كان يوم خميس اتذكره كأنه الأمس في شهر اغسطس 1992 , آخر يوم لي في البعثة الدراسية , الكل في المدينة الجامعية يستعد للسفر يجمع في حاجياته الملابس والأغراض المختلفة , والكتب , واللعب التي كنت قد اشتريتها لأبنائي طيلة فترة الدراسة , اتذكر يوما كنت ذاهب للتنزه وإذا بي أجد سوقا في أحد الاحياء يضم اللعب والكتب والملابس , وغيرها ومافهمته انه سوق للعائلات بمعني أن كل منزل يفرش أمامه ويعرض ما لا يحتاجة للبيع وأكاد أقول أن هذا السوق يستفيد به أفراد الأسرة ماديا بالاضافة للتخلص ممن هو قديم كذلك تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الآخرين , فبينما انا اسير وجدت فرشة بها كتب ولعب واشرطة كاسيت وواقف عليها طفل لم يتعدى السادسة من عمرة ونظرت هناك فإذا بأبواه يراقبانه من بعيد وكأنهم جعلوه في موقف تعليمي للبيع والتعامل مع الآخرين ,,, سألته بكم مجموعة اشرطة الكاسيت هذه ؟؟ قال 10 فرنك قلت هذا ثمن غالي كنت اريد ان اتحدث معه اكثر وانا ارى والداه يضحكان من بعيد وهو في منتهى السعادة لأنه يتحدث مع الناس ويبيع قال لي لا قلت نزل السعر قال ممكن ان ابيعك الأشرطة بدلا من عشرة فرنك بخمسة عشر فضحكت من قوله فبدلا من تخفيض المبلغ رفعه واشتريت منه لعبه واشرطة وانصرفت.
ولاحظت ايضا ان الشوارع هناك تمر بها سيارات لحمل الأمتعة الفائضة عن البيوت ومحددة أيام لكل نوع مثال يضع الأهالي الأجهزة الكهربائية التي لا يريدونها يوم الأثنين والملابس الثلاثاء والأثاث الفائض يوم الأربعاء وهكذا وفي نهاية اليوم لا تستطيع ان تحدد اين كان السوق مقام من فرط النظافة التي تعم المكان بعد انتهاء السوق فلقد مررت على سوق للخضار وقلت لنفسي سوف اشتري اثناء عودتي ما احتاج إليه ولكني عدت متأخرا ولفرط دهشتي مما رأيت لم استطع ان احدد الشارع الذي كان مكتظ بالخضار والباعة ورأيت سيارة النظافة في مقدمتها مكانس لشفط المخلفات وفي الوسط ماكينات غسيل بالصابون وفي الآخر تنشيف وتلميع إيه دا !!!!
المهم جمعت حجياتي وكتبي وقلت ياليتني اشتريت شنط اكثر لم اكن لا أحسب ان حجياتي وكتبي أكبر بكثير من الشنط التي معي فأخذت اضع ما تبقي لي في أكياس بلاستيك وجاء الفرج رن جرس الباب فإذا بي اجد أمامي الأستاذ محمد الوسلاتي صديقي الذي دلني على مكان المسجد وهو من اعز أصدقائي ولم تنقطع صلتي به طوال فترة اقامتي في فرنسا وكأنه حاسس وشاعر بما انا فيه أخذ سيارته وقال لي خمس دقائق لا غير وذهب واحضر معه شنطة سمسونيت معي للآن لا افرط فيها ومحافظ عليها منذ عام 1992 , اتذكرة واقول ياليتني اعثر على الأجندة التي كان مكتوب عليها عنوانه ورقم تليفونه فلقد فقدتها وانقطعت بعدها علاقتي بكثير من احبابي.
ركبت معه السيارة متوجها للقطار السريع والمسمى TVG وفي محطة السكة الحديد وجدت التكنولوجيا على اصولها شاشة كبيرة باللمس تستطيع ان تحدد موعد القطار ورقم القطار وكذلك تظهر الأماكن الشاغرة وتضغط على المكان.
وضعت المبلغ في الماكينه واخذت التذكرة وركبت القطار ولمروري للرصيف كان من الضروري أن اضع التذكرة في ماكينة لقطعها تعليمها ولكني لما وجدت القطار واقف وامامة خمس دقائق فقط ركبت مسرعا ومعي الشنط وضعها فوق عربة صغيرة يجرها عامل !!! المفروض ان امر إلى القطار وأضع الشنط في فترة زمنية لا تزيد عن خمس دقائق ,,, دون قطع التذكرة في الماكينة ركبت القطار ,, ونظر إلي العامل مبتسما ولوح لي وعرف أني في مأزق حرج ,,, دخلت القطار ,, فانغلق الباب خلفي مباشرة فحمدت الله وبحثت على مقعدي فوجدته مريحا وكان بجوار النافذة ,فجلست أتطلع على مناظر غاية في الجمال مزارع وجبال وحيوانات أبقار وتشجعت عندما وجدت البعض يغادر للعربة التالية البوفية لتناول الغذاء أو الشرب , ذهبت وطلبت ساندوتش جبنة وشاي , القطار لم يهتز والكوب الذي اضعة امامي نسيت انني في قطار من السكون , لا اسمع ضوضاء ولا باعة جائلين !! ببسي كاكولا يالاه حاجة ساقعة يا استاذ …..
وصل القطار إلى باريس في زمن قياسي كان يسير بسرعة حوالي 350 كيلومتر في الساعة ( على ما اعتقد وصلت السرعة في هذه الأيام إلى 450 كيلو متر في الساعة ( فعندما وصلت إلى المطار ووزنت حددت لي الموظفة المبلغ ولقد أشرف على تسعمائة فرنك وبالطبع انا كنت مستعد وذهبت للخزينة بعد محاولات لتخفيض المبلغ مع الموظفة ولكنها اصرت فاخذت الورقة وذهبت للخزينة للدفع وعندما وضعت يدي داخل جيبي لم اجد المبلغ وكان ورقتان فئة 500 فرنك يعني الف فرنك فتشت في كل مكان فلم اجد النقود فرجعت للموظفة اشرح لها الموقف , وكاني لم اقل شيئا قالت ضروري من الدفع واستنبط انها تشك في كلامي , طيب احجزوا جواز السفر وسلموا لي في مصر بعد دفع المبلغ قالت مستحيل , وضعت شنطى الزيادة عن الوزن في الأمانات … ماذا افعل ؟؟؟ لا يوجد احد اعرفه ؟؟ ومن ذا الذي يعطيني وهو لا يعرفني ؟؟؟ مشكلة يا ابو حميد !!!!
جاءت فكرة في رأسي لماذا لا استعين بالسفارة ؟؟؟ لا بلاش !! الكل بيقول ان السفارات ما ما بتعملش حاجة !! جرب ياراجل !!! ووصلت لأقرب تليفون لأتصل بالسفير في السفارة المصرية وكان معي الرقم منذ ان حضرت وسجلت اسمي قبل مضي ستة اشهر كما هو القانون .
ألو معالي السفير لا يا أستاذ انا موظف حضرتك مين وعايز ايه ,,,أنا أحمد الزاغ وحاضر في بعثة دراسية لدراسة الكمبيوتر , اهلا وطلباتك اية يا استاذ , أكلم معالي السفير .بخصوص اية ؟؟ موضوع خاص ؟؟ ضروري اعرفة ؟؟ ضاعت نقودي !! اتصل بعد عشر دقائق ,,, ماشي … ومرت عشر دقائق ….
الو ممكن اكلم معالي السفير ,, الأستاذ أحمد خليك معايا ,,, معالك معالي السفير الدكتور علي ,, الو ازيك سعادتك انا احمد اهلا يا استاذ احمد خير انشاء الله ,, انا ضاعت مني الفلوس وانا مسافر دلوقتي !!! الطيارة بعد كام ساعة ؟ بعد حوالي ثلاث ساعات ,, طيب انت تركب تاكسي وتحضر للسفارة واحنا حنقوم باللازم حاضر وشكرا.
ركبت التاكسي ووصلت السفارة ,, واول ما تحدثت في جهاز الباب قالوا لي ادخل ,, اهلا يا استاذ احمد قال لي موظف الأمن ,, تفضل للطابق الثاني , دخلت للصالة ومنها لغرفة معالي السفير ,, وجدت وجها مبتسما ومصطحبا بالترحيب خير يا استاذ أحمد انت قلت لي ان الفلوس اتسرقت !! قلت لا الفلوس ضاعت ,, قال اكتب لي اسمك بالكامل على الورقة دي وانتظر خمس دقائق ,, وصل سعادة السفير ومعه شيك قرأته مكتوب لحاملة 2000 فرنك قلت له يا افندم دا كتير الف شكر ,,, ممكن ورقة اكتب ايصال امانة ,, رد باأبتسامة عريضة دا هدية لك !! قلت له الف شكر سعادتك قال لي لا تشكرني المبلغ دا من مصر انت راجل حضرت تتعلم وانهيت الدراسة بنجاح ودي هدية مصر لك ,, نزلت الدموع من عيني ولم استطع ان اخفيها وقلت عمار يامصر .
على فكرة يا استاذ احمد التاكسي منتظرك حتروح بنك مصر القريب تصرف الشيك ثم هو عنده علم بأنه يفسحك شوية ثم يذهب بك للمطار ويعود ليأخذ الحساب ,,, مع السلامة يا أستاذ أحمد ,, الله يسلمك ,,
أحمد الزاغ
التعليقات (0)