على خلفية أحداث 11 مارس الإرهابية
تصدير:
"أتذكر جيدا كيف أني كنت مارا يوما بحي سيدي مومن في الدار البيضاء سنة 2000، حين صدمت بمنظر الزرائب التي لا تصلح حتى للحيوانات. ويومها قلت لصديق وكاتب مغربي معروف كان معي:
ـ الحرب الأهلية القادمة ستخرج من هنا!
رد عليّ مجفلا:
ـ فال الله ولا فالك. نحن مجتمع يتجه نحو الديمقراطية.
قلت وأنا أشير لتلك الزرائب:
ـ وهذه؟ جزء من هذه الديمقراطية؟!
ـ لا، لا يا سي حمزة، هؤلاء أغنياء ويجمعون الفلوس!
وفي المساء ركبني هاجس حي سيدي مومن مثل كابوس وأعدت الحديث في حي مجاور له هو حي البرنوصي الحديث نوعا ما، في لقاء خاص، أدى إلى غضب سيدة مثقفة جالسة معنا، قائلة:
ـ سي حمزة أنت تبشر بالخراب!
وحين علمت أن جميع الذين شاركوا في تفجيرات الدار البيضاء هم من حي سيدي مومن لم يكن ذلك مفاجأة أبدا.
نحن أحوج ما نكون اليوم، بعد اغتراب عقلي طويل، إلى العودة لدراسة واقعنا كما هو والكف عن التغني بحمامات ساحة السلام السماوي في بكين، والتغني بعصافير الكرملين، وسنونوات هافنا"
نقد العقل الجنسي
الروائي العراقي حمزة الحسن
بعد مرور أربع سنوات تقريبا على تفجيرات السادس عشر من ماي (أيار) بمدينة الدار البيضاء عام 2003، يتعرض المغرب لعمل إرهابي بذات المدينة يوم الحادي عشر من مارس (آذار) الجاري، حيث فجر شخص نفسه بواسطة حزام ناسف بمقهى للإنترنيت بحي سيدي مومن، بينما لاذ الشخص الثاني بالفرار.
فما هو القاسم المشترك بين تفجيرات السادس عشر مايو (أيار) و الحادي عشر مارس (آذار)؟
إن المشترك الأول بينهما هو تنفيذهما أياما بعد احتفالات الشعب المغربي و الأسرة الملكية بعقيقتي كل من ولي العهد مولاي الحسن (8 ماي (أيار) 2003) و الأميرة للاخديجة (28 فبراير (شباط) 2007)، و هذا ما لم تتنبه إليه الصحافة المغربية بعدما ذهبت للحديث عن تزامن العمل الإرهابي الأخير مع تفجيرات قطارات مدريد في 11 آذار (مارس) 2004، الذي خلف حوالي 191 قتيلا وأزيد من 1755 جريحا، وكذلك اختيار الساعة العاشرة والنصف التي تصادف توقيت الهجمات الانتحارية في 16 أيار (مايو) 2003 في الدار البيضاء مما يحتم إعادة قراءة الرسالة الموجهة للمغرب و نظامه قراءة متأنية و عميقة، بعيدا عن الهفوات و الأخطاء التي ارتكبتها نخبنا السياسية في تعاطيها السطحي و المصلحي مع أحداث 16 مايو (أيار) 2003 الإرهابية.
أما المشترك الثاني، فهو انحدار الانتحاريين من نفس الحي الذي تخرج منه انتحاريو تفجيرات 16 مايو الإرهابية؛ حي سيدي مومن بمدينة الدار البيضاء، الذي يقدر عدد سكانه بحوالي 160 ألف نسمة، ما يعادل سكان مدينة مثل سلا، هذا الحي الذي تحتضن أكواخه القصديرية بؤس آلاف المغاربة، مغاربة يفتقدون أبسط شروط الحياة الكريمة، و لعل حيي طوما و السكويلة بسيدي مومن، يقدمان صورة فاضحة لعمق المعاناة اليومية للإنسان المغربي الذي كاد يفقد إحساسه بالانتماء للوطن لولا بطاقة هويته حولته إلى مجرد رقم بسجلات الحالة المدنية و مخافر الشرطة و الإحصاء العام للسكان و السكنى، و حين يضيع الإنسان إحساسه بالانتماء لحضن الوطن يمكن أن يفجر نفسه في وجه نفس هذا الوطن ببرودة دم...
إن الرصد الموضوعي لتلك الهفوات و الأخطاء، يصل بنا إلى الوقوف على حقيقة مرة تتلخص في كون نخبنا السياسية المحسوبة على القوى الوطنية الديمقراطية الحداثية حاولت توظيف الأحداث المؤلمة لخدمة مصالحها الانتخابوية الرخيصة، إذ قبل أن تبدأ التحقيقات وتتضح الصورة بادرت أصوات عديدة من النخبة السياسية المغربية، عبر بعض المنابر الإعلامية، إلى استغلال الأحداث الأليمة لتشويه صورة حزب العدالة والتنمية تحديدا، وترويج خطاب استئصالي ذهب بالبعض إلى حد المطالبة بحل الحزب، واتهام منابر المساجد وأئمتها وخطبائها بالتطرف وإلقاء اللوم على مناهج التربية الإسلامية، فبدا التوظيف الإيديولوجي المغرض للأحداث مفضوحا، وكشف عن انحدار السقف السياسي والفكري لدى بعض النخب، الشيء الذي دفع بحزب العدالة و التنمية إلى التصويت على قانون مكافحة الإرهاب بلا تحفظ، متراجعا عن مواقفه السابقة عندما كان ينتقد القانون ويدعو علنا إلى سحبه من البرلمان أصلا.
أما التعاطي الحكومي مع ما بعد الأحداث، فقد كان أمنيا بامتياز، حيث أوقفت الأجهزة الأمنية المغربية ما يزيد عن الستين خلية خلال السنوات الأخيرة، و على الرغم من ذلك كان المغرب على مشارف أحداث إرهابية بنفس مستوى خطورة السادس عشر من مايو (أيار) 2003، لولا إحباطها من لدن ابن صاحب مقهى الإنترنيت، هذا فضلا عن إصرار حكومي بتجاهل العوامل المساعدة على ارتماء شباب في ربيع عمرهم بين أحضان غول الإرهاب، إذ قال نبيل بنعبد الله وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في تصريح لـصحيفة "المغربية" عقب التفجير "إن الإصلاحات الكبرى، التي انخرط فيها المغرب، والتي تندرج في سياق عصرنة الدولة هي، بالتحديد، التي تُزعج الأوساط الإرهابية".
فكيف نحصن الشخصية الوطنية من تأثير حركات التطرف والإرهاب؟
إن التحصين منآفات حركات التطرف والإرهاب لا يتحقق بالتدابير الزجرية، ولا بقسوة الأحكامالقضائية، بل لا بد من تجفيف ينابيع الإرهاب والتطرف، واجتثاث العنف والإرهابوالعدوانية من جذورها. و لا بد من نشر رسالة التوعية بأخطارها بين فصائل المجتمع. ولا بد من تعبئة المناهج التربوية في جميع مستويات التعليم للتحسيس بهذه الأخطار. ولا بد من أن يقوم الإعلام المستنير المكتوب والمقروء، والمسموع، والمشاهد، بنشرالخطاب المضاد للإرهاب المنير لمزالق حركات التطرف الذي يخبط خبط الأعمى. ولا بد منعقد الندوات التنويرية عبر العالم من لدن جميع الديانات لطرح موضوع التطرف وعواقبهالوخيمة على الاستقرار والأمن المادي والروحي في العالم، لأن جميع الديانات يعششفيها التطرف والغلو، ودخلتها تشريعات بشرية تحض على العنف والقتل والإرهاب، لا فرقفي ذلك بين اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن الذي أدخل هذه المفاهيم الخاطئة لميكن هي الكتب السماوية التي نزلت على موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، بل التحريضعلى القتل جاء على ألسنة وأقلام من أوَّلوا النصوص الدينية على غير حقيقتها منأحبار اليهود، والرهبان المسيحيين، والفقهاء المتطرفين المسلمين.
أما الإرهاب الاجتماعي الذي يتولد عن اليأس والقنوط ويخلق مواطنين من درجة ثانية أوفي أسفل الدرجات، يحسون بأوجاع التفاوت الطبقي ويعانون من سوء الأوضاع الاجتماعيةفلا يعالج إلا بتسريع حركة التنمية المستدامة (والتنمية أنواع منها التنمية الفكريةوالخلقية) وتعبئة الأجدرين بتحمل مسؤوليتها من جميع الفاعلين أفراداً وجماعات،ومنظمات ووكالات دولية، وجمعيات المجتمع المدني الذي يشكل اليوم الرديف المتحركالأول لإصلاح المجتمع بعد القطاع العام.
و أخيراً لا يمكن للتطرف الفكريالاجتماعي أن يجبر على التخلي عن العمل عشوائياً على الساحة السياسية بدون القضاءعلى الفقر الذي قال عنه علي بن أبي طالب: "كاد الفقر أن يكون كفراً". و الكفر أنواع: منه الكفر بالله والكفر بالوطن الذي لا يرعى أبناءه ولا يوفر لهم العيش الرغد فيهذه الدنيا وإلا أصبحوا لا ملاذ لهم إلا اليأس، والاستسلام إلى اليأس وهو إحدىالراحتين.
التعليقات (0)