مواضيع اليوم

كيف نحكم الشعوب الثائرة ؟...

جمعة الشاوش

2012-02-02 11:19:18

0


الواقع الجديد الذي فرضته الشعوب الثائرة في العالم العربي أصبح يطرح بإلحاح الاهتداء إلى وصفة ناجعة لحماية ذات الشعوب من انفجار غضبها وكبتها مُدوّيا،مزلزلا،مدمّرا،لا يعرف حدودا لممارسة الفعل الثوري،بعد أن امتلكه،فجأة،فاكتشفه متعة ترقى إلى ذروة الإمتاع والإشباع...
كيف نحكم شعوبا بذات المزاج الثوري ؟
ليس المزاج الثوري الذي تكتسبه الشعوب نتيجة تمرّدها على البائد أو المألوف هو المُنتٍج للفوضى،إنّما الفوضى هي تأكيد لدحْر الاستبداد في ظلّ غياب التّقاليد التي تُنَظّم الحرّيّة،تلك التّقاليد التي أنتجتها الدّول المتحضّرة فيما أسمتْه بالدّيمقراطيّة...
تُحقِّق الثورة أولى أهدافها عندما يتّفق الفرقاء الذين يجمعهم وطن واحد على عدوٍّ مشتركٍ يُطيحون به،وتأتي الفوضى نتيجة عدم الاتّفاق على "اقتسام الغنيمة" ،أيْ غياب قواعد مقنعة،وليست بالضرورة منصفة،على كيفيّة إدارة الشأن العام من أجل ألاّ يشعر أيِّ مضطهَدٍ بالأمس أنّه ظلّ مضطَهَدا إلى اليوم لمُجرّد شعوره بالتهميش أو الإقصاء...
يتزايد منسوب الفوضى بفعل تحرّر الجميع في الوطن الثائر الذي أطاح بالاستبداد...الجميع بمن فيهم راكبو موجة الثورة لاحقا والمتردّدون والجبناء وحتى اللصوص...الجميع يتحوّلون إلى فاعلين في "المزاج الثوري" ليُشكّلوا مشهدا مغايِرا للشعب والوطن.
إنّ فوضى الشارع تقويض لمقوّمات الدّولة التي لا يجب أن تحتلّ السلطة الحاكمة فيها إلاّ موقع المُؤمَّن على إدارة الشأن العام والذي يستدعي،لنجاعة حسن آدائه وفاعليّته،الاستنجاد بالوطنيين من الخبراء والكفاءات المُتمرّسة ذات المصداقيّة والمتمكّنة من فنون التواصل مع الجماهير العريضة...في حين أنّ الشعوب الثائرة التي تشكو فقرا فظيعا في تقاليد ممارسة الحرّيّة تحتاج إلى سَدِّ حاجة فقرها وِفْق قاعِدة التّعاقد على مشروع مجتمعيّ يلقى فيه كلّ طرفٍ نفسه،وتلقى فيه كلّ الأطراف مجتمعة قدرتها على التّفاعل والتّعايُش فيما بينها دون حاجة إلى تدافع وتنازع تحكمه حجّة القوّة والفوضى...والسلطة الحاكمة "الثورية" لا ينبغي لها أن تتوهّم أنها اختزلت الدولة في قيادتها وأنّه لا معنى لها دون تطويع شعبها لإرادتها وخياراتها بل عليها أن تُداوم على الاقتناع بأنها ليست إلاّ إحدى مكوّناتها،بل مكوّنٌ يفقد دوره الدّقيق الاستثنائي وبالتالي مبرّر وجوده إن لم يُوَفَّق بقوة الحجة،لا بحجة القوّة،على التواصل مع خصومه قبل أنصاره،ومع الغاضبين قبل الرّاضين،ومع غير المتفهِّمين قبل المتفهِّمين...ووِفْق ذات التّمشّي يُمكن التأكيد على أنّ السلطة الحاكمة لـ"المزاج الثوري" ليست قادرة ولا مسؤولة،لوحدها،على الحيلولة دون الارتجاجات التي تستهدف الوطن بعد الزلزال الثوري...ذلك أنّ "المزاج الثوري" لا تحكمه سلطة حاكمة بالمفهوم المتعارف،مهما ادّعت الكفاءة والإخلاص والشرعيّة، ولا تحكمه قوانين تسُنُّها حتى إن كانت منصفة(مفهوم الإنصاف في القوانين نسبيّ)،إنّما تحكمه تنظيم قنوات "المزج الثوري" الذي يحتاج إلى عامل الزّمن والوفاق الوطني ليستقرّ تماما كالزلازل التي تفرض لاحقا ارتجاجاتها...

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !