كيف واجه النبي خيانة اليهود؟
أي رجال هؤلاء.
استرخصوا أرواحهم في سبيل تقوية دعائم الدين.. لقوا وجه ربهم راضين مطمئنين.. دعاة ستة وبعدهم سبعون آخرون يرسلهم النبي لهداية الناس وتعليمهم أمور دينهم فتطولهم أيدي الكفار وغدر المشركين واليهود.. ويقرر النبي الانتقام لهم.. لتعود هيبة المسلمين في غزوة من أهم الغزوات التي كانت نقطة الفصل في تاريخ الدعوة الإسلامية.
ويستمر اللقاء مع عمرو خالد ليكشف المزيد من فصول السيرة العطرة للرسول الكريم.
الشهداء الستة
ذهبت قبيلة من القبائل المحيطة بالمدينة إلى النبي وطلبت أن يعلمها بمبادئ الإسلام، فأرسل النبي ستة من الصحابة بقيادة مرصد بن أبي المرصد. بعد خروجهم من المدينة كمن لهم الأشرار من هذه القبيلة وغدروا بهم، فألقوا القبض عليهم وقيدوهم ثم أعلنوا أنهم سيبيعونهم لقريش حتى تأخذ ثأرها من محمد في هؤلاء الستة. أثناء تقييدهم تمكن الرجال الستة من الصحابة من الفرار، وقرروا المقاومة ودخلوا في معارك مع الكفار الذين غدروا بهم، فقتل ثلاثة منهم مرصد بن أبي المرصد وبقى ثلاثة على قيد الحياة اضطروا للاستسلام، قتل أحدهم وأخذوا الاثنين الباقين لبيعهما في مكة.
وتبين للكفار أن بين الشهداء رجلاً اسمه عاصم بن ثابت طلبت امرأة من قريش اسمها سلافة بنت سعد رأسه حياً أو ميتاً وقررت مكافأة كبرى لمن يأتي برأسه، لأنه كان قد قتل أولادها في غزوة أحد، وأنها تنوي التمثيل برأسه بأن تفرغها وتحولها إلى كأس تشرب الخمر بها، فيرسل الله النحل والدبابير لتحيط برأس عاصم بن ثابت وكلما اقترب كافر من رأس عاصم بن ثابت لدغته الدبابير "وما يعلم جنود ربك إلا هو". هل أرسل الله جنده متأخرين بعد قتل الصحابة؟
لا لقد أراد الله موتهم لأن للرسالة ثمنها من التضحيات.. "إن الله يدافع عن الذين آمنوا" فقال الكفار بعد أن أفزعهم لدغ الدبابير: اتركوه إلى الليل، فإذا بالمطر يهطل بغزارة قبل المغرب وإذا بالسيل يحمل جثة عاصم بن ثابت إلى الوادي، فلا يعرف له قبر حتى هذه اللحظة.
كيف لا نثق بالله بعد ذلك ونتوكل عليه؟
بعد وصولهم إلى مكة ومعهم الصحابيان الأسيران، يأخذ صفوان بن أمية
الصحابي زيد بن الدثنة ويقول له: بلال قتل أبي أمية بن خلف، لأقتلنك كما قتله، ويظل يطعنه بالخنجر إلى أن قتله.
إسلام ماوية
أما خبيب بن عدى فعندما شرعوا في قتله جاء الشهر الحرام، فحبسوه في بيت أحدهم وربطوه بالحديد، ووضعوه تحت حراسة امرأة من الإماء اسمها ماوية.
تقول ماوية: فكنت أدخل عليه أقدم له الطعام فأجده يأكل من قطف من العنب وما في مكة حبة عنب واحدة وما قدمت له عنباً وأنه لمحبوس "إن الله يدافع عن الذين آمنوا".
ويظل خبيب بن عدى هكذا حتى قرب انتهاء الأشهر الحرام، فأرسل في طلب ماوية فجاءته، فقال لها: هل لك أن تعطيني موساً، قال له: لماذا؟ قال: لأقص الأظافر وأهزب الشارب وأحلق الإبط لألقي ربي وأنا في خير حال.
