كتب المفكر فهمي هويدي في " الجزيرة نت" مقالا بعنوان: " لماذا يكرهوننا؟." ضمنه اتهاما للغرب بمعاداة الإسلام و المسلمين، و شرح فيه بعض ملامح هذه الكراهية من وجهة نظر تعبر عن لسان حال الأغلبية الساحقة من المسلمين، لكنها لا تخلو من ملاحظات تستحق التحليل و المناقشة.
يتحدث فهمي هويدي بوحي من الجدل الذي رافق تهديد القس الأمريكي " تيري جونز" بحرق المصاحف عشية الذكرى التاسعة لهجمات 11 شتنبر على برجي نيويورك. و هو يعتبر أن مبادرة هذا القس و إن كانت لا تعبر عن حقيقة القرار الرسمي في الولايات المتحدة الأمريكية، شكلت حلقة أخرى في مسلسل ما يعتبره عداء للمسلمين. و ذلك على ثلاثة مستويات، أنقلها للقراء كما وردت في المقال المذكور: - إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذي لاح يوما ما في الفصل بين الاثنين.
- إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها في حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأميركيين بسكين سائق تاكسي مسلما مهاجرا من بنغلاديش "علي أحمد شريف" حين تعرف على هويته الدينية.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسؤول الإعلام في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة، فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع في مركز إسلامي في جاكسونفيل بولاية فلوريدا، وجرت محاولة إحراق مسجد في أرلنغتون بولاية تكساس، ووجهت تهديدات أخرى لمسجد في فريسنو بولاية كاليفورنيا، وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنيسي.
- قبل عشرة أيام أجري استفتاء بين الأميركيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة في موقعه الحالي و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد في أميركا، وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، في حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل ثماني سنوات، الأمر الذي يدل على تنامي مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.
هكذا إذن يقرأ فهمي هويدي موقف الأمريكيين من المسلمين، و بناء على ذلك يستنتج أن الأمر يتعلق بعداء مستحكم ضد كل ما ينتمي للإسلام. وهذا العداء يتجاوز أمريكا ليصبح حالة عامة في الغرب برمته. و الواقع أن هذه القراءة تحمل مغالطات تحجب الحقيقة أو هي على الأقل تمارس لعبة التمويه و تتستر على الأسئلة الحقيقية التي ينبغي طرحها. لذلك كان حريا أن يستبدل سؤال : لماذا يكرهوننا؟ بصيغة أخرى أكثر واقعية هي: لماذا ندفعهم إلى كراهيتنا؟. و هي العبارة الصحيحة التي ينبغي التصدي لها حتى نتمكن من الوصول إلى إجابة واضحة بشأن هذا الموضوع. و إذا عدنا إلى النقط الثلاثة التي جعلها فهمي هويدي تعبر عن ملامح العداء الغربي للإسلام و المسلمين، سنستنتج أنها تمثل في الواقع ردود أفعال ترتبط مباشرة بطبيعة الأفعال التي تؤسس لها. و لا حاجة لنا في هذا الصدد بالتذكير بالفتوحات و الغزوات الحديثة التي نجحت في تقديم صورة مثالية عن إسلام غير متسامح و عنيف و إرهابي. فأية صورة يمكن للإنسان غير المسلم أن يرسمها عن المسلمين في ظل هذا النموذج؟. و أية صورة اختار المسلمون تسويقها لأنفسهم في العالم؟. و ما موقع دعاة الوسطية و التسامح و الإعتدال في الإسلام؟. هذه إذن هي الأسئلة الحقيقية التي لا ينبغي تجاهلها. وهي حتما تراودنا جميعا لكننا نلقي بالمسؤولية على الآخرين كما هو ديدننا. ونتهم الغرب بالتطرف في الوقت الذي نتناسى فيه أن ما يغذي هذا التعصب هو سلوك بعض المسلمين الذين احترفوا كل أشكال التخويف و الترهيب...
جميل جدا أن تتحرك مشاعر المسلمين في كل مناسبة يساء فيها إلى دينهم، فذلك تعبير عن الإنتماء و دفاع عن الحق في الوجود. لكن ماذا يحدث خلال غمرة المشاعر الحماسية؟ و ماذا يلي ذلك أيضا؟.حرق الأعلام و اقتحام القنصليات و السفارات و شعارات مليئة بالكراهية و دعوات ترفع إلى عنان السماء بإبادة كل الكافرين.... و بعد أن تخفت أصوات الغضب تنفجر أصوات من نوع آخر لكنها أكثر إيذاء. وهكذا ينتصر صوت العنف على الحكمة و العقل. وبدل أن يساهم المسلمون في التقريب بين الحضارات و التعريف بالقيمة الإنسانية للدين الإسلامي و تصحيح الفكرة الخاطئة التي تكونت لدى الآخرين عن روح هذا الدين و رسالته السامية، بدل كل هذا تحلق طيور الظلام لتغرس مخالبها القاتلة و تنشر الخوف في سماء و أرض الله الواسعتين. وعندما يرضى المسلمون بهذا الحال، و عندما يبرر الكثيرون الإرهاب و يعتبرونه جهادا مقدسا و يصفقون احتفالا بولائم الدم، فإنهم يكونون وحدهم مسؤولين عن النظرة السلبية التي تنطبع في عقول الآخرين عن الإسلام و المسلمين. وبذلك يقدمون النموذج الحي و الواقعي عن خير أمة... محمد مغوتي.15/09/2010.
التعليقات (0)