مواضيع اليوم

لا تقتلوا رفيق الحريري مرتين ..!

علي آل طالب

2010-10-28 09:12:36

0


في عالمه الآخر؛ ماذا لو أن الشهيد الحريري أُستنطق اليوم؛ لأجل أن يُعبر عن رأيه فيما يعصف باللبنانيين وبلبنان ومنذ لحظة اغتياله إلى هذه اللحظة، لما استنكف أو تردد من أن يُفصح بالقول: بأن استقرار لبنان يكون في وحدة اللبنانيين أنفسهم. وأن وحدتهم هي ذلك الحصن المنيع الذي يحول ما بينهم وبين أعداء لبنان؛ المتربصين به الدوائر في الداخل والخارج. هذا لسان حال كل لبناني؛ ألمت به غوائر الزمن الخؤون، شهدت الحروب والانقسامات والفتن، وما آلت إليه الأمور من قبل ومن بعد. بكل تفاؤل في الواقع الراهن لم يتغير حال لبنان كثيرا، وإن شهد خطابًا خافتا أو سلوكا مغايرا عن لغة البندقية، إلا أن طغيان لغة التهديد والوعيد ما تزال تأخذ مجالها الكبير والواسع وعلى أكثر من صعيد أيضا، كما يبدو بأن قدر هذه الأيقونة وهذا البلد أن يظل هكذا؛ مرتهنًا سواء لتاريخية التأدلج السياسي فيه، أو لجغرافيته الاستراتيجية باعتباره جزءًا لا يتجزأ من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وبين هذا وذلك أصواتًا تتسابق كتسابق الحيتان نحو الموت على الشاطىء!.

أزمات تلو الأخرى تعصف بهذا البلد الجميل، فكلما أتت مرحلة لا يتوان المراقبون من نعتها بالمرحلة الخطيرة، أو بالبالغة الخطورة، حروب وانقسامات، وتحالفات مشبوهة، وتآمر ومؤامرات، وتجسس وخيانات، وفساد مالي وإداري، وطبقية اجتماعية. إكراهات مكثفة وخطابات مدججة بالكراهية، ولا أبالغ إن قلت بأن الخبز لم يعد مستديرا كما رسم القمر، تجرع أهله طعم الوصف بالخطير الدائم رغم تشبثهم بالحياة وملاحقة الأمل من مرحلة إلى أخرى، ومن مشهد إلى آخر، إلا أن طغيان الوصف بالخطير هو ما يختصر المشهد اليوم بكل تفاصيله الدقيقة. ولا غرو إذا ما بلغ بالمواطن في لبنان إلى حد انعدام الثقة بالدولة والسياسيين، كيف لا يكون ذلك وهو اليوم لا يتمتع بأبسط الحقوق الطبيعية؛ الأمن والأمان، وكافة مقدرات الحياة، من ماء وكهرباء ومأكل ومشرب، وكل ما من شأنه أن يكفل له حالة الاستقرار والعيش الكريم. عجب من هذا البلد الأيقونة أن يسود فيه العتمة وهو يتنفس الجمال!.

ما يحدث في لبنان اليوم هو تكريس للتناقض السلبي، وتقويض للبنى الاجتماعية بصورة تدريجية وغير مباشرة، فالهدنة المعنوية التي يدركها أمراء الطوائف والأحزاب متأخرين دائما باتت كل حين مهددة بالانفراط، وحتى النظم الأخلاقية والادبية باعتبارها خبزا اجتماعيا يظل مرهون تغييرها وتبدلها بانعدام القانون وكل ما من شأنه أن يساهم في ضبط العلاقة مع الآخر، وليس ثمة شيء أصعب من إعادة انتاج السلوك الطائفي والمذهبي، فذلكم بمثابة البارود الذي ينذر بالانفجار ، واللبنانيون أنفسهم قد تجرعوا من نفس الكأس مرارا وتكرارا، مع ذلك كله ومن خلال العديد من المعطيات نستطيع القول بأن كافة القوى السياسية دخلت منذ ردح من الزمن في أشبه ما يكون بالهدنة المعنوية غير المشروطة، ولو أن بعض الرواسب ما تزال ظاهرة فهذا لا ينفي بأنهم قد تجاوزا خطاب الخطيئة والتأثيم، وربما السلوك الوعر والمتوتر، لكن أزمة التجاذب المستمر بين الأفرقاء تعكس حالة عدم الثقة فيما بينهم، مما يؤدي إلى حالة من التشتت والتشرذم في الواقع الاجتماعي، بل وتؤكد على الاصطفافات السياسية في ظل غياب القانون ودولة المؤسسات، وما يزيد الطين بلة الماكنيات الإعلامية التي يغيب عنها عناوين المواطنة والقانون ودولة المؤسسات. لا يكفي الساسة في لبنان توافقهم على سيادية الدولة واستقلالها، بل لا بد من ترجمة ذلك على الواقع، وإلا فالهوة ما بينهم وبين الناس تأخذ طريقها في الاتساع، خاصة عندما يستهدف المواطن في رزقه وقوت يومه!.

