رغم الإقرار بنظام الخلوة الشرعية قبل الحد منها
لازال الشذوذ الجنسي متفشي بالسجون المغربية
إن ما أعلنت عنه البرلمانية فوزية الأبيض عن حزب "الاتحاد الدستوري" بخصوص الشذوذ الجنسي بالسجون المغربية ليس بالشيء الجديد وإنما هو واقع أضحى من عرف الفضاءات الحبسية ببلادنا منذ عقود خلت. وقد لوحظ تزايد هذه المعضلة رغم الإقرار بنظام الخلوة شرعية بمؤسساتنا السجنية قبل الحد من الاستفادة منها منذ ولجت بلادنا عهد تكريس حقوق الإنسان والحرص على واحترامها أي منذ أكثر من عقد.
إن انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي بين نزلاء مؤسساتنا السجنية، سواء الذكور أو الإناث منهم، تبين أن المؤسسة السجنية بالمغرب ومازالت مع الأسف الشديد، تربة خصبة للانحراف ومشتل نشيط جدا لإعادة إنتاج الجريمة. في واقع الأمر، وبالرغم من كل ما يقال بخصوص التقدم ودرجات التحسين التي عرفتها فضاءات ما وراء الجدران الإسمنتية الشامخة وخلف القضبان الحديدية السميكة، فإن وظيفتها الأساسية لازالت تختزل في كونها أداة للعقاب وليس لتصحيح الأخطاء والتقويم والإعداد المجدي والفعال للمساجين للاندماج في المجتمع بشكل سلس ومقبول من طرف المواطنين العاديين أو القيمين على الأمور في مختلف المجالات والميادين.
إن التقرير الذي تنوي فوزية الأبيض إعداده في الموضوع استنادا على شهادات القاصرتين بسجن عكاشة بالدار البيضاء لتسليمه إلى البرلمان، لن يكشف جديدا لا يعرفه جميع المغاربة رغم وإنما سيكون بمثابة منبه لكسر التستر المستمر على استفحال ظاهرة الشذوذ الجنسي بمؤسساتنا السجنية.
رغم كثرة الدراسات والأبحاث ...
أكدت مختلف الدراسات والأبحاث والتقارير المخصصة للسجون الغربية ونزلاءها - سواء تلك التي أمرت بها المندوبية السامية للسجون وإعادة الإدماج و التي أعدتها الجمعيات الحقوقية بما فيها المرصد المغربي للسجون وكل المهتمين بهذا المجال- أن نسبة الشذوذ الجنسي داخلها ظل قائما سواء في معتقلات الذكور والإناث سواء في صفوف المتزوجين منهم أو غير المتزوجين. كما أكدت أن هذه الظاهرة لا تقتصر فئة عمرية بذاتها وإنما تخترق جميع الفئات العمرية المنحدرة من مختلف الأوساط الاجتماعية لكن بدرجات متفاوتة.
ومن الأكيد أن الحرمان الجنسي لنزلاء المؤسسات العقابية قد يدفع عددا منهم إلي اقتراف سلوكيات شاذة علما أن نسبة انتشار الشذوذ داخل المجتمع الخارجي أضحت بارزة اليوم بشكل لم يسبق له نظير في بلادنا، فكيف لا تتصاعد خلف القضبان حيث جملة من الظروف سانحة لذلك؟
وهذا رغم أن القيمين على أمور سجوننا عملوا على تنفيذ الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية للسجناء والتي أقرتها الأمم المتحدة في ومواثيقها إلا أن أغلب السجون مازالت تشكل بيئة غير صالحة لعملية إصلاح المحكوم عليهم.
وفي هذا المضمار واستنادا على أكثر من تقرير ودراسة، طالب الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بتوفير طبيب لكل 50 سجينا أو معتقلا وتقديم تقارير دورية عن حالتهم الصحية والنفسية والاجتماعية تكون مؤشرا تقاس به الجدوى الفعلية للتصدي لظاهرة تفشي الشذوذ الجنسي في صفوف نزلاء السجون. هذا في وقت تحرص فيه منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع دول العالم على تنفيذ برنامج توعية عن مرض فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) خاصة أن مسببات هذا المرض الفتاك حددت بخمس فئات أكثر عرضة للإصابة بالمرض وهي فئات بائعات الهوى والمومسات ومتعاطو المخدرات عن طريق الحقن والمثليون (الشواذ جنسيا) من الرجال والنساء بالإضافة إلى المصابين بالإمراض الجنسية.
ما هو معروف في صفوف نزلاء السجون من قبيل الأبجديات الأولى
إن الشذوذ الجنسي، المؤسسات السجنية، يمارس من قبل الأشخاص الأكثر إجراما بحق الآخرين ممن هم ليسوا من أصحاب السوابق او دخلوا الى السجن لأول مرة، إذ أن النزيل ذو الخبرة الطويلة او المسيطر على باقي النزلاء يجبر أيا من النزلاء على ممارسة الجنس معه سواء بالقوة أو بالتدريج بتواطؤ مع نزلاء آخرين.
