كيف تكتب الإنشاء 
بقلم المعلم : عمر غوراني

1 -الكتابة الإنشائية أو (موضوع الإنشاء) هو الهدف من دراسة كل فروع مادة اللغة العربية ,أو هو التطبيق العملي لهذه الفروع . فنحن ندرس المطالعة والنصوص لكي تنمو مقدرتنا على الكتابة بمعلومات وافرة و أُسلوب فصيح ، ونتعلم القواعد و الإعراب لنكتب بلغة سليمة خالية من الخطأ اللغوي، وهكذا....
 

 2- وحتى أكتب بلغة سليمة ,فإن عليّ ما يلي :
أ- أن يستقر في ذهني أن دراسة القواعد اللغة و الإعراب هي فقط حتى أكتب أو أتحدث من غير خطأ لغوي , وليس القصد منها أن أقول : فاعل ومفعول به , فان العرب قد مضى عليهم دهر طويل قبل أن يعرفوا القواعد ويتعلموها ومع ذلك فقد كانوا يتحدثون أو يكتبون دون خطأ .
ب- أن لا ألتفت إلى القول الخاطيء بأن قواعد اللغة صعبة وغير مفهومة.
ج- أن أتابع درس القواعد باهتمام ولا أتردد في أن أسأل معلمي عمّا لا أفهمه .
د- أن أستفيد مما تعلمته في القواعد في الكتابة . فكثير من الطلاب مثلا يعرفون أن الفاعل يكون مرفوعا , ولكن بعضهم إذا أراد أن يكتب : (جاء زيد ) كتبها بنصب (زيد- جاء زيدا ) وهو يعلم أن (زيد –فاعل )
هـ - الإكثار من قراءة النصوص المشكولة بالحركات , وخير هذه النصوص : القرآن الكريم.
 

 3- و مما يُلحق بالقواعد : الإملاء والترقيم . الإملاء : هو أن تكتب الكلمات كتابة صحيحة . ويمكنك ذلك :ـــ بتركيز الإهتمام- أثناء القراءة - على الكلمات التي يكثرفي كتابتها الخطأ الإملائي , وملاحظتها كيف تكتب؛ مثل الهمزة والألف (المقصورة والممدودة ).
ـــ التدرب على كتابة نصوص الإملاء المقررة لصفوف المرحلة الأساسية.
و الترقيم أو علامات الترقيم , هي : مراعاة بداية الفقرات وعلامات التعجب و الاستفهام والفواصل و الأقواس والنقط...الخ .
ـــ ويمكن إجادة استعمالها الصحيح بالملاحظة أثناء القراءة .
ـــ كما يمكن الرجوع في الإملاء و الترقيم إلى كُتيّبات الإملاء والترقيم ككُتيّب: (الإملاء والترقيم )لأبي رزق المصري .
ـــ كذلك ينبغي الإهتمام بالخط ووضوحه ، بل و تحسينه و تجميله , وذلك بالتدرّب المستمر .

                                     
4- و لكن الكتابة من غير خطأ لغوي لا تكفي و حدها لكتابة موضوع إنشائي جيد . فهناك الأسلوب , وهناك الأفكار، و الفصاحة و البلاغة كذلك.
 