فأتت له بالموس فبدأ يزين نفسه وهو مكبل بالحديد فأحبه ابنها الصغير وذهب ليجلس على ركبته، تقول: فدخلت عليه فإذا بابني في حجره والموس في يده، ففزعت فزعة عرفها، فقال أتخافين أن أقتله؟ فلم أرد، فقال: ما كان لي أن أفعل ذلك وأنا من أصحاب محمد، ويتركه خبيب بن عدى ويقول له: يا غلام اذهب إلى أمك فأسلمت ماوية لكنها لم تستطع فك أسره، فجاءوا وأخذوه ليقتلوه في التنعيم خارج مكة، علقوه في نخلة وبدأ أبو سفيان يقول: اضربوه بالسهام في يديه وقدميه ولا تقتلوه لنعذبه كما فعلوا بنا.
أول مسلم يصلى ركعتين قبل الموت
يأتيه أبو سفيان من تحته فيقول: اوقفوا السهام، فيوقفونها، فيقوا أبو سفيان: بالله عليك يا خبيب أصدقني القول أتحب أن يكون محمد مكانك الآن وتكون أنت في بيتك لا يمسك شيء؟.. فإذا بخبيب يقول: والله ما أحب أن يكون رسول الله جالساً في بيته تصيبه شوكة وأنا في أهلي، فكيف أن يكون مكاني؟.. فقلب أبو سفيان كفيه وقال: ما رأيت أحداً يحب أحداً محب أصحاب محمد لمحمد.
وسأل بو سفيان خبيب: أتريد شيئاً قبل أن تموت يا خبيب؟.. قال: نعم، قال: وماذا تريد؟ قال: أريد أن أصلى ركعتين، فكان أول من صلى ركعتين قبل الموت، ثم نظر إلى أبي سعفيان بعد أن أفرغ من صلاته سريعاً وقال: والله لولا أن تظنوا أنني أخاف الموت لأطلت في هاتين الركعتين إلى ما شاء الله لي أن أطيل، ولكني فكرت في أنكم ربما تظنون أنني أخاف الموت وأني أحب لقاء الله، فقاموا بتعليقه على النخلة تمهيداً لضربه بالسهام، فنظر إليهم وقال: اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، ومن قوة دعوته وإحساسهم أنه يدعو بحق، انبطحوا على الأرض جميعاً، وكان من بينهم رجل اسمه سعيد بن عامر عينه عمر بن الخطاب والياً على العراق بعد إسلامه، كان سعيد تصيبه رعشة كالصرع ثم يغمى عليه فسأل عمر: ما بك؟ قال: كنت واقفاً يوم دعوة خبيب بن عدى وأصابتني دعوة خبيب، وعندما هم الكفار بقتل خبيب قال شعراً جميلاً: "ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع"
ثم دعا: اللهم إني قد بلغت رسالة رسولك، فبلغ عنا نبيك فإني أحب أن يبلغه مني السلام قبل الموت. فينزل جبريل من السماء:
يا رسول الله خبيب بن عدى يقرئك السلام وسيقتلونه الآن، فيحترق النبي غضباً على القبيلة التي غدرت بصحابته.. لكنه يؤجل رد فعله.
معركة واحدة في الوقت ذاته وفي العام الرابع الهجري جاءت قبيلة أخرى وطلبت مبعوثين إلى قبائل نجد لتعليمهم الإسلام، فأرسل النبي 70 من الصحابة، تم الغدر بهم أيضاً، وبعد قتل السبعين غضب النبي غضباً شديداً وقال: والله كنت متخوفاً عليهم. كانت تجربة بشرية لم يتدخل فيها لمنعه من إرسال الرجال أو تحذيرهم من الغدر المبيت لرجاله، وقتلت قبائل نجد السبعين رجلاً ارضاء لقريش.. أولهم قتل وهو قائدهم حيرام بن منحان حين أدخلوه على الطفيل رئيس هذه القبائل الذي سأله: لماذا جئت؟ ثم غمز لقائد حرسه واسمه جبار بطرف عينه فأرسل جبار حربته في ظهر حيرام لتخترق أحشاءه، فصرخ حيرام بأعلى صوته قائلاً: فزت ورب الكعبة.
