حينما كنتُ صغيراً بين الرابعة عشر والتاسعة عشر لم يكن يدور في خلدي إنني سأنتقل لمرحلة تتجاوز المذياع وتبادل الكتب الممنوعة خلسة وإنتظار أن يجلس الكبار في يوم من الأسبوع كي أستمع إليهم . تعلّقت بالثورة الفلسطينية كثيراً ، وكنت أستمع لإذاعة فلسطين ، وكنت أنتشي مما أسمعه من أغاني ثورية ، وكنت أقول في نفسي : متى يأتي اليوم الذي التحق بالمقاومين . كان شكل المقاوم في مخيّلتي فارساً فاتكاً في نضاله ، غارقاً في الرومانسية ، حالماً بالتغيير ، يملك قدرة تحريك دول كبرى ، وكانت ليلى خالد تحضر كثيراً في هذا المشهد ، ليلى التي حكوا عنها كثيراً لتحضر أمامي وهي تقوم بخطف طائرة شركة العال الإسرائيلية وتحول وجهتها إلى سوريا من أجل إطلاق المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائلية . هذا المشهد النضالي الذي قامت به إمرأة كان مشهداً لا يزال يسكن وعيي وذاكرتي . أحببت القضية الفلسطينية ، وإنتميتُ إليها ، وأذكر في المدرسة إنهم يأتوننا لجمع التبرعات ، وكنت أسهم بكل مصروفي وأجلس طوال اليوم في المدرسة دون أكل أو شرب ، وكنت أشعر بالإنتشاء لهذا الفعل .
تقاتلت القضية مع نفسها وأصبت بالنكسة ، نكسة تتشابه من ناحية الإحساس بنكسة عام 67 م .. رغم كل هذا فلا أعرف لمَ ما زال فيّ بقية من ثورة ؟!
لا أدري ما هو مفهوم أن يكون المرء ثائراً ، ويتراكم الوعي الثوري لديه .. ليتحول إلى النهم المعرفي باحثاً فيه عن تفسير عن كنه أن يكون المرء ثائراً .. ! وثائر ممن ومما وعلى من ؟
من الوعي الثوري إلى الوعي المعرفي مروراً بالوعي النقدي .. اتوقف أمام سؤال : لمَ بيعت القضية من أصحابها لاحقاً قبل من ضيعوها بمؤتمراتهم وأجنداتهم وبمصالحهم ؟ .. ليحضر أمامي المشهد الإسلامي - الإسلامي .. وقتل الحلم ببناء أمة المستقبل لا أمة الماضي ..!
حكايا كثيرة شهدتها وعياً ، وتحضرني تاريخاً قتلت فيّ الغد ومضت تلوّح لي بخيباتها وبإبتساماتها الصفراء .. حتى إنتهى بي المطاف أن أثور لأجل وطن ، وإذا بالوطن يتقاتل قبلياً ومناطقياً ومذهبياً ، تاركاً الفساد والفاسدين يقهقهون نشوةً على خيباتنا .. حينئذ أدركت أن المشوار طويل يحتاج لحناً سنباطياً كي يترجم وخز الألم الذي تحدثه الخيبات .
التعليقات (0)