(إن ما وراء الكلمة قد يكون واقعا نهرب منه أو ندلل عليه بالكلمات والتلميحات ولكن الواقع هو الذي يفرض نفسه علي مائدة البحث لتتكون رؤية واضحة ذات هدف محدد والسؤال الذي يتبادر إلي الذهن هو كيف نحقق الرؤية الواضحة والدليل عليها ليس محسوبا علي الحقيقة؟ إن البرهان علي حيود الواقع عن المثالية هو ما نشاهده في برامج الحواريات في مجال الفلسفة حيث تتردد الوقائع بين المحدد وغير المحدد في صورة قد تعيدنا إلي السؤال نفسه, فهل يتوحد الخيال مع الحقيقة ؟ وهل تكمن الحقيقة في وقائع الأحداث؟ أم يكون لها شكل يتناسب مع تكوين الحدث؟ بمعني أنها غير محددة؟ هذا هو السؤال الثالث... وبالتدرج في البحث نصل إلي الغاية من مناقشة موضوع ما, في مجاله وفضائه.... ولكي لا تضيع الحقيقة بين الصالح العام والهوي الشخصي للباحث أو اتجاهاته النقدية العامة يجب علي الباحث الإجابة علي السؤال: ما هو الهدف من البحث؟ ولقد بين لنا مونتسكيو في هذا المجال ثلاثة محاور: الأول هو تحقيق الحدث.. والثاني هو بحث مشتملاته والقرائن الدالة عليه... والثالث في فهم كل ما سبق....وأما رأي رامبرانت فكان متطابقا إلي حد بعيد مع رؤية الديكارتيين في قاعدتهم الشهيرة (أنا أشك فأنا موجود) حيث أن الشك عند ديكارت كان أساسا للوصول إلي الحقيقة.............
ما رأيك في المقال السابق؟
طبعا هو كلام فارغ كتبته لأحصن القارئ ضد مثل هذه الصياغات....وهو مقال لا يحمل أي معني ...هو صحيح كلام مرتب وشكله علمي وهو لا يعدو كونه تركيب كلمات وجمل ليس لها أي مدلول وقد قصدت بهذه المقالة أن يلتفت القارئ العزيز إلي أن معظم الكتابات في مثل هذا المجال تعتمد علي قدرة الكاتب أو (الفيلسوف) في (رص) الكلمات والجمل لتبدو ذات معني وهي فعلا غير ذلك ....ولذلك فأنا حريص علي توجيه الاهتمام إلي تحقيق النظر في كل ما يكتب في هذا المجال (الفلسفة) أو مجال الإعلام أوحتي الوعظ الديني أو ما يدعيه البعض من معرفة في العلوم التي تسمي (علوم إنسانية) لأن فيها الكثير والكثير جدا من مثل هذه النثريات الإنشائية التي تعتمد كما قلنا علي قدرة الكاتب اللغوية...وأيضا فإن استخدام الألفاظ والأسماء الغربية أصبحت ظاهرة عامة لا تدل إلا علي الخواء ويقصد بها إيهام القارئ أو السامع أن الكاتب أو المتكلم عالم أو أديب أو فقيه وما هو إلا مخادع وكذاب مثله كمثل الدجال أو الساحر الذي يريك شيئا غير الحقيقة وترى معه عيناك وهما لا أساس له....وهذه الطريقة (إلي جانب طرق أخرى سأتعرض لها قريبا إن شاء الله) تستخدم في المواعظ الدينية كثيرا حيث أن الخطيب يذهب إلي مثل هذه المقالات في شكلها الذي كتبت له مثالا ليتوهم السامع أن الواعظ أو الخطيب عالم فقيه....وأدعوكم أيها الأحباب ألا تصدقوا (المفكر) في كل ما يقول لأن وصفه لنفسه أو وصف غيره له بهذه الصفة هو استعلاء في جزء منه وتجارة في جزء آخر بمعني أنه يستخدم وسيلة الإعلام لنشر خليط من العلم الصادق المفيد وبجانبه أكاذيب وتلفيقات واستعراضات لغوية أيضا... وفي المقابل تستخدم وسائل الإعلام هؤلاء (المفكرين) في استقطاب الجمهور...لقد قصدت أيضا أن أكتب هذا التعقيب لأوضح زيف المقال السابق رغم صورته الجدية....ثم أقول لقارئي العزيز .....أخي الحبيب ...هذا التعقيب الذي تقرؤه الآن هو أيضا من هذا النوع من المقالات المزينة بالكلمة والجملة الفصيحة ولكنها في الواقع هذه المرة صادقة جدا ومفيدة جدا وهدفها لفت النظر إلي توخي الحذر فيما يقرأ أو يسمع لأن الدجالين المتفيقهين المتاجرين بالكلمة ملأوا الساحة الثقافية والإعلامية ومنابر الوعظ وللأسف يخدع الناس بهذه المعروضات من المكتوب والمسموع لما فيها من جمال الأسلوب والمظهر الخادع وهي في حقيقة الأمر كالمرأة قبيحة الخلق التي تختفي تحت جمال صارخ .. وأريد أن أضيف أن الرغبة في الكتابة إن سبقت الهدف منها فسوف تجد المقال خاويا لا لزوم له وإذا كان الهدف من الكتابة واضحا وله أهمية جاء المقال قويا واضح المعالم ولو كان الأسلوب فيه ليس علي المستوى العالي المفترض
التعليقات (0)