لا بدّ
للعرب من صحوة !
بقلم
د.مصطفى بن جعفر
مرّة
أخرى تضرب إسرائيل عرض الحائط بقرارات المنتظم الدولي الداعية إلى الكفّ
الفوري عن إطلاق النار و تواصل عدوانها البربري ضد أهالي غزة العزّل ببشاعة شهّرت
بها و شجبتها مؤسسات أممية محايدة و متواجدة على عين المكان. لم تميز
القنابل الإسرائيلية بين المقاتلين و المدنيين و لا بين الكهول و الأطفال و لا بين
المعسكرات و الجامعات و لا بين العمارات و الجوامع و لا بين المدرّعات و
سيارات الإسعاف. يتواصل القصف منذ قرابة ثلاثة أسابيع بشكل عشوائي حصد أكثر من
تسعمائة شهيد وآلاف الجرحى نصفهم من النساء و الأطفال و جعل العديد من أحياء غزة
ركاما و أنقاضا لم تبح إلى الآن بكل من قبروا تحتها من ضحايا. و أمام هذه العنجهية
الظالمة و أمام هذا الدّمار المهول هبّت جماهير الأحرار في كل أنحاء العالم شرقا و
غربا – و حتى في تل أبيب- لتصرخ مندّدة بالعدوان الغاشم و متضامنة مع صمود
الشعب الفلسطيني الباسل.
الأمر
المذهل في هذه الفاجعة التي أصابت أهلنا في غزة هو الغيبوبة التي غمرت جلّ
الحكومات العربية فكأنها في كوكب و شعوبها المتّقدة غضبا في كوكب آخر. و هكذا غاب
الموقف العربي، بل غابت حتى الإرادة البسيطة في اتخاذ موقف، و هو ما يفسّر تلكّؤ
البعض في الاستجابة إلى عقد قمة رغم أن تدهور الوضع و صوت الواجب يفرضانها،
واختصرت ردود الفعل في السعي إلى مدّ المعونة و الأدوية و الأغذية إلى أهالي غزة
في الوقت الذي هم في أمسّ الحاجة إلى ردع المعتدي أو –على الأقل- إلى وقف العدوان.
و
في الوقت الذي يدخل فيه العدوان في ما سمّي مرحلته الثالثة التي تميزت بتشريك
الاحتياطيين الإسرائيليين في عملية الاجتياح البرّي، و في الوقت الذي يتواصل فيه
سقوط الضحايا الفلسطينيين ، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات:
أولها
أن إسرائيل – وهي التي تتشدق بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة -
خسرت المعركة أخلاقيا من خلال ما أثارته من سخط لدى الرأي العام
العالمي ضد بشاعة العدوان و من سعي بعض المنظمات الإنسانية إلى اللجوء إلى
القضاء لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة مجرمي حرب. لقد تأكد
أنّ إسرائيل تتعامل مع غيرها و كأنها دولة فوق القانون، كما اتضح أن توظيف
صفتها كضحية تاريخية وصل حدّا لم يعد مقبولا و لا ينبغي أن يحميها مطلقا عندما
تنتهك حقوق الإنسان بهذا الشكل السافر.
ثانيها
أن إسرائيل خسرت الحرب سياسيا نتيجة ما أثار عدوانها من تململ لدي عدد من أصدقائها
التقليديين و من ضمنهم الاشتراكيون الأوروبيون الذين تحول موقفهم من التحفظ إلى
التنديد، و هنا تجدر الإشادة بموقف الحزب الاشتراكي الإسباني باعتبار أنه
الحزب الحاكم في إسبانيا حيث تعالت الأصوات المطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع
إسرائيل.
ثالثها
أن إسرائيل فشلت في تحقيق الهدف الرئيسي المعلن لحربها وهو الإطاحة بتنظيم
"حماس" حيث أصبح هذا التنظيم واجهة المقاومة و الطرف الكفء الذي لا مجال
لإقصائه من مائدة المفاوضات .
لقد
ألحقت إسرائيل الدّمار و جعلت من قطاع غزة ركاما و زرعت في الشعوب العربية و
الإسلامية - في منطقة العمليات و خارجها- مزيدا من اللوعة و الحقد و الكراهية و
الشعور بالظلم أي ما يعمّق الهوة بين الإسرائيليين و الفلسطينيين و يدفع أفق
السلام بعيدا... بعيدا..
إنها
بكل المقاييس لحظة تاريخية لأنها أعادت للقضية الفلسطينية العادلة مركزيتها بفضل
زخم التضامن الشعبي الذي اخترق القارات، و لأنها و على الرغم من جسامة التضحيات،
بل و نتيجة لحجم العدوان و بشاعته، خلقت موازين قوى جديدة بالمنطقة ليست لصالح
المستعمر الذي لم يتوقف منذ ستين سنة عن التوسع على حساب الفلسطينيين. فهل يغتنمها
القادة العرب للخروج من هذه الأزمة أكثر قوة و انسجاما بما يمكنهم من الضغط الفعلي
على أمريكا – صاحبة القرار أولا و آخرا- و اغتنام اعتلاء رئيس ديمقراطي أكثر
انفتاحا و أقل انحيازا من أجل تحقيق السلام العادل و العيش الكريم الذي تنشده شعوب
المنطقة.
إن
إسرائيل بحربها على غزة ألغت كل المسارات " السلمية" السابقة، من أسلو
إلى أنابولس، كما وضعت في التسلل المبادرة العربية للسلام. المطلوب اليوم هو
التعجيل بعقد قمة – سبق أن دعت إليها بعض الأطراف على غرار قطر و سوريا..- تخرج
منها مبادرة جديدة تحدّ من أزمة ثقة الشعوب في قيادات دولها.
التعليقات (0)