مواضيع اليوم

لا، للتصالح والمصالح، نعم للإصلاح

سلمان عبدالأعلى

2012-01-05 10:05:37

0

لا، للتصالح والمصالح، نعم للإصلاح

بقلم: سلمان عبدالأعلى

تحتاج المجتمعات البشرية لعملية الإصلاح والتغيير الإيجابي بشكل دائم ومستمر ، وذلك نظراً لما للفساد والإفساد من آثار سلبية تقاوم عملية النهضة والتطوير في واقعها المعاش . من هنا إذاً كانت لعملية الإصلاح أهمية كبرى في تحقيق تقدم المجتمع البشري في مسيرته نحو الأفضل ، فمن خلال الإصلاح يتم تقويم أفراد المجتمع وتوجيههم للإتجاه الصحيح ، ومن خلال الإصلاح أيضاً يتم تحقيق المصالح العامة للأفراد والمجتمعات ، وذلك من خلال تنظيم الحياة فيما بينهم بما يضمن تحقيق المصالح وحفظ الحقوق من التعدي عليها .

 

الإصلاح رسالة الأنبياء والصالحين :

لهذه الأسباب وقد يكون لغيرها أيضاً كانت مسيرة الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السلام حافلة ومرتكزة على مشروع التغيير الإصلاحي ، فما من نبي أو رسول إلا وجاء قومه وطالبهم بالإصلاح وبمقاومة الفساد والمفسدين ، وهذا الأمر نلاحظه عند مراجعة التعاليم التي جاءت بها الأديان السماوية ، إذ أنها تُركز وترتكز في مجملها على ضرورة القيام بالإصلاح الشامل في المجتمعات البشرية .

ولقد تحدثت عدة آيات مباركة في القرآن الكريم عن الإصلاح في سيرة الأنبياء عليهم السلام منها قوله تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام وهو يخاطب قومه : ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ سورة هود آية 88 ص 231.

وكذلك ما جاء في وصية نبي الله موسى عليه السلام لأخيه هارون عند استخلافه في قومه قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ سورة الأعراف آية 142 ص 167.


الإصلاح عملية ليست سهلة:
إن عملية الإصلاح الشامل ليست عملية سهلة أو بسيطة ، بل هي عملية صعبة وفي منتهى الصعوبة ، وإن كانت تبدوا وتعرض في بعض الأحيان وكأنها عملية خالية من أي تعقيد يذكر ، حيث يتم تداولها من قبل البعض بشكل نظري ومجرداً عن التطبيق العملي - من خلال الحديث والنقاش والكتابة فقط – وهذا الأمر قد يجعل البعض يتوهم بأنها عملية سهلة وبسيطة ، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك ، وتتجلى صعوبتها بوضوح عندما يطالب بتطبيقها على أرض الواقع ، فهي في مرحلة التطبيق في منتهى الصعوبة والتعقيد ، بل قد يصل الأمر أحياناً إلى رفضها ومقاومتها حتى من قبل بعض من يرفع الإصلاح شعاراً له في حياته ، وذلك إذا كانت تتعارض مع بعض أهدافه أو تقف في طريق مصالحه الدنيوية وأطماعه الشخصية .


الإصلاح والتحديات :
إذاً عملية التغيير الإيجابي والإصلاح عملية ليست سهلة ، ولذلك لابد أن تواجه في طريقها عقبات وتحديات كبيرة ولا يستهان بها ، لأنها تقف ضد مصالح المفسدين الذين هم في الغالب فئة تمتلك القوة والنفوذ والإمكانات والوسائل الكبيرة التي تساعد على السيطرة والتحكم .

لذا نجد هؤلاء المفسدين لايترددون في استخدام هذه القدرات والإمكانات لمقاومة عملية الإصلاح والتغيير الذي يشكل خطراً على بقاء مصالحهم ، ولكن ينبغي أن نعلم وندرك بأنه من غير المعقول ترك عملية الإصلاح والاعتذار بهذه الحجة ، لأن ترك وتجاهل الإصلاح لا يعني أبداً أن المفسدين سيتوقفون عند حد معين ، بل يعني المزيد من عمليات الإفساد في المجتمع.

