لأنَّ الأيامَ إلى زوالْ
يوسف القدرة
يُذْكَرُ |
أنَّ ذلكَ اليومُ المغلَّفُ بضوءٍ باهتٍ. وتسيلُ عن أكتافِهِ أحزانٌ عابرةٌ. مرّ عاديّاً. وانتهى بغروبٍ لم يُلفِتْ انتباهَ أحدْ. مَوْجٌ دافئٌ بلّلَ بيتاً رمليّاً بالملحِ وسمكةٌ ميِّتةٌ رستْ على قُبّةٍ لا زالتْ أصابعُ طفلٍ تتركُ أثراً عليها. صمتٌ رهيبٌ يدغدغُ شفقاً فقيراً إلى ألوانهِ.
لحنٌ |
ناعسٌ كانَ يُدركُ نعاسَهُ. نامَ على جناحيْ نورسٍ مرّ صُدفةً. لامسَ ظلُّهُ صَدفاً كثيراً. بكتْ مُخيِّلةٌ خيالَها. وهاجَ خَيْلٌ غنّاهُ عربٌ قُدامى. ولمْ يأتي ليلٌ يُعرِّفُ عشقاً أضاعَ اسمَهُ. والصحراءُ بغتةً ناطحَ السحابَ عُمرانُها.
لذا |
كانَ عاديّاً أن يمرَّ ذاكَ اليومُ عادياً وضوءُهُ الباهتُ يُؤنسُ وردةً قربَ جدارٍ منسيٍّ تئنُّ من هجرٍ لم تعتادهُ. على دَرجِ البيتِ صورٌ لشهداءٍ مرفوعةٌ أسماؤهم لريحْ. وأحلامُهُمْ تزورُ البيتَ حين مراياهُ تبتسمُ. نبضةٌ واحدةٌ تستطيع أنْ تُشعلَ القلبَ. غير أنَّ الجهاتِ ذَاهِبَةٌ في سفرٍ لا ينْقَطِعْ. تَقْطَعُ العُمْرَ كلَّهُ واقِعَةً في سَرَابْ. من فوقِهِ هواءٌ مُرّْ. ومن تحتِهِ ترابٌ ظمآنْ. مشلولةٌ حكايتَهُ. إذ يسألُ عنها الممكنُ تجيبُ الاحتمالاتُ بتيهٍ برّاقْ.
يَنْتَفِضُ |
مُستحيلٌ فيسقطُ عن شرفةِ حلمِهِ. ينتهزُ فرصتَهُ السقوطُ مُتملِّقاً أمامَ جذبٍ فيهِ. والجاذبيةُ حيرانةٌ ومهزوزٌ سرُّها في جَمالِ تفّاحةٍ مُتشبِّثةٍ في شجرتِها. في صورةٍ التقطَها عابرٌ. وأهداها لعابرةٍ. والحياةُ عبورْ.
ذاكَ |
يومٌ. وهذهِ أيامٌ. كلّها تحتَ سمواتٍ تتقلَّبُ. تمارسُ مرورَها دونَ اعتراضِ النملِ حتّى. والشتاءُ قارصٌ. يقرصُ خدَّ أميرةٍ تقفُ بالبابِ. منتظرةً أميرَها يعودُ من حَرْبٍ صاغتْها الفِتَنُ. والطبيعةُ فاتنةٌ إذْ يرسمُها اللهُ في عينيها. تُمطرانِ قلقاً وخلخالٌ في قدمِها تُرقِّصُ موسيقاهُ نجمةً تخاصرُ بيديها قمراً حزينْ.
جرّبَ |
ذاكَ اليومُ دروباً لا تُحتَملْ. ملَّ ومالَ صوبَ عَتْمَةٍ شكّلها تأجيلٌ قديمْ. ولا نديمٌ على غيمةِ الشُّبّاكِ يَحْصِي خَوْفَ العابرينَ وأمنياتِهم المُتَّهمة بسعةِ التّصوُّرْ. دارَ في دوائره بحثاً عن اسمٍ لهُ وليسَ لهُ اسمٌ في مدينةٍ تدورُ في فراغِها. رآها تستحمُّ في بخَّارٍ مُعطّرٍ. طارَ عقلُهُ ونسي جناحيهِ في خزانةِ النارْ. وهذي النارُ تهذي انطفاءً في قلبهِ لولا اشتعالٌ يفعلُهُ حُلمٌ يَقِظْ.
حَدَّدَ |
موْعِدَاً مع ساعاتٍ فيهِ. وفيّةً وتُشْرِقُ من تفاصيلها الفُصُوْلُ. جبانةً وتَغْرُبُ إليها شموسٌ أطْفأها رعبٌ لا يعربُ عن ذاتهِ. وفيةً وجبانةً كانت الساعاتُ. ودقائقُها تشبهُ أمَّها. غالباً لونُ كلامِها رماديٌّ مُتعبْ. وطريقتُها في المشي مزعجةٌ لغير عاشقِها. تخرجُ من بينِ قهرٍ وغيابٍ مُعلّقانِ في سقفِ الممرِّ. والسماءُ كرمةٌ دونَ عنبٍ يُفضي إلى نبيذْ. وليسَ فيها غفرانٌ يُفضي إلى جنّةٍ. وكانَ اللهُ في عونِ العبدِ. لكنَّ العبدَ يقاتلُ أخيهِ. بلا رأفةٍ أو احترامٍ لوردةٍ وحيدةٍ تبكي قُربَ الجدارْ.
هادئةٌ |
أنفاسُهُ. منتظمةٌ. وثمَّةَ فوضى في عروقِ روحِهِ. يدُ فنانٍ أحسَّتها فتصعّدتْ قلوبُ صبايا أسرهنّ في زمنٍ مضى. تصعّدتْ متراقصةً على هيئةِ حلمٍ يتكرّرُ في مخيلةِ ستارةٍ ترفرفُ كلّما لامسَ هواءٌ لطيفٌ شعلةَ شمعةٍ تحلمُ بأنْ. أَنَّتْ ذاكرةٌ تنامُ طويلاً. لكنَّ أنفاسَهُ رُغم دوارٍ فيهِ. وضيقٍ. بقيتْ على هدوئها. حبستْ دمعتينْ. وشهقةْ. وابتسمتْ تدندنُ. وقالتْ: [الأنفاسُ تُغني. أنا أغنّي]. وغنّى بلا صوتٍ مع أنفاسهِ. غنّى عن أيامٍ أحبّتْ أن تكونَ في صحفِ التاريخِ أرقاماً وحوادثْ. ولم يكن يحبّ لا التاريخَ ولا الأرقام والحوادث كذلك لن يحبّها. لذا غنّى كيومٍ محايدٍ بفرحٍ مكتومٍ وغامضٍ حالماً بيومٍ سَيَكُوْنَهُ. وركنَ إلى أملٍ مختزلٍ في ثوانيه.
شاعر فلسطيني يُقيم في غزة
التعليقات (0)