مواضيع اليوم

كيمياء الظلال

غسان المفلح

2010-06-10 15:25:46

0

كيمياء الظلال

 

شعر / سامي القريني

 

 


صَوْتُ مَنْ .. ؟
أَيْقَظَ اليَاسَمِـيـْنَ الـمُدَمَّى عَلَى جُثَّةِ القَمَرِ الـمُسْتَعَارِ
وَسَالَ عَلَى غَسَقِيْ أَنْـجُماً، 
وَارْتَـمَى مُدُناً، وَمَوَاوِيْلَ مِنْ لازَوَرْدِ النَّهَاوَنْدِ
أَنْعَشَ ذَاكِرَةَ اللَّيْلِ بِالهِنْدِباءِ وَفَاكِهَةِ الأُغْنِيَاتِ الـحَزِيْنَةِ، 
رَتَّبَ قُمْصَانَ نَرْجِسِنَا فِيْ رُفُوْفِ الـحُقُوْلِ، 
كَوَى يَاقَةَ الِانْتِظَارِ الطَّوِيْلِ، وَشَدَّ عَلَى عُنُقِ الوَقْتِ 
رَبْطَةَ أَسْمَائِنَا فَانْتَبَهْنَا قَلِيلاً ..
 أَصَخْنَا إِلَى الصَّوْتِ :
كَانَ الغُرُوْبُ هُنَا سِيْنَارِيْسْتَ الهُدُوْءِ 
فَلَمْ تَتَلَعْثَمْ بِفِتْنَتِهَا امْرَأَةُ البَرْقِ، 
إِذْ مَسَّنِيْ خَرَزٌ كَانَ يَخْفِقُ مِثْلَ سُنُوْنُوَّةٍ 
فِيْ الطَّرِيْقِ الـمُؤَدِّيْ إِلَى عُرْسِ رُمَّانِهَا الـمُشْتَهَى  
وَعَلَى بُعْدِ مِتْرَيْنِ مِنْ سَكْرَتِيْ بِزَغَارِيْدِ فُسْتَانِهَا اللَّيْلَكِيِّ 
انْشَطَرْتُ ذُهُوْلاً، وَقَلْبِيْ قَضَى نِصْفَ قَيْلُوْلَةٍ 
تـَحْتَ فَيْءِ فَوَانِيْسِهَا، انْدَلَعَ الـجَمْرُ فِيْ جَسَدِيْ / مِنْ ثِيَابِيَ 
وَامْتَصَّ دَوْرَتِيَ الدَّمَـوِّيـَّـةَ إِيْقَاعُهَا، وَاخْتَفَيْتُ .  
لِيَ الآنَ كَفَّانِ تَنْتَمِيَانِ إِلَى كِيْمِيَاءِ الظِّلالِ 
فَوَاحِدَةٌ ضَرَّجَتْهَا حَسَاسِيَّةُ العَبَثِ اللاإِرَادِيِّ بِالـمِسْبَحَةْ
هَكَذَا - دُوْنَ وَعْيٍ، 
وَأُخْرَى تُدَوْزِنُ سِيْجَارَةً، وَتَهِيْمُ وَرَاءَ خُيُوْطِ الدُّخَانِ بِلا أَجْنِحَةْ  
قُلْتُ : سَوْفَ أُشَيِّدُ مَـمْلَكَةً لِلْعِنَاقِ، وَأَبْدَأُ مِنْ حَيْثُ لا مَبْدَأُ !
أَتَعَدَّدُ / أَنْـمُوْ / 
أَصِيْرُ أُنَاساً /جِهَاتٍ /وَأَزْمِنَةً مُتَلاحِقَةً،
وأُعَرِّيْ أَسَاطِيْرَهَا، 
ثُمَّ مِثْلَ النَّدَى فَوْقَ وَهْدَةِ حِنَّائِهَا أَهْدَأُ .


كُنْتُ أَجْلِسُ وَحْدِيْ كَأَنِّيْ رَصِيْفٌ 
يـَمُرُّ عَلَيْهِ الغَرِيْبُوْنَ كُلَّ مَسَاءٍ وَهُمْ يَحْمِلُوْنَ مَرَاثِيَهُمْ  
وَالشُّمُوْعَ، وَبَاقَاتِ زَهْرِ التُّوْلِيْبِ، وَلا يَأْبَهُوْنَ 
بِـمَنْ تَرَكَتْهُ السَّمَاوَاتُ يَرْعَى قَطِيْعَ كَآبَاتِهِ فِيْ الصَّحَارَى اليَتِيْمَةِ / 
كُنَّا نُحَاصِرُ أَطْيَافَنَا فِيْ الفَرَاغِ الذِيْ يَتَرَاكَمُ فِيْنَا . 
بِبُطْءٍ سَرِيْعٍ رَكَضْنَا إِلَى مَا تَرَكْنَاهُ خَارِجَنَا،   
كَمْ تَنَاسَلَ فِيْنَا الـحَنِيـْنُ إِلَى قُبْلَةٍ نَتَشَهَّى تَفَاصِيْلَهَا، 
نَتَفَصَّدُ شَوْقاً إِلَى لَـمْسَةٍ، وَإِلَى نَظْرَةٍ مِنْ بَعِيْدٍ !


وَكَمْ  رَاوَغَتْنَا البِدَايَاتُ، قُلْنَا : 
سَتَأْتِيْ بِلادٌ لِتَحْمِلَ عَنَّا النُّبُوْءَةَ / تَنْأَى بِنَا
مِثْلَ نَهْرٍ بِلا قَدَرٍ وَاضِحٍ،
مِثْلَ شَمْسِ نَهَارٍ تَنَامُ بِخُصْلَةِ شَعْرِ فَتَاةٍ مُرَاهِقَةٍ 
تَسْتَحِمُّ بِآهَاتِهَا فِيْ سَرِيْرِ هَوَاجِسِ تُفَّاحِهَا
ثُمَّ تَفْتَحُ شُبَّاكَهَا لِلْبَنَفْسَجِ  .
كَمْ أَرْهَقَتْنَا النِّهَايَاتُ، جِئْنَا فُرَادَى  
أَضَأْنَا الـمَصَابِيْحَ لِلسَّاهِرِيْنَ، فَقَأْنَا مَحَاجِرَنَا
كَيْ نُضِيْفَ إِلَى الَأبْجَدِيَّةِ حَرْفاً جَدِيْداً
وَكِنْزاً جَدِيْداً، وَعُمْراً بِغَيْرِ اْنِتهَاءٍ
لِيَمْتَدَّ فِيْنَا الغِيَابُ إِلَى آخِرِ الكَوْنِ فِيْنَا / وَمِنَّا، 
وَنُبْعَثَ مِنْ طِيْنِنَا كَمَلائِكَةٍ هَارِبِيـْنَ مِنَ العَدَمِ الوَاقِعِيِّ
نَعِيْشُ الـحَيَاةَ كَمَا يَنْبَغِيْ،
وَتَكُوْنُ القَصِيْدَةُ سُنَّتَنَا، وَقِلادَةَ مَجْهُوْلِنَا 
حِيـْنَ يَكْشِفُهَا الغَيْبُ للزَّمَنِ القَادِمِ /
القَلْبُ أَكْبَرُ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَلْتَحْتَضِنَّا الكَوَاكِبُ، 
وَلْتَنْتَخِبْنَا القُرَى
سَادَةً، فِيْ الطَّرِيْقِ إِلَى الـمُنْتَهَى !   


