة واحدة في ظل أجواء عدم الثقة.
ولربما هناك مرتكزات عديدة تقف حائلاً أمام اتمام عملية المصالحة الفلسطينية وانهاء ملف الانقسام السياسي بين قطبي النظام السياسي الفلسطيني حركتي فتح وحماس، وهذا في مجمله يؤكد بأن المصالحة بعيدة المنال، وأن ما يسيطر على الجميع هو المحافظة على البقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، والعمل الجاد في استعادة ما يسيطر عليه الخصم السياسي الآخر، وهذا يشكل استنزافاً سياسياً ومالياً وإدارياً وأمنياً، وينذر بحدوث كوارث سياسية في طبيعة وشكل العلاقات الوطنية الفلسطينية، مما يضعف جبهة المقاومة وجبهة المفاوضات، بحيث يؤدي ذلك إلى مزيد من الاصطفافات والتحالفات الجديدة، والتي تصب في مجملها في تحقيق مصالح الدول على حساب مصالح القضية الفلسطينية ومشروع التحرير.
إن ملف المصالحة الفلسطينية كي يتحقق ينبغي إزالة كل آثار الانقسام، وينبغي قبل التوقيع على المصالحة، العمل الجاد على صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني الجامع، والذي يضع كل الخيارات متاحة من اجل انجاز هذا البرنامج، فخيار المقاومة بكافة أشكالها يبقى مشرعاً في وجه الاحتلال، وهذا مكفول في كل القوانين والشرائع، ويكون خيار المفاوضات هو الآخر متاحاً ومدعوماً بقوة المقاومة.
ولتحقيق المصالحة الفلسطينية يتطلب ما يلي:
1- مصالحة عربية بين الأشقاء.
2- بيئة سياسية فلسطينية تعزز ثقافة الوحدة وتنبذ الانقسام، وهذا يتطلب من الجميع تبيض السجون من المعتقلين السياسيين، ووقف التحريض الإعلامي، ووقف عمليات التنسيق الأمني، ووقف كل الانتهاكات التي تمس الحريات العامة.
3- بناء نظام سياسي فلسطيني تتسع بنيته للجميع، ويراعي محددات من أهمها محورية القضية الفلسطينية، وتأثير ذلك على حجم التداخلات والتدخلات الدولية والاقليمية، وكذلك يتكيف مع طبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
بعد ذلك نستطيع الجزم بأن المصالحة الفلسطينية ستصبح ثقافة سياسية تتجز في قلب ووجدان وثقافة الانسان الفلسطيني، ولن تقتصر على وثيقة هنا، أو مبادرة هناك، فنحن ما زلنا تحت الاحتلال، والتنافس على السلطة هو سابق لأوانه، لذلك ينبغي على الجميع أن يعمل على إزالة الاحتلال، وبما أن الاحتلال سلب واحتل أرضنا بالقوة المسلحة، فلا يمكننا أن نستعيد ذلك إلا بالقوة، وهذا يعطي أفضلية لخيار المقاومة المسلحة في التعاطي مع الاحتلال الاسرائيلي.
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)