لذلك ينبغي بل يجب القيام بالإصلاح ومقاومة المفسدين ومحاسبتهم ، حتى يسود العدل وتعم المصلحة العامة للمجتمع على المصالح والمنافع الشخصية ، ولابد كذلك أن نكون متيقنين ومطمئنين بانتصار الحق في النهاية ، خصوصاً إذا كانت عملية الإصلاح مستمرة وفيها عنصر التحدي والإصرار .

ماذا لو كان المفسدون غير معروفين لدى عامة الناس ؟

بمعنى أن يمارس المفسد فساده وإفساده من تحت الستار ، بحيث لا يعرف بعمليات الفساد والإفساد التي يقوم بها عامة المجتمع ، السؤال هنا : ما هو الواجب على من ينكشف له أمر شخصيات مثل هكذا ؟ أي ، كيف نتصرف لو اكتشفنا شخصيات بهذه الكيفية ؟ ؟ هل نتجاهل وجودها ونتغافل عن سيئاتها ؟ !! أم ماذا نفعل ؟ !!

الجواب: إذا كانت المحاسبة مطلوبة للمفسدين المتجاهرين والمعروفين لدى عامة المجتمع، فهي كذلك مطلوبة للمفسدين الذين يستمرون ويصرون على فسادهم وإفسادهم والمجتمع غافل عنهم ، بل إن هؤلاء أولى بالمحاسبة والمعاقبة ، لأنهم أخطر على مصالح المجتمع وأفراده من غيرهم ، وذلك لأنهم يلبسون أقنعة يتخفون من خلالها عن الظهور بشكلهم الواقعي ، وهذا الأمر قد يتيح لهم الفرصة للتلاعب والإفساد دون وجود مانع يمنعهم أو رادع يردعهم ، لأن تصرفاتهم وسلوكياتهم المنحرفة والمفسدة غير معروفة لدى عامة الناس .

لذلك لابد لمن انكشف له أمر شخص أو فئة بمثل هذه الكيفية ، أن يكشف حقيقتهم للمجتمع ، لكي يتم محاسبتهم على فسادهم وإفسادهم ، ولا يصح أبداً التهاون معهم أو التستر عليهم ، بحجة أن إفسادهم غير واضح لعامة الناس ، خصوصاً إذا كانت تصرفاتهم تضر بالمجتمع أو بأحد أفراده , فمهما كانت الأسباب والمبررات يجب محاسبتهم ، لأنها بالتأكيد ستكون أسباب واهية ومبررات واهنة .

تفصيل أكثر : ماذا لو كان المفسدون يظهرون بخلاف واقعهم ؟ !!

إن من ضمن الحجج والمبررات التي يقولها البعض مبرراً إمتناعه عن ممارسة عملية الإصلاح أو السعي لمحاسبة المفسدين قوله : بأنه لا ينبغي لنا القيام بعملية الإصلاح على أساس محاسبة المخطئين والمفسدين ، لأنهم ربما لا يبدون في الظاهر للمجتمع على أنهم مفسدون ، بل قد يظهرون للناس على أنهم دعاة إصلاح وصلاح ، بمعنى أنهم قد يبدون ويظهرون على خلاف حقيقتهم، مثلاً يفسدون وظاهرهم أنهم يصلحون ، يكذبون وظاهرهم أنهم يصدقون ، يخونون وظاهرهم أنهم يوفون ، يراؤون وظاهرهم أنهم يخلصون ، ويمكرون ... و .... وهكذا .

لذلك من غير الصحيح كما يقول هؤلاء محاسبتهم وكشف حقيقتهم للناس ، وذلك حتى لا تقع الفتن والمشاكل في المجتمع ، خصوصاً إذا كان هؤلاء المفسدون شخصيات إجتماعية أو دينية بارزة ، فمن أجل المحافظة على المصلحة العامة ينبغي مداهنتهم ومحاباتهم والتصالح معهم ، حتى وإن تتطلب الأمر التستر على أفعالهم وسلوكياتهم المنحرفة والفاسدة .