صَوْتُ مَنْ .. ؟
رَمـَّمَ الـمُسْتَحِيْلَ وَزَخْرَفَ طَيْشَ الفَرَاشَاتِ 
فِيْ مَيْعَةِ الهَذَيَانِ، وَلَقَّنَ أَسْرَابَ نَحْلِ الـحَدِيْقَةِ
آخِرَ مَا نَثَرَتْهُ الطَّبِيْعَةُ مِنْ عَسَلٍ فِيْ كِتَابِ النَّبَاتِ
وَأَوْرَثَ هَذَا الـمَدَى زُرْقَةً / وَاتِّسَاعاً كَحُزْنِ الـمُسَافِرِ 
فِيْ رِحْلَةِ البَحْثِ عَنْ نَفْسِهِ تـَحْتَ أَنْقَاضِ 
هَذَا الفَضَاءِ الـمُجَرَّدِ مِنْ ذَاتِهِ /
وَانْتَمَى لِلسَّمَا 
وَهَمَى،
كُلَّمَا نَفَضَ الطِّيـْنَ عَنْ لُغَتِيْ ذَلِكَ الصَّوْتُ
أَحْسَسْتُ أَنِّيَ لِلتَّوِّ أُوْلَدُ،
 أَحْبُوْ كَطِفْلٍ عَلَى رُكْبَتَيْ فِطْرَتِيْ لاكْتِشَافِ
حَلِيْبِ الـخَيَالِ، وَأَنـْجُوْ .. لأَسْقُطَ ثَانِيَةً فِيْ التَّسَاؤُلِ 
عَنْ أَيِّ شَيْءٍ، وَأَمْتَصُّ سَبَّابَةَ الذِّكْرَيَاتِ
لأَحْبِسَ فِيْ دَاخِلِيْ هَيْدْرُوْجِيـْنَ الصُّرَاخِ !
التَفَتُّ إِلَى صُوْرَتِيْ فِيْ زَوَايَا الـمَتَاهَةِ 
أَخْفَيْتُ كُلَّ رُفَاتِ الـمَرَايَا
وَقَبَّلْتُ عَيْنَيَّ أَغْمَضْتُ جَفْنَيْهِمَا 
كَيْ يَكُوْنَ انْسِكَابُ مِيَاهِ الدُّمُوْعِ 
مِنَ العَيـْنِ لِلْقَلْبِ، لا فَوْقَ بَهْوِ الـخُدُوْدْ
عَلَّنِيْ أَسْتَطِيْعُ مُقَاوَمَةَ الشِّعْرِ /
إِذْ كُنْتُ سَاعَتَهَا غَائِباً عَنْ نِطَاقِ الوُجُوْدْ !


صَوْتُ مَنْ .. ؟
أَنْبَتَ العِطْرَ مِلْءَ ثِيَابِ الدَّقَائِقِ، وَاشْتَدَّ
فِيْ جِذْعِ رُوْحِيْ، وَنَثَّ عَلَى يَابِسِ العُشِّ قَطْراً
وَقَمْحَ غِنَاءٍ، فَرَفَّتْ صِغَارُ العَصَافِيْرِ جَذْلَى 
تُرَتِّلُ نَصَّ النَّخِيْلِ مَعَ النَّائِمِيـْنَ عَلَى ضِفَّةِ الـجُوْعِ،
مَرَّ الهَوَاءُ كَسَاعِيْ البَرِيْدِ
وَأَبْقَى لِعَيْنَيَّ بَعْضَ رَغِيْفِ نُعَاسٍ
لَأغْفُوْ، وَأَطْفُوْ عَلَى هَيْكَلِ الـمَاءِ مِثْلَ شِرَاعٍ 
هَوَى مِنْ سَفِيْنَتِهِ، وَاسْتَعَادَ مِنَ الـمَوْجِ سِيْرَةَ مِلْحِ الـمُحِيْطَاتِ 
فَاغْتَابَهُ العَائِدُوْنَ -  قُبَيْلَ الوُصُوْلِ إِلَى كُنْهِ أَوْطَانِهِمْ .
فَلِذَلِكَ هَيَّأْتُ نَفْسِيْ لِنَفْسِيْ
وَأَعْدَدْتُ مَائِدَتِيْ وَانْتَظَرْتُ الـحَبِيْبَةَ 
مِنْ بَعْدِ مُنْتَصَفِ الـحُبِّ، لَمْ تَأْتِ قَبْلِيْ 
وَلَمْ تَأْتِ بَعْدِيْ
وَلَمْ تَأْتِ !
وَادَّثَرَتْ بِالشُّجَيْرَاتِ قَافِلَةُ الرِّيْحِ 
وَالصُّبْحُ شَمَّرَ أَرْدَانَهُ، 
لا يَدَا غَيْمَةٍ تَنْبِشَانِ دَمِيْ 
كَيْ أُزَاوِجَ بَيـْنَ هَدِيْلِ الرِّمَالِ وَبَيـْنَ صَهِيْلِ الـحَجَرْ
وَكَأَنِّيْ عَلِمْتُ بِأَنَّ بَقَائِيَ فِيْ هَذِهِ الأَرْضِ 
لَيْسَ سِوَى خُطْوَةٍ فِيْ سَفَرْ !
يَا لَهُ مِنْ أَسَىً قَاتِلٍ 
يَا لَهُ مِنْ ضَجَرْ !


