عبدالامير الخرسان
لا صوّت الناعي بفقدك انه يوم على آل الرسول عظيم، ان كنت قد غيبت في جدث الثرى فالعدل و التوحيد فيك مقيم، قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (انما يخشى الله من عباده العلماء) . قال امير المؤمنين (ع) (ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يرخّص في معاصي الله ولم يترك القران رغبة عنه الى غيره) . لازال الحديث عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) حديث الساعة وخصوصا حديث المفكرين والعلماء والساسة والقادة لأنه لم يبرح من عقولهم ولم يفارق مناهجهم الفكرية والإسلامية وبقيت آثاره ومؤلّفاته حاضرة الماضي والمستقبل ترى مناهجها وأفكارها رائجة في ميادين الفكر والدراسة والتربية والتعليم كما نشاهد الحوزة الدينية والجامعات الاسلامية والعالمية كيف ادخلت في مناهجها دراسة تراث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) في حياته وبعد استشهاده ( قدس الله نفسه الزكية) .
أيها الاحبة لقد غزا العالم الاسلامي منذ الاحتلال الصهيوني والاستعماري سيل جارف من الثقافات الغربية القائمة على اسس حضارية مادية سواء عن المفهوم الكوني او عن مفاهيم الحياة و المجتمع وكانت تغذّي الكيان الصهيوني بهذا المدد الفكري المادي الضال وتتمثّل في النظرية الرأسمالية والبراجماتية ثم وردت بعدها افكار مادية أخرى تتمثل بالشيوعية والاشتراكية وكثير من الافكار والمذاهب المادية الوضعية ايضا لتتنافس هي والتي سبقتها ليبقى حديث الساعة في ذلك الوقت حتى ينسى الناس مفاهيمهم وأفكارهم وعقائدهم الاسلامية الصحيحة وتنحرف الأمة الاسلامية عن مسارها الاسلامي الصحيح . وهذا ما سعت و تسعى اليه دول الاستكبار العالمي , وكان لا بد ان ينصر الله كلمته و يجعلها العليا في معترك هذا الصراع المرير فسخّر الله لها رجلا عالما شابا فذّا مجتهدا و مرجعا للمسلمين وهبه الله العلم وحباه بالفكر ورسّخ في ذهنه الكلمة الهادفة الواضحة والقوية الكاملة والشاملة للكون والحياة والإنسان و الدولة والنظام ليهزم بها اهل الشرك والضلال والنفاق و كل الثقافات المادية الوضعية الواردة على العقيدة الاسلامية ظلما و عدوانا . كان ذلك هو السيد الشهيد الصدر (رض) الذي تصدّى لهذه المسؤولية الخطيرة ليؤسّس مؤسّسة اسلامية كبرى قائمة بذاتها استمدّها بعون من الله سبحانه ومن فكر الاسلام الأصيل ليفنّد كل هذه الأقاويل والمفاهيم الباطلة . وهكذا أخذت تتهاوى هذه الأفكار الضالّة والمفاهيم المنحرفة أمام فكر الاسلام المحمدي الأصيل ليشرق من جديد نور الاسلام في قلوب الناس وحياة الامّة الاسلامية . وهذا ما نراه واضحا في عصرنا الذي سمي بعصر الصحوة الاسلامية صحوة الضمائر وتصحيح الأفكار وتركيز الاسلام في النفوس والتي عرف الناس من خلالها مسؤولياتهم الاسلامية لينهضوا بها ويجودوا من اجلها بالنفس والولد (والجود بالنفس أغلى غاية الجود) . ان السيد الشهيد الصدر(رض) رسالة صادقة وغضّة طرية تنبض في ضمير الأمة الاسلامية وأنه عين الحق وروح العدل يرى واجبه تحقيق اهداف الرسالة الاسلامية وإعلاء كلمة الله لأنه وعى الاسلام والرسالة (كأعظم من وعى) التي انطبعت في شخصيته منذ طفولته من خلال التربية والتعليم التي حفظها من والده العلاّمة السيد حيدر الصدر وخاله المرجع الشيخ مرتضى آل ياسين وأخوه المجتهد السيد اسماعيل الصدر وثلّة من العلماء والمراجع العظام (رضوان الله عليهم جميعا)وبمباركة ودعوة مستجابة من الامام الحجة المنتظر (ارواحنا لتراب مقدمه الفداء) وكلهم شهدوا له بالاجتهاد ولم يتجاوز الرابعة عشر من عمره الشريف . عندما نتحدث عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) لم نتحدث عن زمن معين او عن كهوف التاريخ انه ظهر في حقبة معينة من الزمن ومضى شهيدا كغيره لأنه لا يمكن القياس هكذا , لأن السيد الشهيد اعطى الفترة التي عاشها والتي تلتها الى يوم القيامة وأغناها بالعلم والفكر والآثار العلمية الفريدة وكذلك اغناها بالمؤسسات الاسلامية والحوزوية والجهادية ونادى بالوحدة الاسلامية ووحدة القيادة ووحدة الجهاد ورفض الظلم والطاغوت وألهب قلوب الناس بالحماس والإيمان والتقوى والمعرفة الحقيقة لله والإسلام والرسالة , وأكّد العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي والإصلاح والضمان والتكافل الذي ينطلق من الدولة على أساس الحكم . وهذه من حدود الله وتشريعاته للعالم كلّه . اضافة الى مؤلفاته التي صارت مصدرا مهما واستراتيجيا في العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتفسير والعقيدة وتشمل كل جوانب الحياة الفكرية والثقافية والإنسانية . قضية القيادة : ان قضية القيادة في الاسلام لا تأتي الاّ من حيث أراد الله من شروط على القائد : ان يفهم الامانة اولا ! والمسؤولية ثانيا ! ويفهم الرسالة والدستور ! بل هو الذي يضعه ويستنبطه من أصوله من القرآن والسنة النبوية الشريفة والسيد الشهيد(رض) أول من وضع هذه الأسس في الاسلام عندما وضع الأسس المركزية الذي يبنى عليها الاقتصاد الاسلامي مع كامل بنودها وفروعها وهي الآن تدرس في الجامعات العالمية كمبدأ اقتصادي عادل من خلال كتاب اقتصادنا وهناك الكثير من النظريات التي كتبها في هذا المضمار الاقتصادي الحضاري فكان القائد والمرشد والموجّه والمرجع الأعلى للمسلمين . ان السيد الشهيد (رضوان الله عليه) مثّل الانسانية بأعلى مراتبها لأنه أخذ بالعفو وكان منهجه العفو لكل من أساء اليه والرحمة والشفقة والعطف على المرضى واليتامى والمظلومين والمستضعفين وله في هذا الجانب آلاف المواقف العظيمة التي تدل على رحمته وعطفه وشفقته . لقد كان يأمر بالعرف والمعروف ويأخذ به وينهى عن المنكر جهارا وإعلانا ونادى بالحق امام الجهلة الذين يتخبطون بالجهل والضلال والغفلة عن الحق وعن ذكر الله والخوف منه جلّ وعلا واللاّمبالاة في معرفة المسؤولية الشرعية الملقاة في أعناقهم . ان السيد الشهيد(رض) هو اول من دعى للمرجعية الرشيدة التي تمثّل الامامة وولاية الفقيه وخلافة الله في الارض وترتكز على الاسلام في الامتداد والعمق والروح . ان دائرة المرجعية تمتد مع امتداد الزمن حتى بعد ظهور الامام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف لان المرجع يستمد علميته ومنهجيته من القرآن والإمام المعصوم سواء بغيبته او بعد ظهوره لأنها تمثّل المضامين الفكرية والثقافية التشريعية منها والعقائدية والأخلاقية والمنهجية. ان علاقة السيد الشهيد (رض) بالقرآن كتاب الله علاقة صميمية حميمة , كيف لا وهو ابن القرآن ووليد القرآن وأستاذ القرآن الذي ارتبط به حتى صار جزءا منه , والقرآن هو ألأساس في التشريع والأساس في العقيدة والأساس في الاخلاق والأساس في الروحانية والعرفانية والارتباط بالله سبحانه وان القرآن يضيء وسائل المعرفة كلها ويبعث النور في حياة الانسان كلّه . لقد كان دوره(رضوان الله عليه) كبيرا في التأثير على الأمة الاسلامية والبشرية والارتقاء بمستواها العلمي والأخلاقي والجهادي لأنه سقاها بالعلم والحق والعدل والخير والمعروف والارتباط بالله وملكوته وروحه وريحانه لأنه العارف بالخالق المبدع الحكيم ولأنه خاف الله من خلال عمق العظمة الالهية في نفسه كما قال امير المؤمنين (ع): (عظم الخالق في انفسهم فصغر مادونه في أعينهم) . هذا ما وهبه الله في فكره وروحه وقلبه وجميع كيانه (رحمه الله تعالى) وسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا فيقتص من الجناة والقتلة لعنهم الله . ويبقى فكر السيد الشهيد (رض) ومدرسة السيد الشهيد الجهادية خالدة فاعلة ومؤثّرة في نفوس البشرية تستنهض الهمم وتسقط الطواغيت وتعلي كلمة الله في الارض , وما جهاد شعب البحرين وثورتهم العارمة الاّ نتاج تلك المدرسة الفكرية الاسلامية الاصيلة تلك المدرسة التي تفرّعت من مدرسة الامام الحسين (ع) التي تهاوى على صخورها وعظمتها كل الجبابرة والطواغيت وستبقى لتمهيد ظهور الامام المهدي المنتظر روحي فداه وجعلنا الله من انصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه انه نعم المولى ونعم المجيب . المجد والخلود للسيد الشهيد محمد باقر الصدر المجد والخلود للعلوية الشهيدة بنت الهدى المجد والخلود لكل شهداء العراق وشهداء الاسلام الذين اضاؤوا طريق الحرية والكرامة والسعادة .
التعليقات (0)