لا مصلحة عامة بلا إصلاح:
بالطبع ، بأن هذه الحجج والمبررات غير صحيحة ، لأن المصلحة العامة لا تكون ولا تتحقق إلا بالإصلاح ، ولا شك بأن التستر على هؤلاء المفسدين وعدم محاسبتهم ليس إصلاحاً ، بالإضافة إلى كونه أمراً في غاية الخطورة لأنه يهدد سلامة المصلحة العامة للمجتمع ، وسوف يتجلى ذلك بوضوح في النقاط التالية :


أولاً : التستر إفساد وليس إصلاح:


إن من يقول هذه الكلمات هو يُخادع نفسه قبل أن يخدع أو يُخادع غيره ، فكيف لنا أن نهادن أو نداهن ونجامل هؤلاء المفسدين على حساب الحق ؟ !! وأيُ إصلاح هذا الذي يتستر على أمثال هؤلاء ؟ !

إن التستر والتغطية على أفعال هؤلاء المفسدين ليس إصلاحاً ، بل هو عينُ الفساد والإفساد ، حيث أنه يُعد مشاركةً لهم في أعمالهم وسلوكياتهم المنحرفة ، لأن الإصلاح والمحاسبة يجب أن يشمل الكل بلا استثناء - لأي شخص مهما كان ومهما بلغ- وإن أمثال هؤلاء المفسدون الذين يبطنون ما لا يظهرون هم الأولى بالمحاسبة والعقاب ، لأنهم يمثلون الخطر الأعظم على مصالح المجتمع وافراده ، وذلك لأنهم كما قلنا يفسدون والمجتمع غير ملتفت لهم .

لذا لابد من محاسبتهم وكشف حقيقتهم للمجتمع ، لأن عدم معرفة الناس بهم لا يعني أبداً ترك الحرية لهم لكي يُفسدوا بلا حساب ولا عقاب ، ولذلك من الضروري محاسبتهم وكشف حقيقتهم للناس حتى لاينخدع بهم أحد ويسير معهم لتنفيذ غاياتهم السيئة من حيث يدري أو لا يدري .


ثانياً: كيفية التستر على هؤلاء تجعلنا نمارس الرذائل ونتخلى عن الفضائل:


إن عملية التستر على أمثال هؤلاء المفسدين لابد أن تمارس فيها الكثير من الرذائل ، لأنها تعد كذباً وخيانةً وغشاً للمجتمع ، كما أنها قد تعدُ تزويراً للحقائق ، وأيُ عملية إصلاح هذه التي تعتمد على الرذائل وتتجنب الفضائل ؟ !!

بمعنى حتى وإن كانت غايتنا الفعلية هي الإصلاح والمصلحة العامة الحقيقية ، فإن هذا الأمر لا يعني أننا لدينا الحق لممارسة الرذائل (الغاية لا تبرر الوسيلة) .

وهنا يقول أحد الأشخاص أنه كذب في حادثة هامة وحساسة ، وزور الحقيقة وجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً مع علمه بهذا الأمر ، حرصاً منه على المصلحة العامة - طبعاً كما يقول ويدعي- ، والسؤال الهام هنا : لماذا قام بهذا ؟ !!

إن السبب وراء هذا التصرف المُشين الذي قام به هذا الشخص ، هو أن الكاذب الحقيقي في هذه القضية هو أحد رجال الدين ، فحتى لا يفضح هذا الرجل ولكي لا تكون فتنة ، وبحجة المحافظة على المصلحة العامة قام بهذا الأمر ، ولكن هل يعقل يا ترى مثل هذا التصرف ؟ !! وهل هذه المبررات والحجج صحيحة ؟ !!


ثالثاً : عملية التستر على هؤلاء تعني الإعانة على الظلم :


لاشك ولاريب بأن التستر على الظلم هو إعانة للظالم على ظلمه ، وهو نفسه كذلك خذلان للمظلوم ، فكيف يكون من الإصلاح ومن المصلحة العامة أن يُعان الظالم على ظلمه ، ويتم نصره وإعانته على المظلوم ؟ !! وهل هناك يا ترى إفساد أكبر و أوضح من هذا ؟ !!


