بعد سبعين يوما تم إنقاذ عمال المنجم في تشيلي .. بعد سبعين يوما سعدت عائلاتهم بلقائهم ..لم يفقدوا الأمل باللقاء .. ولم يفقدوا الأمل بحكومتهم .. التي ربما بنت معهم علاقة مبنية على الثقة المتبادلة ..
بعدما أمضت عائلاتهم الأيام كاملة على أبواب المنجم اللعين .. ينتظرون .. تابعنا على الشاشة عملية الإنقاذ .. والمعدات المستخدمة والتي يقال إنها تستخدم لأول مرة .. وربما لتكون من بعد فاتحة على كل من أغلق عليه باب .. منجم أو غيره ..
كنا نتابع عمليات الإنقاذ على الشاشات .... ونحن ننعم براحة البيت وفنجان القهوة أمامنا .. وبصدق كان ثمة شيء في دواخلنا يتمنى أن تنجح المحاولات ... وشعرنا بثمة رابط يربطنا بالعمال وهم محاصرين داخل المنجم .... وكنا نتابع أخبارهم يوما بيوم منذ أن بدأت الأزمة .... وكان سؤال يتردد ما الذي يربطنا نحن كمسلمين وعرب وأردنيون بهذا الذي يحدث في تشيلي ، ليس هذا فحسب بل ربط العالم معا ؟
ما علاقتنا بما يجري في المنجم وتشيلي ؟
عندما خرج العامل الأول بكبسولته المصممة خصيصا لعملية الإنقاذ ثمة شعور بالراحة والاسترخاء والرضاء .. وكأننا كنا في بوابة المنجم ..
سألتني زوجتي :
ترى لو كانوا عربا وفي بلادنا العربية ترى ماذا كان سيحدث لهم ؟
فأجبتها بدون تردد وبلا أدنى تفكير .. كــــــــــــــــــــــــــــــــــان زمان ماتوا وتم نسيانهم .
اليوم أتذكر ما الذي يدفعني إلى هذا القول ، وما الذي يدفع العربي عموما إلى أن يصل في ثقته بحكوماته العربية إلى هذا الحد من انعدام الثقة .. الأسباب أكثر من أن تحصى ، وللعقل أن يفكر ويتخيل حالنا لو كنا مكانهم ، وما حوادث القطارات والطائرات والسفن وانهيار المباني والإحياء العشوائية عنا ببعيد .
يوم الجمعة : وفي الخطبة وقف الإمام على المنبر وافتتح خطبته بما اعتاد أن يفتتح به من الحمد والثناء والتحذير من العقاب حيث آخر العمر موت وفناء .. فحشر ولقاء وحساب وعقاب
ثم قال :
بالأمس وفي تشيلي تم انقاد عمال المنجم .. بعد سبعين يوما من البقاء تحت الأرض . إلى هنا .
عادة ما تأخذني الغفوة وربما النوم ، في خطبة الجمعة حيث الموضوعات البائسة المكررة .. والتي ربما يحفظها رواد المساجد عن ظهر قلب ..
فيأخذون غفوة تحت تأثير المكيف وهم يسندون ظهورهم إلى الجدار ..اليوم وحالما سمعت المقدمة رفعت رأسي ونظرت صوب الخطيب .. ظننت انه قد تغير .. ولكن المفاجأة انه هو هو الخطيب ذاته ..فتوسمت خطبة متميزة مختلفة عن كل جمعة .. ولكنه ما لبث أن عاد إلى سيرته الأولى والى ما اعتاد عليه من خطب جوفاء .. قليلة العبرة عديمة التأثير ..واخذ الناس نعاس ونوم كالعادة ..
عرج بعد هذه المقدمة إلى :
البعث بعد الموت والحشر بعد البعث .. والحساب والعقاب ..
ففكرت ، ما علاقة المقدمة بالخاتمة .. كان ثمة خيط يربط الحدثين معا ..هؤلاء كانوا تحت الأرض فبعثوا ... من بعثهم ؟؟؟
والناس يوم البعث أموات يبعثهم ربهم ليوم لا ريب فيه ..
وشتان بين الحدثين ..ومقاربة فجة .. وتوصيف اخرق ... لم يخدم الناس .. ولم يخدم خطبة الجمعة التي حملها الخطيب فوق ما تحتمل ، فأثقل على الناس وأطال بلا فائدة تذكر ، في هذا اللقاء ألأسبوعي ، ربما لو كان عند غيرنا لأحسنوا استغلاله بما ينفعهم ويطورهم .
ولم يتطرق الشيخ إلى ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على أنفسنا وعلى بعضنا وعلى الناس ...لم يتطرق إلى حالتنا العربية والإسلامية الواهنة الضعيفة .. لم يحث الآخرين عن الأخذ بالأسباب والعمل بروح الفريق وتحقيق الانجازات ..
لم يتطرق إلى آلاف الضحايا والقتلى على الطرقات وفي المشاريع الإنشائية لأسباب تافهة وبسيطة .. بسبب عدم اتخاذ تدابير الأمن والحماية والسلامة العامة ..لم يتكلم عما نعاني من نقص شديد في القدرات واستغلال المقدرات والثروات .. ولم ينتبه إلى أن أهل تشيلي يعملون تحت الأرض لاستخراج باطنها ليدر خيرا على الناس والمجتمع والدولة ..
وأننا لا نكلف خاطرنا بأخذ ما هو فوق الأرض فكيف بما تحتها . لنبقى في ذيل القافلة ، نلتقط الفتات ونعيش عالة على العالم بكل ما تعني الكلمة من معنى .
لم يتطرق إلى وقوف التشيليين عموما مع المحنة ( كالبنيان المرصوص – يشدون بعضهم بعضا ) أو ( كالجسد الواحد ، حيث أصابتهم محنة العمال جميعا بحمى الألم فتداعى له كلهم ) لم يتطرق إلى وقوف الإنسانية عموما مع المحنة والفرحة التي أصابت قلوب البشر كبشر .. وهم يشاهدون الفرحة على وجوه أهاليهم وذويهم .. ولم يسبر غور الأسباب التي تدفع بالإنسان أن يشعر بأخيه الإنسان ، لان رسالة الدين هي المحبة والسلام ، وليس الكراهية والعدوان وإشاعة الفرقة والحقد .
لم يتطرق إلى وقوف الرئيس في المحنة واستقبالهم كأبطال ..
سلاما على تشيلي ..ولا عزاء لضحايانا في كل ميدان وشارع .. ولا بواكي .
التعليقات (0)