 5- أمّا الأسلوب , فهو :الطريقة التي أعبر فيها عن أفكاري و مشاعري .
ـــ ومكانة الأسلوب من الأفكار كمكانة الثياب من الإنسان . فإذا كان الإنسان عاقلا صالحاً و لكن ثيابه متسخة ممزقة , فان ذلك يُنقص من شأنه في أعين الناس. . كذلك إذا كانت الأفكار صحيحة وعميقة ومتعددة ولكن الأسلوب غير مناسب فان ذلك ينقص من قدرها .
ـــ إن أسلوب النثر غير أسلوب الشعر , و المقالة غير الرسالة , و الخطبة غير القصة, والمقالة العلمية غير الأدبية , وهكذا ...
ـــ والموضوع الذي يحتاج إلى أسلوب المقالة الأدبية مثلا كوصف الطبيعة في فصل ما , من الخطأ أن نكتبه بأسلوب المقالة العلمية ؛ فإذا أراد الكاتب أن يصف الطبيعة في الشتاء ,فله أن يصف هطول الأمطار و غزارتها و جريان الوديان بالسيول , و حال السابلة (المارّة (حاملين المظلات يهرولون وصوت المياه تشقع في الميازيب (المزاريب) في ليالي الشتاء . ولكنه يخطىء إذا أخذ خلال ذلك الوصف بشرح ظاهر الضباب و السبب في تكونه؛ لأن ذلك ممكن في مقالة عملية وليست أدبية .
ـــ و في مقالة بعنوان : (علوم العرب و أثرها في نهضة أوروبا ) يريد الكاتب أن يبين فضل العرب العظيم على أوروبا في العلوم المختلفة، و التي أدت إلى ظهور نهضة أوروبا الحديثة. فيختار لمقالته الأسلوب الهادىء العقلاني الذي يعتمد على بيان الحق بالأدلة العلمية . أما عبد الرحمن الكواكبي في مقالة له بعنوان (ارفعوا رؤوسكم ) فهو لا يريد إثبات حق بالأدلة العقلية ,فهو يعلم أن الشعب الذي يخاطبه يدرك أنه مظلوم و أن الحكام فيه ظالمون , ولكنه يريد أن يحرّضهم ويثيرهم ضد هذا الظلم ليتحرروا منه . فهل هذا يناسبه الأسلوب الهاديء و الأدلة العقلية ؟ لذلك وجدنا الكاتب يحرّض الشعب بأسلوب مناسب ؛ يستثير العاطفة , ويهيّج المشاعر , و يوبّخ بقوة , ويسخر من الراضين بالظلم .

 6- و أمّا الأفكار العقلية و المشاعر القلبية، فهي :المعاني و الأحاسيس التي تجول في الفكر و النفس حول موضوع أو شيء ما .
ـــ و هذه الأفكار و المشاعر التي يريد الكاتب التعبير عنها هي الأصل بل الروح في كتابة الإنشاء .
ـــ و الحكم على جودة الأفكار أو عدم جودتها يأتي من نواح ثلاث :
أ- صلاحها أو فسادها ؛ فإذا طـُُلب من أحدنا أن يكتب موضوعا إنشائيا عن: (الحياة المدرسية ) و قال من جملة أفكاره : (أن العلاقة التي يجب أن تكون بين الطلاب مع بعضهم هي علاقة القوة - وليس المحبة- حتى يُثبت الطالب سلطته وقوة شخصيته ) قلنا : إنَّ هذه فكرة فاسدة خاطئة و غير صالحة.
ب – عمقها : فإذا كتب صاحب موضوع (الحياة المدرسية) فكرة تقول : (إن العلاقة فيما بين الطلاب يجب أن تكون جيدة) و لم يزد على ذلك، قلنا : إن هذه الفكرة سطحية وليست عميقة ,مع أنها صحيحة , لأن الكل يعرف هذه الفكرة . و لكن فكرته تكون عميقة عندما يتحدث بعد ذلك عن الأسباب و الأشياء التي تجعل علاقة الطلاب فيما بينهم جيدة و يبحثها بطريقة تدل على حكمة و تعقل و سداد .
ج- تعددها :و لو أن صاحب الموضوع المذكور كتب فكرته هذه و عالجها بعمق و لم يزد عليها ، قلنا : إن موضوعه اقتصر على فكرة واحدة . و لكن موضوعه يكون جيدا إذا كان في موضوعه أفكار كثيرة ، حيث في فكرة ثانية يعالج موضوع علاقة الطلاب بمعلميهم،و ثالثة: اهتماماهم بنظافة مدرستهم و ترتيبها ، و رابعة: اهتمامهم بالحياة الثقافية ، و خامسة : الحديث عن الرحلات المدرسية و ما ينبغي أن يكون فيها ..الخ.
ـــ و مما ينبغي التنبُّه إليه - في الأفكار- أمران:
1)الإبتعاد عن التكرار : و هو إعادة الحديث في معنى أو فكرة سبق الكلام فيها ، من غير داع ٍ لذلك
2)تناسق الأفكار :بحيث تبدأ الفكرة الثانية من حيث تنتهي الأولى ، و يكون الترابط فيما بين الأفكار بصورة منطقية .

                              
7- الفصاحة و البلاغة : و هي أن تكتب أو تتكلم بعبارات فيها الجمال و القوة، و أن تكون بعيدة عن الضعف و الركاكة .
و تكون الجملة فصيحة و بليغة، إذا جاءت:
ـــ مطابقة للمعنى الذي تريد التعبير عنه . فتكون الجملة واضحة المعنى ومفهومة ، من غير زيادة أو نقصان ، و أن تكون كلماتها كذلك موافقة للمعنى المراد .
و الكلمات كذلك يجب أن تكون فصيحة :
ـــ فلا تكون عامية ولا من المتداول بكثرة ؛ فلا تقل مثلا : ( أخذ المزارع يبحش جورة ) لأنها عاميّة ، بل قل : (يحفر حفرة )، و لا تقل( فلان رجل ايجابي ) و لكن قل : (رجل فعّال )لان (ايجابي ) مستعملة كثيرا. ـــ كذلك ضرورة البعد عن الألفاظ الغريبة ، فلا تقل مثلا : ( ماء نقاخ – أي عذب ) أو (عجوز دردبيس – أي : كبيرة ٌ فانية ).

و من الفصاحة و البلاغة : استعمال التشبيه و التمثيل أحيانا ، كأن تقول : بستان كأنه الجنة ، و وجه كأنه القمر ، و رجل مثل الأسد ... الخ .

                                 
8- و إذا أردت ذلك كله :الفصاحة و البلاغة و الأسلوب و الأفكار و حتى سلامة اللغة ، فعليك بكثرة المطالعة في الكتب النافعة المتنوعة، و على رأسها : القرآن الكريم، فهو معجزة الفصاحة و البلاغة!

                               
9- إنّ من أسوأ الأمور في كتابة الإنشاء أن يعتمد الطالب على غيره في ذلك ،لأن الإنشاء - و كما هو ظاهر من اسمه - هو من إبداعك أنت لا إبداع غيرك . و إنّ في ذلك غشاً لنفسك و خداعاً لها .
ـــ أما تقليد أسلوب كاتب أُعجبت به ، أو الإستفادة من أفكار درس يتحدث عن الموضوع الذي تكتب فيه فلا بأس في ذلك ، شرط أن لا يكون نقلا حرفيا.

                       
10- إن التدرب المستمر على كتابة الإنشاء بموضوعات يكلف بها المعلم ، و موضوعات أخرى يختارها الطالب بنفسه و يكتب فيها نشاطا منه ، هي - بالإضافة إلى ما تقدم - أفضل ضامن لكتابة موضوع إنشائي رائع ، و بأفضل علامة؛ لأن الممارسة هي الكفيل -بعد مشيئة الله - بالنجاح في أي عمل .
 

القدس
عاصمة الثقافة العربية ..
الحدث و المأساة !
بقلم المعلم : عمر غوراني
كتب الموضوع نموذجاً تطبيقياً إنشائيا ،بمناسبة إعلان الجامعة العربية القدس عاصمة للثقافة العربية، و إنهاء جيش الاحتلال للفعاليات المزمعة قسرا و عُنوة ، منذ البدايات الاحتفالية الأولى ..

أوّاه يا قدس، وإيه يا زهرة المدائن !يا قدس الأقداس،ويا زينة العواصم. يا مدينة الحمائم البيض،ويا مدينة السلام ..
أواه يا قدس، يا مدينه الله الحرام ،أين منك السلام الآن،وقد جُعلتِ للناس مثابة وأمنا ...؟ أجل ، أين السلام ..بعدما حل بك شرّ البرية ؛أولئك الذين غضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير .

ها هم أولاء اليوم يدنسون قدس أقداسك .. ويزعمونك لهم حقاً تاريخيا ً، ووطناً ، وعاصمة أبدية..!
حق تاريخي؟ ومن أين هذا الحقّ ؟ وقد سكنك، أولَ من سكنك، أجدادي العرب الكنعانيون،ثم أبناؤهم اليبوسيون ، ثم أحفادهم الفلسطينيون؟ أليس في التوراة التي بين أيديهم اليوم دليل على كذب زعمهم التاريخي؟ أليس في سفر التكوين خطاب الله لإبراهيم : " وتدخل أرض كنعان ..." أليس في التوراة التي بين أيديهم اليوم إذن دليل على أنها أرض كنعان قبل إبراهيم؟ وهل " كان إبراهيم يهودياً أو نصرانياً" ؟! وداود وابنه سليمان عليهما السلام ، ألايبرأان إلى الله من هؤلاء القوم ، وقد نسبوا إليهما في التوراة- بزعمهم - عبادة الأصنام والزنا والفسق،وهما اللذان ما أرسلهما الله تعالى ولا أمرا إلاّ بالتوحيد والطهر والحق؟!
ولكن هل يعطي هذا لأتباع داود وسليمان - وليسوا من أتباعهما- حقاً في فلسطين والقدس وطناً قومياً؟! وهل لكل مسلم في الدنيا؛ ما بين القطبين و المحيطين، وطنٌ قوميٌ في جزيرة العرب أو مكة؟! وخرافة الهيكل المزعومة، ألم يسّخر لها اليهود لأكثر من أربعين عاماً كلّ ما أوتوا، فلم يعثروا على شيء مما يزعمون؟
لقد ضرب الصهاينة بكل هذا عُرض الحائط ، واستبدلوا منطق القوّة بقوّة المنطق، واستعانوا على هذا الباطل بقوى الشرّ والاستكبار العالمي . وشرعوا منذ عام 1948 (ألفٍ وتسعمائةٍ وثمانيةٍ وأربعين) يَنقصون القدس وفلسطين من أطرافها؛ شيئاً فشيئاَ. .
وحين أرادت جامعة العرب - وحُقّ لها- أن تجعل هذا العام 2009 من القدس عاصمة للثقافة العربية، لكي تلفت نظر العرب والمسلمين وبني الإنسان إلى القدس ومكانتها وتاريخها، جُنّ جنون الصهاينة، وأخذوا يُرعدون ويُزبدون ويُهددون.
وما إن بدأت أولى الفعاليات الإحتفالية، حتى داهمت عساكرهم الهمجية هذه الفعاليات منعاً وضرباً وإتلافاً، مُذكـّــرين بهولاكو وما فعل في بغداد وأهلها وكتبها وثقافتها.. إنه التاريخ يعيد نفسه! هؤلاء الصهاينة، وأعوانهم الأمريكان الذين يدّعون الإنتصار للحريات وحقوق الإنسان ،لِمَ يمنعون مهرجانات وفعاليات أعلنت عن نفسها أنها لن تكون إلا ثقافية،محض ثقافية؟ أين الحريات يا أمريكا، وأين حقوق الإنسان؟ أوَليس في هذا دليل على خوف الصهاينة من الثقافة؟ لأن الثقافة ستفضح حقهم التاريخي المزعوم؟ وأنهم إنما يستندون إلى منطق القوّة، لا إلى قوة المنطق؟

أليس عجيباً، أن الجامعة العربية الممثّّلة لأمّةٍ من المحيط إلى الخليج، تصدر قراراَ بجعل القدس عاصمةً للثقافة العربية، ثم تعجز عن حماية قرارها.. ؟ لقد داس الصهاينة كرامة الأمة جمعاء حين داست جنودها هذا القرار بصورةٍ مهينة، بل حين وطئت أقدامهم أرض القدس أول مرّة ..! أليس عجيباً ذلك الأمر، واليهود أمة قال فيها أصدق القائلين: (ضُربت عليهم الذّلة والمسكنة...) ؟

ولكنه الوَهَن .. الذي أصاب الأمة؛حب الدنيا وكراهية الموت ! لكنَّ الغضب الساطع آتٍ .. وسيأتي ذلك اليوم، الذي يتبّرُ فيه جند الحقّ ما عَلوْا تتبيرا.. وتشرق الأرض؛ أرض القدس بنور ربها، و(يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله...)