لا المرونة الفائقة التي تفادى بها الرئيس الامريكي جورج بوش الحذاء الطائر انقذته من الحرج وقتها..ولا حملة الطلاء التي رافقت اطلاق السراح الباهت لمنتظر الزيدي من الممكن ان تعيد بعض الروح الى الكرنفال الصاخب الذي رافق اطلاقه للحذاء الاشهر..
منتظرالزيدي..المواطن العراقي الذي قام بقناعة تامة وباختياره الحر بفعل مخالف للقانون العراقي النافذ ..خرج اخيرا بعد خضوعه لحكم قاضي تصرف ايضا حسب قناعته وفهمه لروح القانون وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، خفضتها المحكمة إلى سنة واحدة لعدم وجود سوابق إجرامية في سجله، متمتعا بكل الظروف المخففة الممكنة..وهذه الظروف المخففة نفسها هي التي اطلقت سراحه قبل ميعاد خروجه المحدد بثلاثة أشهر اعتمادا على حسن سيره وسلوكه .وهذا وحده كفيل بان يصعب على اي من الاعلاميين العرب اغلاق افواههم الفاغرة دهشة وعسراً للفهم لطبيعة التغيرات الديمقراطية التي اخذت ترسخ جذورها في اطناب مجتمعنا العراقي التعددي الحر المؤمن بسيادة القانون وحقوق الانسان..
ونحن هنا نعبر عن سعادتنا بان يعود اي مواطن معتقل الى احضان اهله واصدقائه وان يتنفس حقه كمواطن عراقي وان تؤمن انسانيته ضمن اشتراطات الدولة الوطنية ..ولكننا نشفق على السيد الزيدي ان يتحول الى فقرة في مهرجانات تلميع الوجوه المنتهية الصلاحية لبعض العناوين العربية التي لا تترفع حتى عن استخدام الاحذية كسلاح في معركة الملك العقيم الذي دونه جدع الانوف ..
فيبدو ان السيد منتظر بظهور متوشحا بالعلم القديم وتصريحه المكتوب مستعجل جدا لتحويل الثواني العشر التي استغرقها الحذاء في طيرانه نحو منصة الخطابة الى ارقام مضاف اليها بضعة اصفار..وحتى كلامه المتهافت والمعد سلفا على السيد المالكي يمكن تفهمه على انه الفقرة الاكثر ادرارا للطلبات راهنا في سيرك التدخلات المتعددة الجنسيات في الشأن العراقي الداخلي..
نشفق على السيد الزيدي ان يتحول الى لافتة اعلانية تطوف بالبلدان ويكتب عليها من بيده مفاتيح خزائن الارض ..او استخدامه كعنصر جذب اعلاني لبعض الفضائيات العربية التي بدأت تقدم له العروض المغرية مقابل الاساءة الى العراق الجديد الذي اطلق سراحه بعد تسعة اشهر ..والتباكي على القديم الذي غيب صاحبي الطيب..الاب لثمانية اطفال..لتقوله على الصنم..والذي منعنا من بر اطفاله علنا خوفا من ان نلقى مصيره..
قد يكون للسيد منتظر شرف ترسيخ ثقافة الحذاء العربية واعطائها بعدا عولميا ..تلك الثقافة التي قديكون المثال الاول المعروف لها يعود للقرن 13 حين لقي السلطان المملوكي عزالدين أيبك مصرعه علي يد إحدى نسائه فما كان من نسائه الاخريات الا وأن اشبعنها ضربا بالقباقيب الخشبية حتي الموت. هذه الممارسة التي اكتسبت بعض الوهج الاعلامي حين تم انزال تمثال صدام حسين في بغداد في العام 2003 ، عندما انهال مئات العراقيين الحاضرين بأحذيتهم علي تمثال الزعيم المطروح علي الارض. كما تم تحولها الى مصدر اهتمام لبعض الفضائيات بفضل نعال ابو تحسين ..ولكن يبقى حذاء الزيدي صاحب الفضل الاول في جعل الغرب يتلمس ان رفع الاحذية أو الضرب بها يمثل أبلغ اهانة يمكن توجيهها لشخص في عالمنا العربي..
لا تنتظروا شيئا من منتظر.. فهذا الهوس لا يبدو انه سيكون قابلا للاستهلاك مع مغادرة الرئيس الامريكي المعني بالحالة لمكتبه بالبيت الابيض وتسليم مفاتيحه الى رئيس ظريف بدأ عهده بان اعطى اساطين الحكم العربي راية امنه وامانه تحت قاعدة انتم وشعوبكم الى الجحيم..
لن يكون امام منتظر غير شتم الحكومة العراقية التي اطلقت سراحه لحسن السلوك والحديث عن التعذيب والاساءة ..فهو المجال الوحيد الذي قد يؤخر اغلاق ابواب النسيان على فعلته..
ولن يفيد غيره من المهزومين ان يتكئوا على فعلته لاضفاء بعض الحياة على اجداثهم ..وتقمص بعض مظاهرالشعبوية والنضالية على انكساراتهم المخزية..كذلك لن يكن من المفيد لامير دولة عربية ذات دور متورم سياسيا واعلاميا ان يهدي الزيدي حصانا من الذهب الخالص..فلقد كان الاكثر رومانسية وتجسيدا لقيم الاجداد ان يرمي فردة واحدة من حذائه على سور احدى القواعد الامريكية المتمددة على ارض بلاده حتى ولو كانت في اقل المواضع حراسة..ولن يخدم القضية بشئ منحه وساما من قبل الشاهنشاه ..الرئيس الاممي المتفرد..ولن يخدمها ايضا ان لم يفعل..فليس لنا ان نواخذ الاخ ان نسي او اخطأ..فله ان يفعل ما يشاء ومتى ما شاء وليس عليه بهذا من حرج..
والاقل جدوى بالتاكيد سيكون ترديد اغنية المغني الاردني – المطمور – متعب السقار التي تقول "هاي كندرة الملايين اليسار واليمين... تسلم يدك يالزيدي حر وما ترضى الكيدي... تسلم يا ايدك يا الزيدي حر وما ترضى الكيدي... صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة... ولما الظالم رشقته فرحت العالم يا ويلي".
فعلا يا ويلي..
التعليقات (0)