لاجئو الفارعة يستردون تفاصيل أفراح قراهم المدمرة!
الكاتب والاعلامي عبد الباسط خلف
خلال "ذاكرة لا تصدأ" لـ"الإعلام" و"اللجة الشعبية" لاجئو الفارعة يستردون تفاصيل أفراح قراهم المدمرة! طوباس: أعاد رجال ونساء ذاقوا مرارة النكبة بناء تفاصيل أعراسهم، ولحظات الفرح في القرى التي هجّرهم الاحتلال عنها عام 1948. واستردوا، خلال الحلقة التاسعة من برنامج "ذاكرة لا تصدأ" الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، العديد من طقوس الخطوبة والزفة والعادات الاجتماعية. واسترد حافظ مصطفى خليل، الذي أبصر النور عام 1942، مواسم الأعراس وجاهات الخطوبة، والأغاني الشعبية، والزفة، والموائد التي كان أهالي قرية البرية، جنوب الرملة، يعدونها في أفراحهم. وقال: كنا نقيم الأفراح سبع ليال، وكان أهالي القرى المجاورة مثل أيو شوشة وعناب والقباب يشاركونا أعراسنا، أما المهر فكانت قيمته 100 جنيه فلسطيني أحياناً، و200 جنيه أحياناً أخرى. وبحكم طبيعة القرية التي كانت تعتاش على تربية المواشي، فقد كان الأهالي يذبحون أعداداً كبيرة من الأغنام، ويقيمون الولائم للمدعوين، ويغنون، ويفرحون. وفق رواية هزاع عبد الرحمن الغول، المولود في الكفرين المجاورة لحيفا عام 1939، فقد كانت الأمهات يبحثن عن العرائس لأبنائهن، ثم تتكفل الجاهة بطلب العروس، من دون أن يتمكن الشاب من رؤية خطيبته، طوال فترة ارتباطه بها. يقول: كانت المهور قليلة، وتتراوح بين 40-50 جنيهاً، أما المأذون فكان المختار أديب النجمي، الذي يوثق عقود الزواج، ولم تكن فترة الخطوبة تطول كثيراً، وأقصاها لا يستمر غير ثلاثة أشهر. يتابع: كان الأهالي يُشعلون النار، ويسهرون في "التعليلة"، وإذا كانت العروس من بلد مجاور كأم الزينات والريحانية وأم الفحم، فيذهبون لإحضارها، ويتفقون على نقطة التقاء في منتصف الطريق. أما الزفة فكانت تتم على فرس، بعد أن يتناول المدعوون البرغل والجريشة، وتذهب النساء لحناء العروس. وتستعيد سارة إبراهيم، المولودة في بلدة سيدنا علي( الحرم) شمال يافا، التي عاشت يتيمة الأبوين، ما سمعته من أقربائها عن الأعراس وما عاشته من لحظات الطفولة، فتقول: كنا نركض وراء الزفة، ونتسابق لمشاهدة العروس، وكان أهل الفرح يرمون لنا الحلوى على الأرض. ويختزن حسين سالم أبو مراد، الذي أبصر النور في اللجون عام 1930،
مشاهد من أفراح قريته المجاورة لأم الفحم والتابعة لمدينة جنين، فيقول: كان زواج البدل منتشراً في القرية، ولم تكن المهور عالية، وبعضها لم يتجاوز 30 جنيهاً، أما طعام العرس فهو البرغل والفريكة واللحم، بعد أن يذبح أهل العريس ثلاث ذبائح. يقول: زي العريس وقتها القمباز والسروال، أما العروس فالبذلة البيضاء، أما الأفراح فكانت تطول لعدة أيام. وترسم حليمة محمد أبو الروس المولودة في بئر السبع، وعزية نصار ابنة إجزم قضاء حيفا، صورة للأفراح، حين كان أهل العريس يحضرون للعروس صندوقاً خشبياً به جهازها( ملابسها واحتياجاتها)، فيما كانت المهور بين الأقارب 50 جنيهاً وللغرباء 100 جنيه، من دون أن تسمح العادات للمخطوبين بالالتقاء أو مشاهدة بعضهما البعض، طوال فترة الخطوبة.
ويعيد محمد صالح العرجا، المولود في خريف عام 1934، عجلة الزمن إلى الوراء، فيقص حكاية الأفراح في بلدته الفالوجة قضاء غزة، بطقوسها وأغانيها: كان الزواج الدارج ينقسم إلى البدل( نكاج الشغار)، والزواج التقليدي، فيما ساعد موقع البلدة وتجارتها، على التزاوج بين سكانها والقرى المجاورة ككرتية، وبيت عفا وبعلين وصمّيل وحمامة. يقول: كان مهر العروس يُحدد بالأوقية، وكانت الواحدة منها تساوي 100 جنيه، وأكثر مهر كان لصالحة البطران، الذي بلغ ألف جنيه فلسطيني. وكانت الجاهة تذهب لبيت عائلة العروس، بعد أن تسبقها زيارة لأم العريس وأخواته، وتمتنع الجاهة عن شرب القهوة، قبل أن يُستجاب إلى طلبها بالموافقة على المصاهرة. يزيد: كان مأذون بلدنا الشيخ محمد البطران، ولم يكن يتلق أجراً، ويمنحه الأهالي بعض الحلوى والقطين( التين المجفف)، والملبس( الذي كان يسمى الجعجول). وعندما كانت البنت تكمل العشر سنوات، تبدأ بتطريز ثوب فرحها من الحرير الطبيعي، فيما تشرف عمتي حبسة مطلق على تدريب البنات، ومما أتذكره من أسماء للثياب( عين عزرائيل)، و( المندوب السامي)، و( قيمنا من قاع البيت وحطنا بالسدر). يوالي: كانت ولائم الأعراس من المفتول، والفتة، وهي اللحم المخلوط بخبز الشراك، والموضوع في أواني نحاسية كانت تسمى( عنجر). ووفق العرجا، فإن الأغاني التي كان يرددها الأهالي في أفراحهم، سميت بالسامر، ومنها:( وياك وياك يا ريت أنا وياك، إن عشنا عشنا سوى وإن مت مت أنا وياك)، و( سلمودي سلمودي، يا سيف العز سنود)، أما الزجالون فكان بعضهم يقول( والله ما بكذب ولا إلي في الكذب نية، عشرين مقّطر جمل بقاع قنية). ويضيف: كان الرجال يصطفون صفاً واحداً بلباسهم التقليدي( الدماية)، ويشعلون الحطب، ويوزعون الشاي، ثم تأتي سيدةً منقبة أو كاشفة وجهها أحيانا وتسمى(الحاشية) لترقص بسيفها، وإذا ما حاول الرجال الاقتراب منها، فإنها ترفع السيف بوجههم، فيبتعدوا بسرعة. يسترد: إذا ما كانت العروس من بلدة مجاور، والزواج بدلاً، كانوا يحضرونها على جمل( هودج)، ويلفون يدها بحرير أخضر، وتحمل سيفاً، وتضع على العباءة زينة من ريش النعام، ثم يختلف أهل العروسين على من يقترب أولاً من الآخر، فيحضرون حبلاً لقياس المسافة، ويتفقون على نقطة التقاء في منتصف الطريق المتبقية. وبحسب ما جمعه إبراهيم الشاويش المولود في قنير قبل النكبة بثلاث سوات، من والديه، فقد كانت زفة العريس تتم على الخيل، ويتقدم صفوف السحيجة، رجلاُ يلبس الدماية، ويحمل محرمة من القماش، ويسمى لواحاً، فيما تستمر التعليلة خمسة أيام. ويروي رمضان فريج أبو فريج، المولود عام 1927 في عرب أبو كشك، قضاء يافا، قصة زواجه: تزوجت عام 1946من عرب السمرة، وكانت العروس( سعدة محمد شتيوي)، بدلاً بأختي( خديجة)، وخطبت سنة تقريباً، ولم أر العروس إلا يوم زواجنا. يقول: أطعمنا الضيوف اللحم والأرز والفسيخ بالسمن البلدي، وأقمنا تعليلة ثلاثة أيام وكانت عندنا عادة الحاشية( كحال ما رواه العرجا عن بلدته الفالوجة)، والزفة، وركبت على الحصان، ولبست الدماية، وأحضر المدعوين الغنم والأرز نقوطاً لي، وأخذت استراحة 40 يوماً بعد الزواج. وذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، أن الحديث عن النكبة يجب أن يتعدى الإشارة إلى فصول القهر التي تخللتها، وينتقل للحديث عن كل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، في رسالة تفصح عن مدى الفظاعات التي صنعها الاحتلال عام 1948. فيما قال نافز جوابرة من اللجنة الشعبية، إن الخطوة القادمة في مسيرة توثيق حكاية النكبة، ستكون بالوصول إلى المعمرين الذين عاصروا النكبة، وتدوين حكايتهم بالصوت والصورة، قبل أن يختطفهم الموت.
التعليقات (0)