رابعاً: عملية التستر على هؤلاء تعني تجاهل المشكلة :


إن الإعتراف بالمشكلة هي الخطوة الأولى لحلها ، أما إذا لم يتم الإعتراف بها وتم تجاهلها فهذا الشيء لا يحلها أبداً ، بل قد يساهم في تعقيدها وتطورها بشكل سلبي أكثر فأكثر ، لذلك من المهم أن تكون الخطوة الأولى المتبعة في عملية الإصلاح هي الكشف عن المشكلة وتحديدها ، وذلك تمهيداً لمعالجتها .


خامساً: غياب أو تغييب الرادع:


لنفترض جدلاً بأنه ليس من الضروري والمهم محاسبة المفسدين ، فما هو الضمان لعدم تكرارهم لأخطائهم ولإفسادهم ؟ !! وما هو الرادع لهم إذا كانوا يعرفون بأنهم لن يحاسبوا "من أمن العقوبة أساء الأدب" ؟ !! وما هو الرادع لغيرهم حتى لايسير في طريقهم ويُفسد؟

إن ترك محاسبة المفسدين يجعلنا نسير في طريق الفساد ونُشجع على الإفساد ، وذلك من خلال تقديم الحماية والدعم للمفسدين ، والطبيعة البشرية تقول وتُؤكد بأن المفسدين إذا لم يطالهم الحساب ، زادوا في إفسادهم وطغيانهم ، وهناك الكثير من التجارب والقصص التاريخية التي تُثبت وتُؤكد وتُكرر ذلك.


سادساً : عدم إرجاع الحقوق لأصحابها :


إذا لم يحاسب المفسد ولم يُردع أو يرتدع عن أفعاله وتصرفاته الظالمة، فهذا يعني أنه لن يعيد الحقوق لأصحابها، وأي عملية إصلاح هذه التي لا ترد للمظلوم حقه ولا تنصفه من الظالم ؟ !! وأي إصلاح هذا وأي مصلحة عامة التي تقتضي إعانة الظالم على ظلمة وتشجعه على الإستمرار فيه ؟ !!


سابعاً : عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :


قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ سورة هود آية 117 ص 234 .

إن من يتأمل في هذه الآية المباركة يدرك أهمية الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالآية الشريفة لم تقل وأهلها صالحون ، بل قالت وأهلها مُصلحون في إشارة هامة إلى أهمية عملية الإصلاح ، إذ أن الصلاح كما تبين هذه الآية المباركة لايكفي للنجاة من الهلاك ، إذا لم يرافقه أية عملية إصلاح .


المحصلة:
أنا لا أقول بأن مراعاة المصلحة العامة للمجتمع أمراً خاطئاً على الإطلاق ، وإنما أقول بأن شعار المصلحة العامة قد يكون شعاراً خادعاً وخداعاً ، إذا تم رفعه واستخدامه بلا قيود أو ضوابط ، ولا إشكال في مراعاة المصلحة العامة إذا لم يكن فيها استخدام للرذيلة ولم يكن فيها أي مداهنة أو مجاملة أو محاباة على حساب الحق ، وإن مراعاة هذا الأمر قد يكون صعباً عند البعض ، خصوصاً إذا كان ممن يرفع شعار المصلحة العامة لكي يبرر ممارسته للرذائل .

لذا من الأفضل أن يكون الشعار المرفوع هو الإصلاح وليس المصلحة العامة ، لأنه في الإصلاح تكون المصلحة العامة، ولا مصلحة عامة بلا إصلاح ، كذلك في الإصلاح ومن الإصلاح محاسبة المفسدين الذين يضرون بالمصلحة العامة للمجتمع .

ختاماً : أؤكد بأن الإصلاح يجب أن يكون هو الشعار المرفوع في كل شيء في هذه الحياة، وليس المصلحة العامة، لأنه بالإصلاح وفي الإصلاح وعن طريق الإصلاح تحفظ وتصان المصلحة العامة للمجتمع .

 

للحديث بقية مع مقال بعنوان : المصلحة العامة والإصلاح في السيرة العلوية

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !