عندما أعلن المستشار فاروق سلطان فوز الدكتور محمد مرسي في منصب رئيس جمهورية مصر العربية، خرجت جموع الفلسطينيين وخصوصاً أبناء الحركات الإسلامية احتفالاً وابتهاجاً في تلك اللحظة التاريخية، واستنفرت الأقلام للحديث عن مستقبل قطاع غزة بعد حكم جماعة الإخوان، وبعد مرور ثلاثة أشهر من حكم الرئيس مرسي كانت الصدمة، حيث شهد قطاع غزة مزيد من الأزمات المتتالية، وشهدت حركة الأنفاق تراجعاً في إدخال السلع الرئيسية لم يشهده القطاع في عصر الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ولسان حال المواطن الغزي يقول: هل خذلنا الرئيس محمد مرسي...؟
الإجابة على هذا السؤال بلا، فلم يخذلنا الرئيس محمد مرسي، لأنه عندما دخل القصر الجمهوري ابتعد مرسي عن العواطف، وعمل ضمن منطق الدولة وليس منطق الجماعة، ويقوم منطق الدولة على مرتكز رئيسي يتمثل في نظرية الأمن القومي المصري، من خلاله تتحدد معالم السياسة الخارجية والداخلية، وخارطة العلاقات الدولية، وما لم نفهمه نحن الفلسطينيون أن الأمن القومي المصري يبدأ من البوابة الشرقية لمصر، ويتجاوز سيناء ليصل إلى فلسطين، وخصوصية سيناء بالنسبة للمصريين يجب أن ندركها نحن الفلسطينيين، فمعظم الغزوات التي استهدفت مصر انطلقت من الشرق (من شبه جزيرة سيناء)، "ويشير جمال حمدان إلى ظاهرةٍ مهمة في جغرافية وتاريخ مصر منذ القدم وحتى الآن، وهى أن الدلتا في الحقيقة مفتوحة ومكشوفة من الشرق، ولذلك فإن السيناريو المفضل لمعظم غزاة مصر عبر العصور هو اختراق سريع لسيناء يؤدى إلى الوصول إلى الدلتا، وتهديد حقيقي للأمن المصري في عقر الدار. ولذلك يصف حمدان طريق سيناء، لا سيما طريق الشمال طريق الفرما، بأنه طريق الغزاة لكثرة ما عبره من جيوش".
وحديث حمدان يدعونا للتأمل في بنود اتفاقية كامب ديفيد، وكيف نجحت إسرائيل في إلزام مصر ببعض البنود التي من شأنها ترك منطقة سيناء مفتوحة ومهمشة...!!!
أما قطاع غزة فتبلغ طول حدوده مع مصر أحد عشر كيلو متراً ، وتربط الشعبين الفلسطيني والمصري علاقات مميزة نابعة من الموروث الثقافي والحضاري والديني، ولكن هذا لا يخفي بعض الهواجس التي لا تخفيها القاهرة وتتحدث بها النخبة السياسية المصرية، وهي:
1- تخوف القاهرة من انفجار ديموغرافي تتسبب به إسرائيل نحو سيناء، وبذلك إحياء مشاريع توطين الفلسطينيين في سيناء.
2- النفوذ الإيراني المتزايد مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والذي ترى فيه مصر تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ولمكانتها ودورها السياسي في المنطقة.
3- الترابط العشائري بين سكان سيناء مع سكان قطاع غزة، وانعكاس ذلك على ولاءات سكان سيناء للهوية المصرية.
4- عشرات الأنفاق المنتشرة بين قطاع غزة ومصر والتي لا يقتصر دورها فقط على تزويد القطاع بحاجياته الإنسانية وإنما تستخدم في بعض الأحيان من قبل البعض لتهديد الأمن القومي المصري.
5- بروز جماعات منحرفة فكرياً في قطاع غزة وسيناء تنتمي لفكر تنظيم القاعدة، واستثمار ذلك من قبل بعض الدول لضرب منظومة الأمن القومي المصري.
6- الدبلوماسية المصرية العريقة تتعامل وفق مبادئ القانون الدولي وضمن الأعراف الدبلوماسية المعروفة، وبذلك تشكل السلطة الفلسطينية بارومتر العلاقات المصرية الفلسطينية، وفي ظل الانقسام تنعدم مصلحة السلطة ورئيسها محمود عباس في البحث مع المصريين لازدهار قطاع غزة في ظل حكم حماس.
وفي قراءة سريعة لتلك الهواجس فأعتقد أن الهاجس الأول رفضه الشعب الفلسطيني في خمسينيات القرن الماضي، وكرر رفضه عندما فتحت الحدود بين غزة والعريش مرتين نتيجة الحصار الخانق، وحينها عاد الغزيون إلى ديارهم بعد أن تزودوا بالحاجيات الإنسانية.
أما هاجس تغلغل إيران في غزة، فهو مبالغ فيه، ويطرح الغزيون سؤالاً لمن يتخوف من الدعم الإيراني لقطاع غزة... ما هو البديل العربي لتلك المساعدات...؟
أما ما يتعلق بالأنفاق فأعتقد أن مبررات وجودها مرتبطة بتلبية احتياجات قطاع غزة من المواد الأساسية، وفي حال فتحت المنطقة التجارية الحرة فوق الأرض، تنتهي تلك المبررات ويجب العمل على ردم كل الأنفاق على طول الحدود.
وفيما يتعلق بتخوف القاهرة من وجود بعض الأفراد أو الحالات التي تنتمي لفكر القاعدة، فإن ازدهار قطاع غزة ومنطقة سيناء أفضل علاج للقضاء على تلك الظواهر الطارئة.
وفي هذا السياق فعلى الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أن تعمل على طمأنة مصر من تلك الهواجس والمخاوف، وان تعمل على انجاز المصالحة الفلسطينية، حتى نساعد الرئيس مرسي لدعم قطاع غزة، وتعزيز صمودها في وجه الاحتلال، وانجاز المشروع الوطني التحرري.
التعليقات (0)