لا شيء جديد نخبركم أيها الشهداء
عبد الوهاب الملوح
والآن؛ ليس ثمّـت فعلا ما يدلُّ على إن هناك شيئا حقيقيا قد حدث أو إن تغييرا قد أصاب الجوهر ؛ لن يستدعي الأمر عمليات تشريح أو تقييم أو قراءة منظارية أغلب الظن إن ما حدث هو تبادل للأدوار وتغيير بعض قطع الديكور؛ فعلا لا يبدو المشهد مختلفا تماما عما كان ولئن بدأ إن هناك بعض التغييرات فإنما هي رياح هبت عدّلت من مواقع بعض الأشياء وبدا الأمر كما لو إن هناك انقلابا حقيقيا في الوضع وكأن ثورة ما قد حدثت وهزت أركان النظام السابق اقتلعته من جذوره ومن الطبيعي ان يستثمر الكثيرون هذا التصور ويوهمون الآخرين إن ما حدث فعلا هو ثورة مما سيفسح المجال لهم للاستثمار والازدهار والإثراء السريع مستغلين في ذلك عدة أوضاع طارئة كالانفلات الأمني والأخلاقي والاقتصادي وما إلى ذلك ..لم يحدث تغيير على مستوى الجوهر فالعقلية هي نفسها ؛ عقلية الانتهازية واللاستغفال والجري وراء المصالح الذاتية والانتصاب في المرحلة الانتقالية للحساب الخاص دونما اهتمام بالمصلحة العليا والهم الجمعي ولعل من مظاهر تحجر هذه العقلية؛ وعدم تغيرها ما يحدث الآن في الوسط الثقافي الذي يؤكد فعلا انه لاشيء حدث على الإطلاق وانه لا تغيير في أي شيء فالمؤسسة الثقافية هي نفسها وسياستها لم تتغير ولا شيء يدل على انها ستتغير سواء على مستوى التصورات العامة للفعل الثقافي او على مستوى الأنشطة والكوادر والأجهزة المعنية بالشأن الثقافي الذي بقي الاهتمام به كمسألة تنشيطية ترفيهية وليس كمهمة إبداعية تعتني بكل ما خلق وابتكار ودعم للمبادرات الخلاقة هذا هو التصور القديم والفاسد لفعل الثقافي وهذا ما يحدث الآن وليس ثمت أي نية للتفكير في تغييره أو معالجته وهو ما نتج عنه أيضا أن هذه المؤسسة الثقافية لا تصنع الحدث بل هي تساير النشاط الثقافي مهما كان وكأنها سمسار حفلات ومهرجانات ثقافية وطبعا لا يخفى على احد مخاطر هذا التصور الذي سيفتح الباب أمام مقاولين الشأن ن الثقافي هذا إذا اعتبرنا إن ما يقومون به يدخل ضمن الثقافة يؤكد هذا ما يحدث الآن بالساحة الثقافية من تكرار لبعض التصرفات القديمة على مستوى الملتقيات والاحتفالات الثقافية وهي فعلا احتفالات خالية من أي عمق فكري أو ثقافي إبداعي ويؤكد هذا أيضا بروز سلطويات ثقافية جديدة تنتهز ما يحدث بالبلاد وتوهم بالثورية وتصول وتجول باسم الحرية والنضال والديمقراطية كل هذا يحدث بمباركة سامية من وزارة الثقافة التي لم تغير شيئا في هيكليتها وبنيتها الإدارية ولم تفعل شيئا أيضا لمعالجة ماتراكم من فساد استشرى منذ أكثر من 30سنة فبقية المؤسسات الثقافية الموازية او الشبه حكومية هي نفسها لم يتغير فيها شيء:
- فالمندوبيات الثقافية تقوم الآن بنفس الدور السابق وهو أمر غير مستغرب طالما ان على رأسها نفس الإداريين السابقين من رؤساء مصالح ومندوبين تم تنصيبهم في العهد السابق وطبعا لا يُنتظر منهم ان يصبحوا ثوريين في ليلة وضحاها حتى وان أقاموا حفلات الموسيقى الملتزمة وأمسيات الشعر الملتزم هذه الفعاليات التي تنبه إليها الجمهور العريض واكتشف أن الكثير منها ابعد ما يكون عن الفن والإبداع أما اللجان الثقافية الجهوية والمحلية لم يقع حلها في أغلب الجهات هذه اللجان التي كانت في الحقيقة خلايا للشعب الدستورية وأعضاؤها يتم تنصيبهم من قبل السلطات المحلية ودورها كان انجاز احتفالات في المناسبات السياسية أو لتزوير الانتخابات هذه اللجان إلى حد ان تعمل ومازال أعضاؤها فاعلين فيها
- بيت الشعر بقي على حاله لم يتغير فيه شيء أيضا رئيسه هو نفسه الشخص المسلط على رقاب الشعر التونسي الذي تمت تسميته من قبل النظام السابق لإغلاق فم الشعراء ولجعل بيت الشعر ملكية خاصة لا يقترب منها احد إلا المرضي عنه من أشباه الشعراء ..
-اتحاد الكتاب التونسين هو نفسه بل ربما صار وضعه أشد فظاعة عما قبل طالما ان لا احد يعرف شيئا عما يحدث فيه أو يحدث له ..
- الكثير من الجمعيات الثقافية الأخرى من نوعية أحباء المكتبة والكتاب والجمعيات التراثية وجمعيات صيانة المدينة والجمعيات الموسيقية أو المسرحية على حالها وليس ثمة نية من وزارة الثقافة لدفعها لإعادة انتخاب هيئاتها وهيكلتها من جديد
الخ ...؟
والمؤسف جدا إن الأحزاب السياسية تبدو كما لو انها غير معنية بالشأن الثقافي وهو لا يدخل ضمن اهتماماتها ولا ضمن برامجها وحتى احتفالاتها التدشينية لنشاطاتها تقوم بتكرار نفس التجارب القديمة في التعاطي مع المسألة الثقافية ينادون لشاعر وفرقة موسيقية ويعنون ذلك بفترة تنشيطية ضمن الاجتماع الحزبي فالثقافة عندهم هي تلك العجلة الخامسة ..
سوف يبقى الامر على هذه الحال إلى أن يتم إبلاء بالشأن الثقافي الأهمية التي يستحقها
الأمر على حاله أذا ولاشيء جديد نخبركم به أيها الشهداء
التعليقات (0)