مصعب المشرّف:
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: (أن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وأنه لا يبقى منها في القلب إلاّ أثرها، فيقال: إن في بني فلان رجل أمينا) ......
الظاهرة التي عمّت البلاد خلال الفترة ما بين نهاية القرن الماضي وحتى تاريخ اليوم من الألفية الجديدة هي إستغلال النفوذ وسرقة المال العام . وضياع الأمانة ، والخطف والنهب واللصوصية . والتوغل في المادية . وغلبة اللصوص والحرامية من الجنسين الذكر والأنثى . وبكل شكل ولون .... وعلى نحو تفشى فيه الغش والخداع والرذيلة بكافة وجوهها حتى أصبح الزنا خلف ستار الزواج العرفي ملح الحياة الجامعية والمدارس الثانوية العليا .... وتناثر أبناء الزنا في أزقة وشوارع ومواقع النفايات بأكثر من عدد الأزقّة وتناثر النفايات نفسها.
وفي عهد المشروع الحضاري وجريمة التمكين لم تعد السرقة هي المشكلة ؛ بل أصبحت المشكلة هي كيف تجد سبيلك وفرصتك إلى السرقة ؟ .. وكيف تتحين الفرص وخريطة طريقك وسط المتكالبين والمتدافعين بالمناكب كي تكون حرامي؟ .. ومتى يهبط عليك الحظ السعيد فتضع يدك على مشروع عام في الأرض أو الجو وسطح الماء حتى تتذوق فيه سهولة بيع أملاك الدولة وحلاوة قبض العمولات، وسرقة المال العام؟
وقد ساير الإفتاء هذه الظاهرة الطارئة . فكان ما كان من صدور فتاوي صنعت "خصيصاً للسودان" على طريقة سجائر البنسون .
وكان من ضمن تلك الفتاوي المضحكة المبكية . فتوى " صك الغفران" بمغفرة الله عز وجل لسارق المال العام شريطة أن يعيد سارق المال أصل المبلغ بعد إستثماره له .. وحلال عليه الأرباح ..... تخيلوا ....!!! ... ويا بلاش...
ألا يعلم هؤلاء القاعدة التي تؤكد أن كل ما أخِـذَ من حرام فهو حرام؟ .. وأن كل ما بني على باطل فهو باطل؟ .. ثم ألم يسمع هؤلاء بنظرية "الفرصة الضائعة" في الإستثمار .. وأن جنيه اليوم أفضل من جنيه الغـد ... وأن قيمة العملة بما فيها الدولار والإسترليني واليوان تتدهور قيمتها الشرائية يوما عن يوم؟ ... فكيف يسرق شخص ما اليوم مليون ويعيده بعد سنوات مليون؟ .. أين العدل والمنطق هنا قبل قواعد الإقتصاد ، والمنهج الديني والحرام والحلال؟
وهكذا إذن جرى التشجيع على التكسب والتربح من الوظيفة العامة وفساد أصحاب المال والأعمال ؛ بالإستيلاء على حقوق الناس من وجهة نظر بعض رجال الدين في باب كل سلطان بطول البلاد وعرضها.
ومن ضمن الفتاوي السلطانية ؛ كان تحليل الإقتراض بالفائدة الربوية .. وحين قلنا لهم لماذا؟ أجابوا لأن الربا غير محرّم عند الخواجات .... سبحان الله ؛ ألا يعلم هؤلاء أن تحريم الربا قد جاء على المطلق ولم يخص الله به المسلمين دونا عن غيرهم أم ماذا؟ ...
ثم ألا يعلم هؤلاء أن الربا والخمر والزنا محرّمة في التوراة والإنجيل على أهل الكتاب ؟؟ ... وجاء بذلك قول الله عز وجل يفضحهم في محكم تنزيله في الآية رقم 161 من سورة النساء : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
ثم ألا يعلم هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث للناس كافة ؟؟ البوذي منهم والهندوسي ؛ وبمن فيهم هؤلاء الخواجات وأهل الكتاب؟ .. وبذلك يكون الحلال هو حلال الإسلام ، والحرام هو حرام الإسلام . وقد حُدّد كلاهما وقُضِيَ الأمر في رسالته الخاتمة صلى الله عليه وسلم .
نحن إذن نؤكد اليوم وكل يوم أننا قد وصلنا من التعرّي الديني ، والإفلاس والإنحطاط الأخلاقي دركاً أسفل لا نحسد عليه ... وعلى نحو بات البعض يخلط عن عمد وإستكبار ما بين الموبقة والكبيرة، والخطيئة والذنب ، والإثم والمعصية ، والصغيرة واللمم ، وشهادة الزور ، وخائنة الأعين ، وما لا يُغتفـر إلاّ برد الحقوق إلى أهلها ... إلخ ، ونتعمد وضعها جميعها في سلة واحدة .... ويــا بــــلاش.
الراعي الطيب يوسف .. يحاول الجميع إستغلاله اليوم
من جانب آخر لا يسعنا إلا أن نشيد بأمانة الراعي السوداني المغترب الطيب يوسف الزين أحمد على أمانته المفترضة في حق من إئتمنه على أمواله.
ولكن الذي شد الإنتباه من كل ما جرى هو هذا الإهتمام والزخم الإعلامي منقطع النظير الذي تحاول الحكومة في الخرطوم ، والسفارة في السعودية إستغلاله لمصلحتها وترويجه في حوشها أو كأنَ الراعي الطيب يوسف الزين أحمد علي هو هجين التمكين، وثمرة المشروع الحضاري ، ويشغل منصب نائب السفير والأمين العام لحزب المؤتمر الوطني فرع السعودية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بالفعل هنا هو : ماذا كان هؤلاء يتوقعون من الراعي الطيب يوسف الزين أحمد علي ؟ هل كانوا يفترضون أن الأصل فيه وفي أمثاله أن يخون الأمانة ويبيع العَـنْـزَةَ أم ماذا؟ .....
ولماذا أذهلتهم أمانة الراعي إلى هذا الحد ؟ ....
أليس تصرف الراعي هو المفترض والأصل في هذه الحالة . وغيرها من الحالات الشبيهة والمماثلة لكل مسؤول يقع تحت يديه أموالاً خاصة للغير أو عامة على سبيل إدارتها والتصرف فيها بما يعمل على تنميتها بأمانة ترضي الله ورسوله؟
ألم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور بكلّكُم راعٍ وكلـّـكُم مسئول عن رعيته ؟ ... لماذا الإستغراب إذن؟
لماذا الإستغراب وقد كان الراعي الطيب إنما يهتدي بهدي قرآنه وسُنن أحب الخلق إليه من نفسه ، وعلى نحو يفعله يومياً من إتباعه لهذا الهدي والسنن الواردة في إغتساله وإستنجائه ووضوئه وصلواته وتسبيحه ودعواته؟
أليس في الأمر إستغلال واضح هنا من جانب السفارة السودانية ، ووزير الإستثمار وأمانة المؤتمر الوطني . وعلى نحو يراد منه الإنصرافية والعمل من الحـبّة قـُـبـّة؟
والشيء الذي يثير التساؤل من جانب آخر ؛ هو إقدام هؤلاء الذين نشروا الحادثة في مواقع الشبكة العنكبوتية على تسجيل الحدث بالصوت والصورة على طريقة "الكاميرا الخفية"؟
فكيف تصادف وأن تعمدوا تسجيلها بالصوت والصورة ؟ ... هل كانوا يتعمدون ذلك أم أن الأمر جاء على محض الصدفة؟
ثم ألم يكونوا خائفين من إحتمال توجيه تهمة التحريض لهم ؛ وبغض النظر عما إذا كان الراعي قد إستجاب لتحريضهم له ببيعهم عنزة من وراء مالكها؟ أو عدم إستجابته؟
هل كان هؤلاء يمتحنون الراعي ؟ أم أنهم كانوا جادون في مسعاهم لشراء حرام بحرام وأكله في بطونهم؟
وفي كل الأحوال ؛ فإنه ومن وجهة النظر القانونية (وبثبوت واقعة التحريض) . فقد إرتكب هؤلاء جريمة تحريض الغير على خيانة أمانة.
لسنا أبالسة .. ولكننا بالمقابل لانستطيع الإدعاء بأننا ملائكة .. ومثلما تبين لنا أمانة الراعي الطيب . فهناك من الجالية السودانية بالسعودية من هو حبيس السجون جراء أحكام قضائية لإرتكابهم جرائم سرقة وأخرى مخلة بالأمانة .. وقد إعترف السفير السابق في مكالمة هاتفية مع برنامج المحطة الوسطى بذلك . ولكنه عجز عن تحديد عددهم أو إحاطة السفارة بأدنى معلومة عن ظروفهم. أو تفاصيل الجرائم التي حوكموا بشأنها .. والكرة الآن في ملعب السفير الجديد . الذي نرجو منه وكما إهتم بالراعي السوداني ؛ أن يجد لديه المساجين السودانيين جانب من الإهتمام والتواصل والمتابعة العادية لا أكثر.
التعليقات (0)