يشهد تاريخ الشعب الليبي أنه من أكثر الشعوب العربية طيبة ونزوعا للسلم والتقوى...لكنّ أقداره كانت غير منصفة لطبائع الخير المتأصّل فيه،إذ ابتُليَ في عهود الاستعمار بذلك النوع من الاستعمار الأشدّ قذارة ووحشية ونهبا وفاشية،إنه الاستعمار الإيطالي السيّئ الصيت الذي لم يترك ليبيا إلا بعد أن دمّرها...تركها مذعنا،قهرا، لإرادة شعبها الصلبة في ملحمة نضال مرير وطويل وأسطوري استوجبت تضحيات جسام يندر أن تقوى على تحمّلها الشعوب مهما كانت مسكونة بالتحرر والانعتاق .
عوّض الله للشعب الليبي حرمانه وصبره ثروة نفطية هائلة أهّلته ليكون من أرقى شعوب العالم تقدما وأوفرها رغد عيش.لكن...ما إن امتدت يده لخيراته يجني ثمارها بركة ونماء حتى استفاق على ذات فاتح من سبتمبر مكفهرّ يُبشّره بثورة الانقلاب العسكري...بارك ذات الانقلاب تيمّنا بالزمن العربي المحكوم وقتها بتداول على السلطة تسنها شريعة الانقلابات العسكرية...استفاق على شاب يافع يحكمه اسمه كان مغمورا(معمر القذافي)...سرعان ما ادّعى هذا الأخير النبوّة بدليل كتابه "المقدّس" الأخضر ونظريته العالمية الثالثة...ثم يمرّ الزمن متثائبا ثقيلا ليبلغ حكم ذات القائد سنّ النبوة أربعين وزيادة...الأخ العقيد المعمّر تحوّل إلى استعمار...يقول العارفون أنّ "الطليان" زمن الجاهلية الفاشية أهون وألطف...
ذات شتاء دونته سنة 2011 ثار الشعب الليبي على الثورة...يا لجرم لا يُغتفر...لقد تعاطى الشعب حبوب الهلوسة فتحوّل إلى جرذان وقطط وفئران وقُمَّل...لذلك-باسم الزحف الثوري-وجبت لعنته ومطاردته وإبادته وتهجير من بقي منه على قيد الحياة من أجل أن تبقى ليبيا قائدا بلا شعب .ا.. ما الغرابة في الأمر؟ أليست التجربة مشوّقة.ا..من أجل وطن القائد بلا شعب...
أشهد أنّي مقصّر بحقّك يا شعب ليبيا العظيم،فعْلي لا يرقى إلى الثأر لدمك المسفوك قربانا لحريتك...أعيش ملحمة بطولتك تأنيبَ ضمير لشخصي..المستعبد ببقايا ميراث خذلان عربي...أيْ نعم،فقد ارتضيتُ حضور عرسك شاهدا وأنت تدفع مهره هولا ودمارا ودماء من قلبك الطاهر النقيّ...لا أملك إلا أن أبارك زيجتك المُكْلفة وأنت تدفع ثمنها بسخاء وإباء وكبرياء في ذات اللحظة التي أتجرّع عذابي عارا وخزيا وهوانا يسكنني كما يسكنك صبرك وجَلَدك وصمودك إصرارا وشموخا...
ما كنتُ أحسب أنّ الحرية التي تنشد يقف على بابها وحش آدميّ يستميت دونها ومعانقتك:لا معنى لحرية لا تقع في عشقك...في عشق أحفاد عمر المختار...
ليس من حقّ أيّ كان أن يقول:ما أشبه الليلة بالبارحة...بلى ليست الليلة كالبارحة...ولا اليوم كالأمس...اليوم للانتصار لا للانكسار حيث إرادة شعب أحفاد عمر المختار.
التعليقات (0)