لا شك بأن الفسيفساء اللبناني ذا النكهة التعددية والجميلة والممزوجة بالدين والإنسان والأرض استطاع إلى حد ما من تحييد كل ما من شأنه أن يصب في قناة الأدلجة والتأويل اللاهوتي ومدعيات مطلق الحق؛ بعدما حصل ما بين اللبنانيين أنفسهم ما بالإمكان وصفه بالإجماع المعنوي والتوافق على إدارة الحياة والدولة، ارتكز ذلك على إبرام تعاقدات ومعاهدات واتفاقات ومواثيق؛ بدءًا بالطائف وانتهاءً بالدوحة، إلا أن الأزمة هي أكبر من ذلك كما يبدو من واقع الحال، فثمة تبادل أدوار ما بين خطاب الطائفية تارة والحزبية تارة أخرى ولو تدثر أصحابها بلباس الوطنية ولغة الدولة والقانون. لا سيما وأن معظم وسائل الحل والمعالجة هي أشبه ما تكون كالبندول الذي يخفف من الألم لكنه لا يعالج المشكلة من أساسها، لذا لا غرابة أن يظل هذا البلد مرتهنا بناسه للمصالح الضيقة من هنا وهناك!.

المشاريع الاستراتيجية الكبرى جنبا إلى جنب مع التأريخ والجغرافيا فضلا عن الانقسامات الحادة الداخلية كذلك الأطماع الصهيونية؛ كل أولئك ساهم بشكل أو بآخر في إضعاف مفهوم الدولة في لبنان، وإن العودة به إلى السيادة والحرية والاستقلال يتطلب الشيء الكثير من تقديم التنازلات البينية بين كافة القوى السياسية، وإبداء شيئا من المرونة؛ لأجل المصلحة العامة، كذلك تحديد الموقف من مجمل القضايا الاستراتيجية والإقليمية خاصة وملف الصراع مع إسرائيل، والتأكيد على مشروعية استعادة الأرض اللبنانية المحتلة، والأمر ينسحب أيضا على مجريات المحكمة الدولية والموقف من البحث عن حقيقة من اغتال الشهيد الحريري، الأمر الذي يستدعي ألا تُجيّر النجاحات لفريق على حساب الفريق الآخر، ويكون الضحية دائما وأبدا هذا الشعب التواق للأمن والاستقرار والعيش الكريم. بأت الجميع يدرك بأن الوحدة والتأكيد على مبدأ المواطنة وتفعيل العمل بالمؤسسات والديمقراطية هي بمثابة الحصانة والمنعة لهذا البلد من خطر الاختراق، لذا إن أي سعي لا يُعالج المشكلة من جذورها؛ سيدخل لبنان في دوائر أكثر تعقيدا ويجعله بلدا مستباحًا بصورة دائمة!.
المحكمة الدولية وبغض النظر عن تسيسها من عدمه، هي أيضا لا تخرج عن استراتيجية المشاريع الدولية الكبرى بل ولا تقل شأنا في جوهرها عن أي من مسلسل الضغوطات على لبنان، فقد كان الرهان الخارجي في حرب تموز 2006م على اضعاف وهزيمة محور الممانعة بعد القضاء على المقاومة، وبالتالي يكون إعلاء من شأن محور الموادعة، إلا أن مجريات الأحداث انقلبت رأسا على عقب، وانعكس ذلك في المحصلة على انقسام اللبنانيين أنفسهم انقساما حادًا ألقى بظلاله السلبية على بنية الأساس الاجتماعي في العامة من الناس، وعلى الطبقة المتوسطة على وجه الخصوص. أيضا المحكمة الدولية اليوم إذا ما استمر الانقسام عليها من قبل محوري؛ الممانعة والموادعة، سيتم إعادة سيناريو الانقسامات الحادة من جديد وسيتكرر المشهد كما كان بعد حرب تموز ، فريق رابح، وفريق خاسر!.

وحدها التسوية هي الحل بين الأفرقاء، وبها يتجنب لبنان كل لبنان خطر الفتنة والانقسام، ومن خلالها ينخفض حجم الخطر إلى مستوى الحد الادنى؛ ولو استدعى ذلك تقديم الكثير من التنازلات الخاصة منها أو العامة، هذا إذا ما كانت المصلحة هي المحافظة على لبنان؛ لا سيما وكافة القوى باتت تدرك وتعي بأن لبنان لا يمكن إدارته من فريق واحد، أو طيف واحد، كما أنه تراكمت القناعة أنه لم يعد بالاستطاعة المراهنة على المشاريع الخارجية والانتصار بها على حساب الفريق الآخر. المطلوب اليوم هو العودة والتذكير بطاولة الحوار والذهاب إلى تسوية حقيقية، يتصدرها مصلحة لبنان على كافة المصالح الأخرى، تسوية تساهم بالحد الأقصى من القبول والتراضي بحيث تتكفل بحماية المقاومة والدولة في آنٍ معًا، والعزم على مكافحة كل مظاهر الفساد، والبدء في بناء دولة المؤسسات، مما يتطلب العمل بمبدأ الشفافية والوضوح وفق مشروع المواطنة القائم على الحرية والعدالة والمساواة.

البحث عن الحقيقة في اغتيال الشهيد الحريري هو مطلب كل اللبنانيين، والتوافق حول اللجوء للمحكمة الدولية هو أيضا جاء عن قبول ورضا من كافة القوى السياسية، بيد أن تصريح الرئيس الحريري بأن هناك شهودا للزور قل ضللوا التحقيق طوال الأربع سنوات الماضية قد أثار حالة من الارتياب والشك إزاء مسار التحقيق وما يتضمنه القرار الظني والذي من المزمع أن يصدر في اتهام بعض عناصر من حزب الله، ليضع حكومة الوحدة الوطنية على المحك، وبالتالي إدخال اللبنانيين في مماحكات طائفية ومذهبية والعودة بهذا البلد إلى مربع التفتت والانقسام، مما يستصحب اجترار البؤس والفقر وانعدام الأمن والأمان الذي بات يفت عظم اللبنانيين ولا يستثني منهم أحدا.

لقد أثبت اللبنانيون وفي أحلك الظروف وأشدها مقدرتهم على تخطي الأزمات، وهم قادرون اليوم أيضا على تجاوز هذا الاختبار الحقيقي والوقوف صفًا واحدًا لدرء الفتنة والانقسام، وقطع الطريق أمام العدو في عدم منحه فرصة بالمجان. بإمكان اللبنانيين أنفسهم بعد أن يعوا ويدركوا حجم الخطر الذي يواجههم داخليا وخارجيا من أن يتقدموا خطوة نوعية باتجاه مثال الدولة المستقلة والقوية والقادرة عبر الاحتكام لكل ما من شأنه أن يقارب ما بين وجهات النظر ، ولا يتم ذلك إلا بالاتفاق على أولويات الحل والمعالجة، وتحديد المواقف في أهم القضايا الخاصة؛ سواء المتعلقة بقانون الدولة والعمل بنظام المؤسسات وبالتالي تلمس حال اللبنانيين فيما يؤمن لهم حياة مستقرة وكريمة، أو بتلك القضايا الخاصة بملف الصراع العربي الإسرائيلي وما تفرضه من أجندة إقليمية كانت أو دولية.

قد يكون فات الأوان لتصويب مسار المحكمة الدولية في تحقيقها في قضية الشهيد الحريري، غير أن ذلك لا يعني أن يقف اللبنانيون مكتوفي الأيدي أمام ما سيصدر من قرار ظني في حق المقاومة بذريعة البحث عن الحقيقة، وصحيح أيضا بأن هناك فريقا كبيرا لا يتوافق مع سياسة "حزب الله" تحديًا وعقيدته في إدارته للصراع مع العدو الإسرائيلي، غير أن ذلك لا يبرر الموقف الضد بشكل دائم، فحزب الله هو جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني ولا يمكن تجاوز ذلك بصورة فجة وساذجة. كذلك الأمر بالنسبة لحزب الله والمقاومة وموقفه من الفريق الآخر الذي لا يمكن بأي شكل من الأشكال عدم الاكتراث به. المشهد اليوم يحمل بين طياته احتمالات مفتوحة مع ذلك يبقى الرهان على التسوية الفورية وهذا أقل ما يمكن أن يُكافىء به كافة اللبنانين وذلك أضعف الإيمان!.

 

28 أكتوبر 2010م




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات