لا للحداثة... نعم للرجعية.
صدرت في السعودية فتوى جديدة من الفتاوى المثيرة للجدل، والتي يبدو أنها باتت موضة العصر الفقهي الجديد في بلاد المسلمين. فقد طالعنا " الشيخ عبد الرحمان بن ناصر البراك" بآخر تقليعة في عالم الافتاء عندما قضى بتحريم الاختلاط بين الجنسين وتكفير كل من يسمح به في ميدان العمل أوالدراسة.
وفي تفاصيل الفتوى نقرأ في الموقع الالكتروني للشيخ: " ...فان الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم – وهو المنشود للعصرانيين – حرام، لأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام، والسفور الحرام والخلوة الحرام والكلام الحرام بين الرجال والنساء، وكل ذلك طريق الى ما بعده. " . وهكذا يبدو كل شيء يرتبط بالاختلاط حراما في نظر صاحب الفتوى. وهذا موقف ليس بغريب عن الثقافة التي يريد الشيخ وأمثاله غرسها في النفوس. وكلمة ( العصرانيين ) التي تضمنتها الفتوى تؤكد فعلا أن أمثال هؤلاء يعيشون خارج التاريخ، و يريدون العودة بالانسان المسلم الى التقوقع في عقلية غابرة تكاد تعتبر المرأة نفسها رجسا. وكأن كل مصائب المسلمين كانت من نسج النساء ومكائدهن. والربط بين الاختلاط ودعاة العصرنة يفيد أن الشيخ يكفر الحداثة كلها لأنها مدعاة للفجور والتبرج. و بعد ذلك ينتقل الشيخ الى القول: " ومما يحسن التنبيه اليه أن كل من رضي بعمل ابنته أو أخته أو زوجته مع الرجال أو بالدراسة المختلطة فهو قليل الغيرة على عرضه، وهذا نوع من الدياثة، لأنه بذلك يرضى بنظر الرجال اليها، وغير ذلك مما يجر اليه الاختلاط ". وفي هذا الكلام اتهام صريح بالدياثة لشريحة واسعة من المسلمين ممن تعمل زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم في الوظائف المختلفة. لذلك ما من سبيل لارضاء الشيخ الا بالزام كل النساء بالتخلي عن العمل والدراسة مادام الاختلاط ( شرا لابد منه) سواء كانت هذه المرأة طبيبة أو ممرضة أو معلمة أو مهندسة أو طالبة... ومن يعمل ذلك فقد سلك سبيل الرشاد والنجاة والا فعاقبته وخيمة. اذ يضيف شيخنا " ومن استحل هذا الاختلاط – وان أدى الى هذه المحرمات – فهو مستحل لهذه المحرمات ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا وتقام الحجة عليه فان رجع والا وجب قتله ". ولأن العبرة بالخواتم، فهذا هو مربط الفرس في فتوى البراك. انه يختزل ثقافة التكفير التي أصبحت سلعة رائجة بين أفراد المجتمع الذين يتخذون من هذه الفتاوى العجيبة مرجعيات مقدسة. وهكذا نقرأ في فتوى الشيخ دعوة الى القتل بصريح العبارة تحت مسمى اقامة حدود الله الشرعية. وفي ظل الأمية والجهل اللذين يطبقان على نسبة مهمة من الناس في المجتمعات الاسلامية يمكن لمثل هذه الفتوى وغيرها أن تشكل نبراسا لبعض مرضى النفوس و المتزمتين من اجل تغيير المنكر ( الاختلاط). ومثل هؤلاء يفضلون تغيير المنكرات باليد قبل اللسان والقلب طبعا.
هذا هو الفكر الديني الذي يراد لنا أن نتخذه نموذجا للاصلاح والرقي بمجتمعاتنا. فكر يوغل في الظلامية والتخلف، و يضفي مزيدا من السوداوية على الواقع الاجتماعي. ويِشير الى استقالة االعقل الاسلامي المتزن والرزين ، ليفتح الباب على مصراعيها لعقلية التطرف والانغلاق. وبمثل هذه الأفكار عادت الوهابية بقوة الى الساحة، وأصبح العنف سمة بارزة في سلوك الكثيرين. وبينما يواصل الغرب ابحاره الناجح نحو فضاءات التفوق و الازدهار، مازال فقه التحريم عندنا يخيم فوق المكان، ويقسم بأغلظ الأيمان أن لن تقوم لنا قائمة.
محمد مغوتي.25/02/2010.
التعليقات (0)