ويمارس الشذوذ الجنسي في السجون الآن برضى الطرفين أو بالإجبار، وفي كلتا الحالتين فان الطرف الآخر يقدم خدمات للآخر لقاء ممارسة الجنس معه وفق ما أكده أكثر من نزيل ونزيلة حكمت عليهم الظروف قضاء مدة خلف القضبان الحديدية، وأغلب هذه الحالات تظل متستر عنها ولا يتم التبليغ عنها إلى إدارة السجن . ويؤكد أكثر من مصدر من داخل الدار (نزلاء وموظفون) أن الحالات التي تتعرض للاعتداء الجنسي داخل السجن غالبا ما تنفي تعرضها لذلك لاعتبارات خاصة بها أهمها نظرة الزملاء والوسط الأسري والمجتمع للشخص المعول به. لذا فان الكثير من الضحايا يحاولون إخفاء حقيقة تعرضهم للاعتداء الجنسي.
اقتراح غريب قد لا يخطر على بال مغربي
للتقليل من انعكاسات وتداعيات الشذوذ الجنسيي بالسجون المغربية هناك من اقترح -على سبيل الجد وليس النكتة- توفير العازل الطبي للسجناء الذكور، رغم لما في هذا المقترح الشيطاني من انحراف مستطير ومن خدش للأخلاق و صدم لخصوصية المجتمع المغربي . علما أن أصحاب هذا الاقتراح المفسد لا يعتبرون الشذوذ حالة مرضية بحاجة للتدخل والعلاج سواء على الصعيد الديني أو الأخلاقي أو السلوكي أو التربوي أو النفسي أو الاجتماعي .
أسباب ظاهرة الشذوذ الجنسي بالسجن
حسب الصديق كبوري – الذي أعد دراسة ميدانية في الموضوع عندما كان نزيلا بأحد السجون المغربية بالمنطقة الشرقية - إن إجابات عينة السجناء (فاعلين ومفعول بهم) الذين شملتهم الدراسة، أشارت إلى أن الشذوذ الجنسي بالسجن - باعتباره ميل مرضي لممارسة الجنس بين الذكور- له عدة أسباب منها :
- اكتظاظ الزنازين، ونوم السجناء في وضعيات تتلاصق فيها الأجساد ، وصعوبة المراقبة ليلا في الظلام الحالك .
- حاجة السجناء إلى إشباع رغباتهم البيولوجية داخل المعتقل ، لكون هذه الحاجة لا حدود لها ، ويساعد على تلبية هذه الحاجة ويساهم في تسهيلها واقع الاكتظاظ وصعوبة الضبط ، نظرا لما يحيط بالظاهرة من سرية وتكتم .
- تعرض بعض السجناء للاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة من طرف أشخاص اكبر منهم سنا ينتمون إلى محيطهم الاجتماعي ، أو غرباء عن هذا المحيط.
- تعرض بعض السجناء للاعتداء الجنسي لأول مرة داخل السجن ، بعد تنويمهم بمواد مخدرة ، أو تهديديهم بالعنف ، فأصبح الشذوذ الجنسي لديهم بعد التجربة الأولى نوعا من الإدمان.
- بعض السجناء يعانون من انفصام الشخصية ( السكيزوفرينيا ) بفعل الاختلالات الهرمونية ، وغلبة الهرمونات الأنثوية على الهرمونات الذكورية ، مما ولد لدى هذه الفئة مرض الشذوذ الجنسي المزمن ، وزاد في تكريس هذه الظاهرة نوع تعامل الأسرة والمجتمع معهم .
- وجود أسباب اقتصادية لدى بعض الشواذ تدفعهم إلى الشذوذ (الحاجة إلى المال لتوفير بعض المصاريف كالتدخين واقتناء المخدرات والممنوعات.
- غياب الوعي لدى نزلاء السجن بأخطار الشذوذ على الصحة الفردية والعامة .
لكن كيف ينظر الشاذ جنسيا لنفسه؟
خلص الدراسة المذكورة أعلاه إلى وجود نوعين من الشواذ : نوع يعتقد بأنه مختلف في هويته ومكوناته الجنسية – وهو ما أسماه الصديق كبوري بالشذوذ المرتبط بالهوية - وهذا النوع لا يتحكم بالمطلق في شذوذه ، اعتقدا منه انه ولد هكذا شاذا ، لذا تجده راضيا عن شذوذه ، دون خجل أو مركب نقص .كما أن هذا النوع لا يخفي استمتاعه بالشذوذ والبحث المستدام على ممارسته ولو دون مقابل .
