مواضيع اليوم

كيف تغترب اللغة العربية في وطنها العربي

شريف هزاع

2011-02-22 09:33:09

0


كتب الأستاذ محمد بن سعيد الفطيسي مقالا بعنوان  حين تغترب اللغة العربية في وطنها نورده في هذه المدونة احتفاء باليوم العالمي للغة الأم، حيث تعيش اللغة العربية على مكزيد من تنكر أهلها لها، في وقت تزداد شعوب العالم تمسكا بلغة عدد متكلميها ضيف جدا، وجاء في هذه المقالة:

يقول مصطفى صادق الرافعي: ( إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة، كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية، وانسلاخ الأمة من تاريخها ) فالأمة التي تقبل على نفسها ان تتخلى بطريقة او بأخرى عن لغتها، لتصبح تلك اللغة لغة بديلة، او لغة ثانية في حياتها وممارساتها الحياتية اليومية، هي أمة أعلنت إفلاسها الثقافي وموت هويتها القومية، بل وقبلت على نفسها حياة التردي والانحطاط الحضاري والتاريخي.

ولذلك كانت اللغة دائما، بالنسبة لأي امة في التاريخ، بمثابة الرئة التي تتنفس من خلالها الهواء النقي الصافي، والقلب الذي يضخ دماء الحياة والبقاء الى شرايينها، واللسان الذي تعبر به عن نفسها وكيانها وهويتها، وتتميز به عن بقية الأمم والشعوب، فكيف لجسد ان يعيش، وقد فقد قلبه ورئته ولسانه ؟ - وبمعنى آخر– ان من أهم وابرز ( سمات الأمم المتقدمة التي تسعى لترويج حضارتها، أن تكون لديها في أول بنودها الاعتزاز بلغتها، كرمز للهوية التي ابرز ما يمثلها حق التمثيل هو، صمود اللغة وترويجها لمن يراد لهم استيعاب حضارتها، سواء كان المراد ترويجه سلعه أو أفكرة أو خدمة، ومن المهم جداً عند أصحاب المشروع الحضاري، هو نشر أحد تلك الثلاثة السابقة مربوطاً بعامل اللغة ).

ولكن ها نحن اليوم أبناء لغة الضاد، ان كنا حقا نستحق ان يطلق علينا شرف هذه التسمية العظيمة، نعيش مرحلة – وللأسف الشديد – هي من أسوا وأحلك مراحل التراجع الحضاري، والتمثيل الاممي الذي مر بالأمة الإسلامية وقلبها العربي، مرحلة تمثل التراجع التاريخي لأمة كانت ولازالت وستظل خير امة أخرجت للناس، مرحلة فقدت فيها الأمة أهم ركائز نهضتها وهويتها وبناءها الحضاري، ونقصد – تراجع اللغة العربية – ومكانتها ودورها الثقافي المنوط بها، لتحل مكانها لغات أجنبية أخرى دخيلة، تحت شعارات وأسباب غريبة جدا، كلغة العصر المتداول، وضرورة التواصل مع الآخر في التكنولوجيا وغيرها من ضرورات الحياة بتلك اللغات، كأساس للتواصل الحضاري والثقافي والتكنولوجي، وإنها اللغات الرسمية والأساسية المتعارف عليها دوليا.

نعم... هي كذلك، حين تحولنا، او حولنا حضاريا وثقافيا الى توابع وأذناب للمستعمر الأجنبي الثقافي القذر، تقتادنا وراءها حضارات وأمم وشعوب، كانت في يوم من الأيام تنهل من حضارة الإسلام، بل ولا زالت الى يومنا هذا تترجم سنويا الآلاف من أمهات الكتب والمجلدات الإسلامية والعربية في مختلف المجالات ونواحي الحياة، بل وتغرق مكتباتها بتلك الكتب الى يومنا هذا، لأنها تعرف قيمة ومكانة الكتب الإسلامية والعربية في مختلف العلوم، في وقت فقد فيه العرب ذاكرتهم عن ذلك او افقدوها، فلم يعد أمامهم غير موائد الطعام ومواطن اللهو ليلتفتوا إليها، فماذا حدث ؟ وما هي الأسباب التي أدت الى ان نصل الى هذا الوضع المزري بلغتنا العربية ؟ لدرجة ان تهمش بهذه الدرجة المخجلة والمخزية في وطنها ومهدها، لتصبح اللغة الثانية في التجارة والثقافة والسياسة والأدب.

ماذا حدث ليخرج علينا من المتشدقين والمتفيهقين والمتزندقين والمدعين للثقافة من المرتزقة والعملاء والخونة لدينهم وعروبتهم ولغتهم العربية، من يدعي بغير علم ومعرفة، بأنها لا تصلح – أي - اللغة العربية، لغة الإسلام ولغة القران، لعصر التقدم العلمي والانفتاح الحضاري والتكنولوجي والعولمة العابرة للقارات، بل ويخرج العديد من أبناء جلدتنا العربية المبغضين لها ليقول : ( إن اللغة العربية الفصحى لغة وافدة إلى بلاد كانت تتكلم لغة أخرى على امتداد زمن يقاس بآلاف السنين، والذين تعلَّموا الفصحى مهما بلغت تجلياتهم الإبداعية من ذروات فإن القيمة الجدلية لإبداعهم تظل محدودة جداً حسب ضيق رقعة القراء إن الإبداع الذي حملته الفصحى، إنما هو إبداع فئة أو طائفة من المثقفين، أما الإبداع في العامية فإنه إبداع شعب كامل، إن المواطن يمارس حياته بالعامية. بل يأكل ويشرب ويحلم ويتوجع ويتأوه بها، أي إنها حاملة لكل همومه وطموحاته وأحلامه وهي العامية الأقدر والأبلغ في التعبير عنها وعنه )، في وقت يشهد لها فيه علماء وفلاسفة وأساتذة الغرب بالكمال والعصرنة والاستمرارية الحضارية، فهذا الفرنسي إرنست رينان يقول : ان اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، كما يقول الألماني فريتاغ : ان اللغة العربية أغنى لغات العالم، ويقول وليم ورك : إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر.

ان للغة مكانة خاصة في نفوس وعقول من يعرف أهميتها الحضارية ودورها الذي تلعبه في ترسيخ مكانة الأمة وهويتها القومية والوطنية، وفي هذا السياق يقول الدكتور شاكر النابلسي في كتابه " الزمن المالح "، انه قبل الاستقلال الهندي، كان المهاتما غاندي في ذلك الوقت يبحث عن الهوية القومية للهند، فوقف مرة، وقال: ( ليس من المؤلم ان استعمل اللغة الانجليزية، كأداة للتعبير، حين أريد ان اذهب للمحكمة، وانه يتحتم على لكي أمارس المحاماة ان تترجم لغتي الوطنية الى اللغة الانجليزية)، ويواصل النابلسي قوله : بان التشبث باللغة هو كالتشبث بثدي الأم، فهذا الثدي هو وحده الذي يستطيع ان يمنح كل واحد منا اللبن الوطني، والغذاء القومي.

فمن نلوم اليوم، وقد فرضت علينا ممارسات ثقافية وأدبية وعلمية وأكاديمية بلغات أجنبية دخيلة ؟ من نلوم ونحن ندفع بأطفالنا – مستقبل الأمة - ليل نهار، بالتخلي عن اللغة العربية بطريقة او بأخرى، وذلك من خلال الاهتمام البالغ بتدريسهم اللغات الأجنبية المختلفة، وهم و- للأسف الشديد - حتى لا يعرفون النطق والكتابة باللغة العربية حتى مراحل تعليمية متقدمة، بل ويتلعثمون حتى في لهجتهم الدارجة المحلية، لتغلب عليهم في كثير من دولنا العربية، وتحديدا الخليجية، الكلمات الهندية والانجليزية وغيرها من اللغات واللهجات الأجنبية الدخيلة، من نلوم على فرض التعليم باللغات الأجنبية في جامعاتنا وكلياتنا العربية ؟ متناسين خطر ذلك على مستقبل الأجيال العربية القادمة، بل وخطر ذلك على هويتهم العربية والقومية وحتى الوطنية.

نعم، ان اللغة العربية اليوم تواجه بسبب قوانين التعليم وسياساته الغربية في دولنا العربية، والتي لا تشجع – وللأسف الشديد- في جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية والثقافية على التعليم باللغة العربية محنة خطيرة، ستنعكس سلبا على الأجيال القادمة، في وقت يتصور فيه النخبة والصفوة منا، وهم المتنكرون أصلا للغتهم العربية العظيمة من خلال ممارساتهم اليومية الثقافية منها والسياسية، بأنهم يساهمون في تطوير التعليم، وبناء أجيال عربية وطنية قوية، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، فهم بذلك يساهمون في انسلاخ الأجيال العربية عن لغتها الحضارية والعقائدية، وبالتالي هويتها ووطنيتها، وفي هذا السياق يقول الراهب الفرنسي غريغوار: (إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة الفرنسية يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية ؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين).

ان العالم اليوم يشهد ثورة نهضوية وتوعوية لم يشهد لها مثيل من قبل، وذلك بهدف تشجيع تعلم اللغة الرسمية لبلدانهم وذلك في التعليم والسياسة والثقافة ووو الخ، فنجد التعليم في الصين باللغة الصينية البحتة، وفي روسيا بالروسية، وفي انجلترا بالانجليزية، وفي إسرائيل بالعبرية، حتى ان الطلاب العرب الذين يدرسون في إسرائيل يدرسون باللغة العبرية، فهل وعت دولنا العربية، والقائمين على سياسات التعليم والتثقيف فيها الى ذلك ؟ وهل هذا ما تفعله مؤسساتنا التعليمة الأكاديمية والثقافية في دولنا العربية اليوم ؟ - ونحن هنا - لا نطالب بالامتناع المطلق عن التعليم باللغات الأجنبية، فلذلك أهمية بالغة وضرورية في التواصل والفهم والمعرفة والأمن الثقافي والمعرفي بين الأمم والشعوب، ولكن – بشرط - ان لا تكون تلك اللغات الأجنبية الدخيلة هي أساس التعليم والثقافة والأدب المنهجي في عالمنا العربي بالمطلق كما هو اليوم، فتهمش اللغة العربية تحت طائلة أنها لا تصلح إلا للدين والشعر – كما يدعي بعض الجهلة – الهادفين الى ( زحزحة الفصحى عن طريق أهدافهم التي يأتي في مقدمتها خلخلة وحدة الأمة العربية، وبلبلة الانتماء الثقافي وخلط الأوراق وطرح خيارات بديلة، منها العاميات العربية ومنها لغات الأقليات الموجودة ولهجاتها ).

نعم... ان دولنا العربية اليوم مطالبة بإعادة تحديد أولوياتها القومية الثقافية والأدبية والعلمية وسياساتها التعليمية المستقبلية، والنظر بعين المتفحص لما يمكن ان يتسبب به تجاهل وتهميش اللغة العربية في المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية والعلمية وحتى الحياة العامة، وبالتالي انعكاس ذلك على الأمن القومي والوطني العربي وحتى القطري، وما قد يترتب عليه من انسلاخ الأجيال القادمة عن عقيدتها وتمسكها بدينها وعروبتها وأوطانها، لذا وجب التنبيه الى الآتي:

أولا : ضرورة تطوير اللغة العربية وتحريرها من أشكالها القديمة التي ظلت عليها منذ قرون لتواكب العصر الرقمي والتكنولوجي، وذلك من خلال عملية " رقمنتها " ووضع معجم إلكتروني عربي والعمل على زيادة المحتوى العربي على الإنترنت والذي لا يتجاوز حتى الآن ما نسبته 1% من المحتوى العالمي، بحسب العديد من الخبراء.

ثانيا : إعادة إحياء مشاريع وبرامج التعريب " الترجمة " من اللغات الأجنبية الى اللغة العربية والعكس، مع أهمية تشجيع دور النشر والترجمة العربية على ذلك، وهو ما من شانه تأكيد الذات الوطنية والقومية للعلم واللغة على حد سواء.

ثالثا : ضرورة الإسراع في إنشاء مكتبة عربية قومية مشتركة، تحتوي على ذخائر الثقافة والأدب العربي في مختلف المجالات، شبيهة بالمكتبات الدولية كمكتبة الكونجرس وغيرها، بشرط ان تكون مجانية للقراءة ومتاحة للجميع على شبكة الانترنت.

رابعا : توظيف المادة الإعلامية في تعليم العربية الفصيحة البسيطة عن طريق الاستعانة بالمواد الإعلامية كالبرامج والأغاني والمقالات وغيرها.

خامسا : ضرورة إعادة التفكير بشكل جدي وعلمي في سياسات التعليم في عالمنا العربي التي تهمش اللغة العربية في المناهج التعليمية، وفي مختلف المراحل العلمية لطالب العلم من الروضة الى ما بعد التعليم الجامعي، وما قد يترتب عليه ذلك من مخاطر وانعكاسات مستقبلية سياسية وثقافية واجتماعية على الأجيال الناشئة في وطننا العربي، بداية بفقد الهوية والوطنية ومرورا بتناسي لغة العقيدة والقران الكريم، وليس انتهاء بانبهار وانجرار تلك الأجيال الى براثن المستعمر الثقافي، وبالتالي انهيار منظومة الأمن الثقافي العربي.

عن موقع صرح الإسلام




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات