لا فضائل للشام ولا لأهلها كما نسبوا للرسول
ألف باء إسلام أن الله لا يُفاضل بين عباده بمجرد الزمان ولا بمجرد المكان..وأن المفاضلة الشرعية الوحيدة هي التي كان معيارها التقوى وفعل الخيرات، ولكن رجال الحديث والسند لم يرضوا بهذا المعيار الذي يطفح به القرآن الكريم في مواضع عدة.. بل نسبوا للرسول آثاراً في فضائل الشام بعضها مُضحك والآخر يثير السخرية ..والغريب أننا نجد هذه الأحاديث مسنودة ومرفوعة إلى النبي والبعض يقطع بصحتها..
من أمثلة ما ينسبونه للنبي زوراً وبهتاناً:
1-( صفوة الله من أرضه الشام ، و فيها صفوته من خلقه و عباده)
2-(إن الله تكفل لي بالشام وأهلها)
3-( طوبى للشام لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها)
4-( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)
5-(الشام أرض المحشر والمنشر)
6-(عقر دار الإسلام بالشام)..
وغيرها من الروايات التي ينسبونها للنبي في فضائل الشام..بل هناك من صنف المصنفات في فضائل البلدان ولم يتوقف على الشام وحدها بل منهم من صنف المصنفات في فضائل مصر وأخرى في اليمن وأخرى في عُمان....جميعها على منوالٍ واحد وهو إعلاء النزعة المكانية والتفضيل بمجرد الدم والعِرق .
لا يشك عاقل في أن هذه الآثار موضوعة عن الرسول ومنحولة عن كبار الصحابة الأجلاء، والهدف كما قلنا هو إعلاء النزعة المكانية التي تتسق مع مفاهيم أهل هذه البلدان في العصور الغابرة،فكان القصّاص أو الحاكي يمر على الناس ويُعدد فضائل المكان إما لنوايا حَسنة لتثبيتهم على الجهاد أو الصبر ، وإما لنوايا سيئة للترويج للسُلطان وإخضاع الجماهير لرؤية الحاكم.
لا أفهم ما معنى أن ينسبوا للنبي قولاً يقول فيه إذا فَسد أهل الشام فلا خير فيكم؟!..وهل الفساد بمعناه الشامل والعام يمكن أن يطول جميع من في الشام أم أن الأغلبية إذا فسدت فسيعم الفساد؟!..وهل الفساد الذي سيعم هل سيعم الأمة الإسلامية وحدها أم العالم أجمع؟..ولو كانت الأمة الإسلامية وحدها هي التي ستتضرر فلماذا لم يبعث الله الرسول في الشام ليُصلح أهله بدلاً من إصلاح أهل الجزيرة العربية الذين ومن المفترض أنه وبفسادهم لن يضر الأمة شيئا؟!!!.وهل يُعقل أن أصلح من أهل مكان وأغض الطرف عن مكان آخر هو العهدة والأساس وبدونه يفسد العالم؟!...هذا قولُ هزل وهو طعن في رؤية النبي أو في قدرته على التأثير، لأن السؤال سيتبادر إلى الذهن مباشرةً، لماذا بعد أن قال الرسول أن الإسلام في الشام وبدون الشام تفسد الأمة أن يُبادر الصحابة بالسفر إلى الشام جميعاً كي يحموا قلعة الدين؟!
لو عدنا لمنهج القرآن سنجده يتعامل مع القضية بمنطق مختلف وبأسلوب واحد ويتسق تماماً مع العقل ورؤية الإصلاح بالعموم..وهو أن الإصلاح واجب في كل زمان ومكان، وأن فعل الخيرات واجب على الناس كافة، وأن الأكثرية في كل مكان وزمان ليسوا على هدىً أو كتابٍ منير ، وأن مهمة المصلح هي في هذه البيئة والتي من المفترض أن الله قد أخلفه عليها كي يُصلح منها ويفوز بالجنة..
قال تعالى:
1-(إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون).. [البقرة : 243]
2-(فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون).. [هود : 17]
3-(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).. [يوسف : 21]
4-(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).. [يوسف : 103]
5-(ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا..) [الإسراء : 89]
6-(إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون).. [غافر : 59]
تأملوا منطق القرآن فلم يذكر الله الناس إلا وقال أن أكثرهم لا يؤمنون ولا يشكرون ولا يعلمون..وبالتالي فأكثرهم فاسدون بالضرورة، ومهمة المصلح هي العمل في هذا الجو وتلك البيئة وإلا لانتفت الرغبة من بقائه يعمل ويكافح من أجل الخير وإعلاء القيم والحط من نزعات الفساد والانحراف..
قال تعالى..
1-(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين).. [آل عمران : 114]
2-(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين).. [الأنبياء : 73]
3-(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير). [فاطر : 32]
السؤال هنا..أين ذكر الله المكان سواء الشام أو غيرها؟!..بل هو حُكم إلهيُ نهائيُ صادر أن المفاضلة بين الناس لن يكون للزمان ولا للمكان أي دخل فيها إطلاقاً، بل العمل ثم العمل ثم العمل ومنه يأتي الصلاح، فلا خير في اعتقادٍ بل عمل، وأن أفضل الأعمال ما كانت تأمر المعروف وتنهى عن المُنكر وتفعل الخيرات...وأما من يزعم فضائل البلدان على غيرها فقد ضيق من رحمة الله الواسعة.. ونَشَر الفساد ومنطق الجاهلية وعِصبيتها بين الناس من حيث لا يعلم أو أنه يعلم ولكن يبغي حظاً من الحياة الدنيا والآخرة خيرُ وأبقى.
التعليقات (0)