فيما بعد أسلم جبار وظل حائراً لا يعرف بماذا فاز حيرام لحظة موته، وظل جبار يسأل حتى وصل إلى النبي فسأله: يا محمد بماذا فاز حيرام؟
فقال له النبي: بالجنة، فقال: وما الجنة؟
فحكي له النبي عن قصور الجنة وأنهارها وما أعده الله للمؤمنين في الجنة، فقال: والله إن رجلاً يموت هذه الميتة ويتذكر هذا الأمر لهو صادق وأنت صادق أشهد أنك رسول الله.
أما باقي السبعين رجلاً من الصحابة فتم ذبحهم فيما عدا رجل اسمه عمرو بن أمية، كان قد ذهب لقضاء حاجة فلما عاد رأى الطير تحوم في السماء، فقال إن لهذه الطير لشأن، أتخوف على أصحابي، وذهب فوجد أن السبعين قتلوا، فعاد إلى النبي فظل النبي شهراً يدعو عليهم في صلاته: "اللهم أشدد عليهم وطئتك".
ثم تنزل آية كريمة: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، فتوقف النبي من الدعاء عليهم بعد نزول هذه الآية.
غدر اليهود
في المدينة كان يهود بني النضير يرسلون مكاتبات لقريش بتفاصيل قوة المسلمين، رغم أن النبي كان يعاملهم كمواطنين في المدينة.
وحدث أن اثنين من المدينة قتلا وليهما دية، فذهب "صلى الله عليه وسلم" إلى اليهود طلباً في مساعدته على دفع الدية، فقالوا نعم يا أبا القاسم، وأوعزوا إلى رجل منهم أن أصعد إلى أعلى البي الذي يقف تحته محمد وأقذف عليه حجراً ليموت ونتخلص منه، فنزل جبريل ليخبر النبي، فقام النبي "صلى الله عليه وسلم" وعاد إلى بيته دون أن خبر من معه "أبو بكر وعمر" فحلق به صاحباه يستفسران عن سبب عودته الفجائية، فحكى لهما ما حدث.
عندما سقطت مكاتبات يهود بني النضير إلى قريش في يد النبي، أرسل لهم محمداً بن مسلمة يقول لهم: أخرجوا من بلدي لا تساكنوني فيها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم شهر ومن بقى منكم بعد الشهر ضربت عنقه.
فقالوا: أنأخذ أموالنا معنا؟ قال: نعم هذا حقكم.
وبدأوا يشترون الإبل ويستأجرونها ليحملوا عليها متاعهم وأموالهم، كان النبي عرف وجهتهم.. إنهم ذاهبون إلى يهود خيبر.
عند خروجهم ذهب إليهم رأس المنافقين عبد الله بن سلام يحرضهم على عدم الخروج من المدينة، ووعدهم بالحماية، فتحصنوا داخل الحصون وقالوا: لن نخرج. فخرج النبي بجيش من الصحابة وحاصر حصون بني النضير 15 يوماً، وأخبرهم بأن الحصار لن يفك حتى يخرجوا من المدينة تاركين ـموالهم وبدون سلاح.
سر توقيت تحريم الخمر
أثناء الحصار تنزل آيات تحريم الخمر.. لماذا نزلت في ذلك التوقيت؟
يقول الله للمسلمين أنهم هزموا في أحد لعدم طاعة النبي، وأنه سيجرب معهم اختبارا للطاعة بتحريم الخمر، في صباح اليوم التالي كانت شوارع المدينة غارقة في أنهار من الخمر المسكوبة.
وتنزل الآية الكريمة:
"فل أنتم منتهون" فصاح عمر بن الخطاب والصحابة: انتهينا يا رب، انتهينا يا رب. وفي اليوم التالي نزلت الآية الكريمة: "وقذف في قلوبهم الرعب" قذف الرعب في قلوب بني النضيرفانهزم جيشهم وانتصر المسلمون.
المصدر:
موقع جود نيوز/إسألوا عمرو خالد/كيف واجه النبي خيانة اليهود؟
التعليقات (0)