صَوْتُ مَنْ .. ؟
جَرَّ كُلَّ الـحِكَايَاتِ مِنْ ظِلِّهَا فَوْقَ خَصْرِ الظَّهِيْرَةِ 
مُسْتَعْجِلًا، وَاكْتَسَى بِرَمَادِ الغِيَابِ وَوَدَّعَنِيْ 
مِثْلَمَا وَتَرٌ فِيْ الكَمَنْجَةِ يَنْثُرُ بُحَّتَهُ فِيْ الـمَكَانِ -
الـمَكَانُ هُنَا لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَمْساً سَتُشْرِقُ
 أَوْ تَتَمَشَّى عَلَى السُّوْرِ مِثْلَ القَطَا !
رُبـَّمَا دَارَتِ الآنَ شَمْسٌ عَلَيْنَا وَدَارَتْ كُؤُوْسْ 
رُبـَّمَا سَقَطَتْ عَنْ وِسَادَةِ أَكْتَافِهَا كُلُّ تِلْكَ الرُّؤُوْسْ 
كَيْفَ أَنْضَجَنَا عِشْقُنَا ؟ 
صَوْتُ مَنْ .. جَاءَ يـَمْشِيْ 
عَلَى سُلَّمِ الرُّوْحِ، يَعْلُوْ، 
يَفِيْضُ بَيَاضاً،
وَيَأْخُذُنِيْ مِنْ يَدِيْ فِيْ الهَزِيْعِ الأَخِيْرِ مِنَ الـجُرْحِ 
نَحْوَ اشْتِهَاءَاتِ مِشْمِشِهَا ؟
إِنَّهَا الـمُفْرَدَاتُ تُوَسْوِسُ فِيْ صَدْرِ قَائِلِهَا،
وَالـخُطَى لا تَشِيْ بِالـخَطِيْئَةِ !
لِيْ هَهُنَا وَرْدَةٌ فِيْ إِنَاءِ الطُّفُوْلَةِ
لِيْ دَمْعَةٌ تَفْتَحُ البَابَ تَدْخُلُنِيْ قَبْلَ مَوْعِدِهَا .


صَوْتُ مَنْ .. ؟
بَلَّلَ العَتَبَاتِ العَتِيْقَةَ وَاخْتَطَفَ النَّايَ مِنْ عَزْفِهِ 
وَاحْتَفَى بِالرُّمُوْزْ ؟ 
عِنَبٌ فِيْ دَمِيْ صَوْتُهَا 
صَوْتُهَا كَانَ نَافُوْرَةً مِنْ سُوْنَاتَاتِ بابلو نيرودا /
وَحِيـْنَ تـَحَرَّشَ بِيْ دِفْئُهَا أَغْرَقَتْنِيْ الـحَسَاسِيـْنُ بِالزَّقْزَقَاتِ
قَضَمْتُ الـمَجَازَ، لِيَتَّضِحَ الـحِبْرُ أَكْثَرَ 
فِيْ صَوْتِهَا وَعَلَى دَفْتَرِيْ .


عِنْدَمَا انْكَسَرَ الصَّوْتُ مِثْلَ الزُّجَاجِ وَلـمْلَمْتُهُ 
بِيَدَيَّ السَّرَابِيَّتـَيـْنْ
قَالَ لِيْ عَاقِداً حَاجِبَيْهِ بِكُلِّ مُشَاكَسَةٍ :
أَنْتَ مَنْ .. ؟ 
وَأَنَا صَوْتُ مَنْ ؟


2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !