من وجهة نظر شخصية ، قد يتفق معها البعض ويختلف معها البعض الاخر، لا أتفق مع قيام مواطن بإحراق صورة الملك . الأسباب التي تدفعني الى تبني وجهة النظر السابقة هي بالأساس عدم تعرض من يقدم على ذلك الفعل الى العقاب المبالغ به ضمن قوانين جائرة تبالغ في تجريم ومعاقبة أفعال من هذا القبيل ،وتعتبرها تشكل إساءة للذات الملكية المقدسة التي تجرمها تلك القوانين وتفرض عليها عقوبات أكبر من العقوبات التي تفرضها على الاساءة الى المقدسات والذات الالهية كما يعلم كل من إمتلك فرصة الاطلاع على قانون العقوبات الأردني. والسبب الثاني هو وجود أفكار خاطئة لدى بعض المواطنين ، تدفعهم الى الإعتقاد بأن ذلك الفعل يشكل إعتداءا على هيبة الدولة ، مع ضرورة عدم إستفزاز هؤلاء رغم المغالطة التي يتضمنها تفسير ذلك الفعل كإعتداء على هيبة الدولة .واخر تلك الأسباب رفض القيام بأي أفعال قد تشكل إساءة شخصية وتعكس ردات فعل إنفعالية من قبل ناشطي الحراك الشبابي والشعبي .
أما فيما يتعلق بتصريحات النائب الدكتور مبارك الطوال حول الحادثة الذي اتفق معه على رفضها ،والتي أشار فيها الى أن الفعل الذي أقدم عليه الناشط عدي أبو عيسى ، والمتمثل بإحراق صورة الملك المعلقة فوق مبنى بلدية مادبا ، يشكل إعتداءا على هيبة الدولة ، فإن هذا الرأي قد يكون مقبولا لو صدر من قبل مواطن بسيط ، لا يمتلك وعي سياسي ناضج ، بينما ليس من المقبول أن يصدر عن نائب في البرلمان . فالوطن أكبر من أي شخص ولا ترتبط هيبة الدولة والوطن بشخص ، أيا كان ذلك الشخص .ونعجب هنا لصمت ذلك النائب وزملائه وامتناعهم عن التعليق على قيام أحد زملائهم بشتم الذات الإلهية والاعتداء على الموظفين في مستشفى الملك عبدالله الاول ، وهو الفعل الذي يشكل إعتداء على المعتقدات والمقدسات الدينية لدى الشعب الأردني ، ويشكل إعتداءا على هيبة الشعب الأردني التي ترتبط بها هيبة الدولة.
لو كان الملك يملك ولا يحكم ، لكان رمزا من رموز الوطن المرتبطة بهيبة الدولة، ولكان الفعل الذي أقدم عليه عدي أبو عيسى يشكل إعتداءا على هيبة الدولة .أما كون الملك يمتلك سلطات سياسية ، فإن ذلك قد يدفع البعض الى تحميله المسؤولية عن الأزمات التي تعاني منها البلاد ، وذلك موقف منطقي طبعا ، بحيث يمكن تفسير فعل كالذي أقدم عليه الاخ عدي على أنه موقف من الأداء السياسي والإقتصادي للنظام السياسي ، وهو الأداء الذي يمكن وصفه بالكارثي ، رغم أنني لا أتفق مع ذلك الفعل كما أشرت في الفقرة الأولى .
ولكي نقوم بالاستفادة من الجدل الذي أثارته تلك الحادثة ، قد يتوجب أن ندرك أننا في مرحلة تاريخية جديدة من أبرز خصائصها مطالبة الشعوب بإستعادة أوطانها. وقد يكون من المقبول في الأعراف السياسية التي كانت شائعة في الماضي تعليق صور رأس النظام في جميع المؤسسات العامة ، من الخارج والداخل ، بما يعكس النظر الى الوطن كملكية خاصة ، قابلة للتوريث ، ولوارثها حقوق التصرف المطلقة ، بما يتضمن بيعها ونقل ملكيتها وتعليق صور ذلك المالك والوارث على جدران مؤسسات الوطن و بما يتفق مع العرف الاجتماعي الذي يتقبل تعليق صور الشخص في مسكنه الخاص وأملاكه الخاصة.وقد يتوجب أن يتجسد ذلك الإدراك والوعي الجديد عبر إطلاق مبادرة وطنية عقلانية تتمثل بإزالة صور الملوك (إذ غالبا ما توجد صورة الملك بين صورة الملك الراحل وصورة ولي عهده الجديد الذي تمت إضافة صورته منذ التعميم الذي أصدرته حكومة سمير الثاني الرفاعي مطلع العام 2010) من المؤسسات العامة ، بما يعكس دخول الاردن الى العصر الحديث ، وبما يوفر بعض المال العام الذي هناك الكثير من وجوه الانفاق الاكثر منطقية له ، علما بأن هناك عشرات الاف الصور التي يتم إستبدالها وتجديدها بين فترة وأخرى.
التعليقات (0)