مواضيع اليوم

كيف نقرأ الحاضر العربي؟..

جمعة الشاوش

2010-01-04 23:37:08

0


كيف نقرأ الحاضر العربي؟..

تُرى هل لا نملك صنع حاضرنا؟..
هل لا نملك القدرة على صنعه أم أننا أودعنا أقداره ليصنعه لنا الآخرون؟..
قد يكون التساؤل مضلّلا إذا كانت الإجابة المنتظرة تقتضي النفي أو الإيجاب في حين أنّ المنشود هو طرح الحيرة التي تستبدّ بنا في ظلّ قناعتنا بأننا أمة لن تموت،أو فلنقل-والكوارث تتالى علينا،دون هوادة، لتنال من قناعتنا أو تزدري بها،أنّه ثبت استعصاء "الجينة العربية" على الإبادة وذلك على امتداد زمن يناهز القرنين،ردح منه غطاؤه عثماني متآكل ما لبث أن تركنا في العراء لعواصف الغرب وثلوجه التي كادت أن تُجْهز على هويتنا بعد أن فرضت علينا هيمنتها وطقوسها تحت يافطة استعمار لا يُعمّر إنّما يُدمّر...ثمّ حسبنا،ونحن نستقلّ عنه بمقتضى معاهدات استقلال،أننا نملك إرادة المصير المشترك ونقدر على التدثّر بإرثنا الحضاري من غوائل أطماع المتربّصين بنا وبمفاتننا وثرواتنا،بعد دروس بليغة تلقيناها كانت على غاية من الوضوح في الثمن الباهظ الذي دفعناه من أجل استيعابها...
قد نكون استوعبنا الدّرس لكننا لم نتّعظ...هكذا التاريخ دروس ومواعظ، يُكرّر الدّرس بفواجع، غالبا ما تكون أكثر إيلاما لمن لا يتّعظ.
بقياسات الانخراط في صنع التاريخ بقينا نُراوح مكاننا كما لم نفلح منذ تداعي الإمبراطورية العثمانية للسقوط إلى راهننا في إيجاد بديل لإرثها المنسوف نبني على أنقاضه صرحا عربيا جديرا بأن يضاهي الكيانات الأممية المهيمنة أو تلك التي تفرض احترامها ويُقرأ لها حساب في مسلك تسابق القوى للظفر بغنائم العالم المتاحة للقويّ دون الضعيف...ليس ثمّة صرح لكيان عربي تحت أيّ مسمًّى،وما هو ماثل للوجود لا يعدو أن يكون غير كيانات لقبائل عربية فرّطت في فضائل نسيج مجتمعاتها وأبقت على مساوئه مجمّلة بدائيّتها المقيتة بتسميات حديثة من قبيل الدولة والجمهورية والدستور والبرلمان واتحادات إقليمية وجامعة عربية وما شابه ذلك من تغذية للأوهام...وهي تسميات مفروضة للتعامل مع قوى الهيمنة العالمية ومطلوبة لستر عيوب النظام القبلي وقبحه،وهو نظام لا يجوز التباهي به في عصر غير عصره...ومع ذلك فإنّ إفرازات العقلية القبلية التي تحكمنا تأبى أن تختفي عوارضها المرضية فتُطلّ علينا ،من حين لآخر،في هذا البلد العربي أو ذاك تحت عناوين تتلاءم والموضة لتحمل أسماء طائفية أو دينية أو عرقية نُجملها في مصطلح "الإرهاب"،وهو مصطلح مستورد جامع وفضفاض...
هكذا،ونحن نُراوح مكاننا،انقدنا إلى إرثنا القبلي بروحه الجاهلية وبواجهة حداثية بما اعتبرناه واهمين مواتيا للحاضر فإذا الحقيقة تخذلنا وتكشف عاهاتنا بالرغم من كلّ مساحيق التجميل التي نستعملها وننفق من أجل استيرادها ما وهبته لنا الطبيعة من ثروات وخيرات لا فضل لنا فيها غير حظنا الجغرافي...
أجل،إننا لا نملك حاضرنا لأننا نستهلك ما لا ننتج من معارف وعلوم وتكنولوجيات،وما يُخيّل إلينا أننا ننتجه إنما هو هبة الطبيعة لا نحذق الاستفادة منه إلا بتدخل اكتشاف أو إبداع إنساني هو ملك لغيرنا المتفوّق المهيمن...ليس من الإنصاف اتّهام العقل العربي بالغباء ما دام قد أقام الدّليل على ذكائه وتفوّقه في محاضن غير محاضننا،وهو ما يعني أنّ بيئة محاضننا غير ملائمة للإبداع أو أنّه ليست لنا محاضن،أصلا،جديرة بهذه التسمية...لكن،بالنظر إلى تاريخ الشعوب والأمم الحديثة نقف على أمثلة تُبقي لدينا على الأمل قائما في تدارك هذا الخلل،قياسا بالفترة الزمنية المحدودة التي استطاعت فيها جَسْر الهوّة بين تخلّفها وامتلاكها للتفوق المعرفي والتكنولوجي...
والسؤال المطروح على العرب:متى،وكيف؟
لعلّ الأرجح أنّ الجواب يكمن في أنّ الأمم التي تقدر على البقاء حيّة رغم كلّ الهزائم التي تمنى بها والخسائر التي تتكبّدها هي تلك التي تصحو من أوجاعها وأوهامها وعللها وقد انشغلت بما ترى حتميّة معالجته بعقل راجح وروح متوثبة وبصيرة نافذة وحدس ملهم،وهي تلك التي تعي مواعظ التاريخ وتحذق الاستفادة منها وتستمدّ قوّتها،أساسا، من ذاتها،تتصالح مع بيئتها البشرية والطبيعية وترفع عن هويتها ما علق بها من لبس وتكلّس وصدأ دون خجل واستنكاف وارتباك، بمنظورها لا بمنظور الآخر،فما تراه صالحا لها ليس بالضرورة صالح لغيرها والعكس صحيح...على أن تتواصل مع هذا الآخر الذي يُجادلها ويُراوغها على أساس احترامه لهذه الهوية بقدر حرصها على احترام خصوصياته وتبادل المنافع معه...
طبعا التحكم في مسار التاريخ ليس وصفة سحرية مسقطة...وأغلب الظنّ أننا لن نملك حاضرنا وحالنا على ما هي عليه،إلا أنّه بإمكاننا أن نملك مستقبلنا القريب اعتمادا على ما أثبتته هويتنا من صمود رغم شراسة أعدائها وتفوّقهم،ورغم تخاذلنا في الدّفاع عنها ،وربما خيانتها ،ورغم عيوبنا وتشتّتنا وجاهليّتنا...ب
إمكاننا أن نجتاز محنة الحاضر بأضرار غير قاتلة،كما كان شأننا مع محن الأمس القريب التي لم تُجهز علينا ولم تُنه وجودنا كأمّة لها جذور ضاربة في التاريخ ونابضة بالحياة،رغم الإعياء الذي أصابنا وضراوة البطش الذي استهدفنا من الآخر وهو في أوج فتوته وعنفوانه...نحن في الرّبع الأخير من مشوار الصراع فلنحتمل جراحنا النازفة ولنضمّدها بما نملك من قدرة على الصبر والصمود،ولنستعن بالدعاء،وإن لزم الأمر حتى بالتعاويذ، فالأرجح أنها جراح،رغم تعفّنها لن تكون قاتلة.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !