بعد فترة عابرة من الاندساس في الرمال ..وبعد مراوحة قسرية فرضتها معطيات الثورات العربية الكبرى على الواقع السياسي العربي..وبعد ان نجحت تلك الثورات بالاطاحة باعتى رموز التسلط والاستبداد في المنطقة..وبعد ان وضعت جميع اصحاب الجلالة والسيادة والسمو في خانة المهدد الراجف المرتعب من هدير الاحتجاجات الشعبية العارمة المطالبة بما حرم منه المواطن العربي الشريف لعقود..شهدت الساحة السياسية العربية الراهنة مرحلة جديدة بدأت قبيل سقوط النظام المصري تمثل خطابا سياسيا واعلاميا رسميا بدأت ملامحه تظهر الى العلن بوضوح من خلال تحركات قوى الثورة المضادة واصطفافاتها في الخندق المعادي لحق الشعوب في التعبير والحرية والمشاركة الفاعلة في القرار..
خطاب سياسي واعلامي يتخذ صفة الهجوم متعدد الجبهات على الحراك السياسي الشعبي مستبقا نتائجه من خلال التركيز على تطويق وتقزيم الديمقراطيات العربية الثورية الناشئة وتقديمها بصورة بالغة الهشاشة والضعف وفي موقع المتقاطع مع الخيارات الشعبية ..
تلك الخيارات التي يلخصها الاعلام المعادي بتقديم الدعة والامن المفترض على الحرية وما قد تأتي به من اضطراب من خلال الترويج الكثيف لفكرة اولية الاستقرار النسبي المبني على السطوة الامنية التي يقدمها النظام المستبد على النضال من اجل الديمقراطية..وكل هذا مع اسراف في استعراض نماذج من الشعب المسبق الدفع الذي يتحسر على ايام السوط والعقب الحديدية وايام العز مع الديكتاتور..
اي ان الثنائية المطلوب تسويقها على ذقون الناس هي ما بين حكومة ديمقراطية ضعيفة لا تعرف ماذا تفعل بما لديها من امكانات ودعم شعبي..وما بين حكم ديكتاتوري مستبد ولكن قوي ومستقر وقادر على اتخاذ القرار الامني بيسر وحزم وبلا تعقيدات البحث عن شرعية او غطاء قانوني ما لاجراءاتها..
ومثل هذه الهجمات قد تكون مبررة بسبب حجم المباغته التي فاجأت الانظمة الفاسدة في المنطقة بقوتها الهادرة وافقدتها التوازن من خلال اتساعها وثباتها وصمودها والتفافها حول شعارات الحرية والتعددية وحقوق الانسان..ولكن العصي على الفهم هي تلك الطأطأة المبالغ بها للديمقراطيات الناشئة تجاه هذه الهجمات وانكفائها في خانة المطالب بتبرير النفس المستمر امام القوى المشككة والمؤولة وتجاه ممارساتها التي تزداد جرأة وصلفا مع ارتفاع الصفق والضجيج الاعلامي المصاحب وتضخم الالقاب والمسميات التي تطلق وتشرعن وتهلل لما تقوم به من اجرام..
اول ما يوجب على القوى الثورية الوعي بقوة الشرعية التي اكتسبتها من نبض الشارع الحر ومن الدماء التي تناثرت على الارصفة وفي الازقة الهاتفة الهادرة ومن الجموع التي تحدت القمع والتنكيل بصدورها العارية واكفها الخالية الا من الايمان بحق الشعوب في الحرية والعدالة وحتمية الانتصار للجماهير التي تدق على ابواب القدر..وان هذه الشرعية مستمدة من ملايين السواعد المستعدة بالمضي مع الثورة في طريق الحرية الى النهاية..ومهما كانت تلك النهاية..
وعلى هذه الشرعية المتجذرة في اعماق ضمير ووجدان الشعب والضاربة في لون التراب الذي يتعمد باسم الوطن الغالي يجب البناء المؤسس للنظام الامل والحلم والتطلع..النظام المعبر عن خيارات الشعوب المنتفضة والذي يعمل على تحويل تلك الشرعية الشعبية الى واقع واسلوب وخطاب فكري وسياسي وثقافي متبني لشعارات الدولة التعددية التداولية الحرة..دولة المؤسسات والحقوق المدنية والسياسية والمواطنة المتساوية..واول هذه المسيرة تكون في التقاطع مع الانظمة الفاسدة والتضاد التام مع متبنياتها وتوعية الشعب بالتدليس الزائف لخطابها التحريضي المغلف بالحرص والاخوة والاشفاق..وعدم الاستماع الى نصائح الحكام المتكئين على شرعيات هشة زائفة تؤمن لهم التأبد في الحكم والاستبداد بمقدرات الأمة والاستئثار بمقدراتها لفائدة العائلة والموالين والأقربين..الحكم المعلي لمبدأ التطير والتوجس والسعي للانقلاب على كل الشرعيات التي يكون مصدرها الشعب.ولا يجب ان تبهر القوى الثورية تمكن هؤلاء الحكام من خزائن الارض..ولا الانخداع بالخطاب الاعلامي المروج الملمع المورم لاحجامهم الضئيلة..فالشعوب بهديرها الثائر اقوى منهم..وشرعيتها اصدق واكثر تأثيرا من حكمهم المبتز بليل.. فلا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ..فالثورة اصدق خطابا واعلى صوتا وانصع جبينا..
التعليقات (0)