على ضوء إعلان ممثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ناصر أبا الخيل عن تقديم مكافآت لكل من يؤدي اجتهاده لكشف حالة فساد ! أرى أن مستقبل الهيئة سيكون تقليديا ولن يختلف عن الهيئات الأخرى ٠للأسباب التالية :
أولا : هذا الإعلان أو الخبر اعتقد أنه يشير إلى توجه إلهيئة إلى مسايرة ذلك الواقع الذي يتمنى كل مواطن أن يزول ، وهو الإعتماد على النظام القائم في لوائح المراقبة والذي لا يؤدي إلا إلى "أصطياد" الضعفاء من الفاسدين ماليا وإداريا ، أما الأقوياء أو الكبار فلا رادع لهم ، وهو الهلاك ٠ (( إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ . وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ . وأيْمُ الله ، لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )) ، فمن المعروف أن المواطن لا يستطيع الإبلاغ وتوثيق السرقات التي تضعف وتحد من التأثير الإيجابي لمشروعات الدولة ذات النفقات التي تبلغ مئات المليارات من الريالات . ولن يزيد دور المواطن في هذا المجال عن صغار الموظفين وبعض المخالفات الصغيرة بغض النظر عن المكافآت فهي لا تساوي شيئا لدى الكثيرين مع رغبتهم في القضاء على الفساد أو الحد منه ٠
وفي الوقت نفسه ربما تنوي الهيئة تطبيق مبدأ "الشمولية" ولذلك اعتقد أنه ينبغي على الهيئة إعلان آلياتها وإجراءاتها في كشف الفساد ومعاقبة المفسدين ليكون الأمر واضحا للجميع فلا يدع مجالا للتكهنات ! وأن تقوم بتوضيح مفهوم الفساد المالي والإداري ، وأن يكون الفساد الإقتصادي جزءا لا يتجزأ من الفساد بمفهومه الشامل ، وأن تضمن الهيئة نفسها من الفساد أو أن تضع له عوائق وإجراءات صارمة تحد من تأثيره السلبي على أدائها لمهامها الموكلة إليها من الملك حفظه الله ٠
ثانيا : من المؤكد - وهذا ما يعكس إلى الآن نظرة المواطن للهيئة والنتائج التي ستؤول إليها ممارستها لعملها ومهامها - أن الهيئة لن تخرج عن مسار الهيئات الأخرى السابقة كهيئة الرقابة وحماية المستهلك وهو الفشل الذريع في الحد من الفساد بكل أنماطه ما لم يتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية ، وما لم يكن كل شيء يضر بصحة المواطن ومعيشته ودخله ومسكنه وحقوقه وبيئته ، وكل ما يخدعه ويزيف وعيه سواء من المسؤولين أو من المنافقين ، كل ما يعيق استفادته من مشروعات التنمية الشاملة بشكل مباشر أو غير مباشر ، ويحول دون تنفيذ قرارات صاحب القرار ، هو فساد ٠
وما لم ( يدعم ) عمل الهيئة بما يلي فلن تحقق شيئا ذا قيمة :
١ - الغاء ، أو القضاء ، أو منع ، الإحتكار بكل أشكاله في السوق العقارية ، وضرب "المضاربات" بنظام يحقق مبدأ العرض والطلب الحقيقي ويجعل أسعار العقار في متناول ذوي الدخول المحدودة ، وكذلك في سوق الإستيراد والتصدير ، وإلغاء العمل بنظام "الوكالات" ومنع الشركات المصنعة الأجنبية من أعتمادها على وكيل واحد هو المورد وهو المسوق وهو المحتكر لخدمات ما بعد البيع والصيانة ، وإلزامهم بنظام السوق المفتوح ٠ وهذا الإجراء من شأنه أن يحد من سلبية احتكار ما يعرف بوكالات السيارات ( على سبيل المثال لا الحصر ) حيث لكل نوع تقريبا من أنواع السيارات "وكيل" واحد يتحكم في أسعار البيع والصيانة ، وهو الأمر الذي يمنحه فرصة لرفع سقف أرباحه كلما أرتفعت كلفة الإنتاج بما يعادل أضعاف مفتوحة لنسبة الزيادة في الكلفة النهائية ٠
٢ - إلغاء العمل بنظام ما يعرف بعقود الباطن ، وإلزام المقاول الرئيس بتنفيذ المشروع بأمكاناته الخاصة وعمالته وآلياته ، بعد التأكد من كفاءته وقدرته على التنفيذ بالصيغة والوقت المحددين ٠٠
٣ - إلغاء العمل بمنهج ( الستر !) واستبداله بنظام التشهير أيا كانت "الشخصية" المخالفة ٠٠ فرد أو أو مؤسسة أو شركة أو جهة حكومية ، وأيا كانت مكانة المخالف الاجتماعية !!
٤ - إقرار مبدأ المحاسبة والمساءلة والشفافية والعمل بنظام "من أين لك هذا" !
٥ - تطوير أو تعديل كل الأنظمة التي تجعل المواطن يكون مضطرا للبحث عن مرتشي أو "واسطة"
٦ - منح المواطن الثقة في مشاركته الوطنية لكشف الفساد ونشر الوعي بأهمية دوره في ذلك وتحديدا في مجال السلع الاستهلاكية المخالفة التي قد تنفذ إلى سوق البيع النهائي ٠
تركي سليم الأكلبي
التعليقات (0)