وبخصوص السلوك الخارجي الظاهر لأفراد هذا الصنف ، فإنه يتمثل في تقليد - بالتمام والكمال- نجد أفراد هذا الصنف تصرفات وسلوكيات النساء في الحركات والسكنات ، وفي الملابس سواء الداخلية أوالخارجية ، ويلوحون بالأيدي في حركات أنثوية مبالغ فيها أحيانا كثيرة ، ويفضلون المناداة عليهم بأسماء أنثوية دون سواها.
أما النوع الثاني فقد فرض عليه الشذوذ فرضا قسريا ولم يكن له يد فيه ، لذا فهذا الصنف لا يرضى عن الشذوذ – أنه شذوذ بالقهر المادي أو قهر الظروف- ويسعى هذا النوع بكل الوسائل للتخلص من الوضع المجبر عليه حالما تتاح الفرصة . وعلى مستوى السلوك والتصرف ، غالبا ما تظهر على هذا النوع، بين الفينة والأخرى، بعض الانفعالات الفجائية ، والتصرفات العدوانية ، زيادة على القلق والاكتئاب والوسواس وأمراض نفسية أخرى إلا الله .
على سبيل الحلول
لقد أدرك الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون، إدراكا جيدا حجم هذه الظاهرة - التي مازال يحيط بها الصمت المطبق- وخطورتها ، وقد اقترح بعضهم جملة من الحلول نسوقها فيما يلي:
- ضرورة رصد ظاهرة الشذوذ الجنسي لدى النزلاء والنزيلات، باعتبارها نتاج وإفراز موضوعي لعدة عوامل متداخل وليس حجبها بالسكوت والتستر لأن جميع المغاربة على علم مستفيض بها.
- ضرورة التتبع المستدام للظاهرة ، والمعاينة الميدانية ، والاستماع إلى هموم السجناء ومشاكلهم فرادى وجماعات .
- وضع حد للاكتظاظ الذي يتسبب في عدة مشاكل ومعضلات ويحرم العديد من السجون من أن تصبح فضاءات للإصلاح وإعداد الاندماج وتسهيله .
- تصنيف المعتقلين مع مراعاة نوعية الجرم ومدة العقوبة والعمر وحسن السلوك .
-ضرورة فتح أبواب السجون على مصراعيها في وجه جمعيات وفعاليات المجتمع المدني الحقوقية والتربوية والثقافية والرياضية، قصد تكريس التواصل بالمجتمع.
- إعادة تفعيل الحق في الخلوة الشرعية ، لأنها عامل من عوامل إصلاح السجناء وحثهم على الحفاظ على حسن السلوك والاجتهاد لاستعداد للاندماج.
- منح السجين أو السجينة المتزوج (ة) الحق في قضاء ليلة أو ليلتين في الشهر مع أسرته ، إذا قضى ثلثي العقوبة، وكان يتمتع بحسن السيرة والسلوك داخل السجن.
-التعامل مع الشاذ كمريض يجب علاجه ، وتفادي ما أمكن تعنيف الشواذ وتعذيبهم بعد ضبطهم ، لان الظاهرة لا تعالج بوصفات التعذيب.
- تفعيل الحق في السراح المقيد بالنسبة للسجناء، والمنصوص عليه في الظهير المنظم للسجون ، وتحويل السجن بالفعل من مؤسسة عقابية لا تنظر إلى الشذوذ من الزاوية الأخلاقية باعتباره ذنبا مشين، بل تحويل السجن إلى مؤسسة إصلاحية وتربوية تنظر إلى الشذوذ كمرض و تسعى إلى تقويمه كسلوك من بين سلوكات منحرفة أخرى .
- التوعية الصحية للسجناء عبر كل ما من شانه الرفع من الوعي بخطورة الظاهرة، و توفير المساعدين الاجتماعيين والمرشدين النفسيين لمساعدة المرضى على تجاوز مرضهم والمساهمة الإرادية للتخلص منه.
- تفعيل تجريم الشذوذ بالسجن فعلا وبشدة وقسوة أحيانا وعدم التستر عليه مهما كان الظرف.
على سبيل الختم
جميل جدا أن يتعاون الجميع لزرع ثقافة تحترم الإنسان وتكرم صفته الإنسانية وترفع من شأنه، ولكن هل هناك حقا إرادة حقيقية للتغييرالفعلي على أرض الواقع المعيش، ولبناء وترسيخ ما ينتظره المواطن ؟ فمتى سيتم التخلص من اعتبار العقوبة السجنية مفهوما انتقاميا ليضحى معها السجين مجرد رقم لا قيمة له ولا وزن إنساني بالرغم من كل ما يقال؟ إلى متى سيستمر مفهوم العقوبة رديف الحرمان والاعتداء والدوس على الصفة الإنسانية والتعذيب أحيانا؟
إدريس ولد القابلة
التعليقات (0)