قصيدة للشاعر اللبناني/ شوقي بذيع
الآن أدرك كم من الكلمات يلزمني بين غادة والصنوبر،
حين أقول غادة ولا أحدد ولم يحدث لعاشقة سواها
بيضاء،
يكفي أن أشير إلى العناقيد الصغيرة
لأفهم هذه الروح المريرة،
كم من الأيدي
لأحضن ذلك الجسد البعيد
وكم سنة على الأنهار أن تجري
لتبلغ قطرة مما بلغت
وتشهد الجسدي والروحي
يلتقيان في نصف المسافة
قد يكون لاسمها بين السنابل
ما يعادله
وقد تلو ابتسامتها غيوم
لا تراها (أو تراها) العين
لكن،
لن يقدر للقصائد أن تغني قامة امرأة
بهذا السحر،
لن تصف الأغاني سروة أو كوكبا
حجرا أو امرأة
كغادة وهي تورق في خريف العمر،
أقصد الماء الذي لابد منه
لتصبح امرأة شتاء
أقصد العينين والكفين،
سحر يمامة معصوبة بالقطن،
ما لا تستطيع بحيرة أن تدعيه،
الموت شوقا،
شهوتي للنوم أو للشعر،
أقصد ساعديها
- وهي توشك أن تطير-
لا أردد اسمها
إلا لأنسى من جديد رغبتي في الموت
وما دامت تهيئ للكلام الصعب
ما دامت تهيئ للمسافات التي ذبلت
وللقمم التي تنأى
أن أحبت ما تحب
وأن تقاسمت الثلوج جبينها الملكي
حتى لا يكاد يبين من دمها سوى الذكرى
وناصعة
إلى حد الفضيحة
لا تكملها الحقول
ولا يضيف لها المدى شيئا
لذلك لن أحدث عن يديها الحلوتين
كحفنتي قمح مهددتين بالإعصار
أو عن ركبتين شهيتين
كقطعتي حلوى
وعن كتفين شبه محاصرين
بفتنة الأمواج
وهي تقضم شمسها البيضاء
والفوضى التي تتهدد الأشجار
حين تسير في الطرقات
وسأتبع الكلمات
حتى لا تظل من الحبيبة نقطة
إلا وتوقظها الكتابة
وسأوقظ البرق الذي لم ينتفض بعد،
الشرايين التي لم يجر فيها الحب
حتى الآن
والملح الذي اخترقته شمس الخوف،
متكئا على جسد تمزقه الحروب
ولا تدل عليه أغنية
ولا منفى
أحاول هذه الأنثى البعيدة
بالدموع
وبالسلالم
بالحرارة
نفسها حين ارتطمتُ بحزنها
للمرة الأولى
وبالقلب الذي اختارته وردة روحها
السوداء
هنالك أجمع امرأتي وفاكهتي كصيف ناقص
وأعود،
أجمع مقلتيها من حطام البطم
والزوفي
وسرتها من البابونج المهجور
فوق سطوح هذا الكون
ثم أقول:
صيري طفلتي وحديقتي
"تلك صنيعتي يا رب
أنت الآن جاثمة على عيني أول الأمطار حيث تكونت عيناك
باليد نفسها تتمشطين
كل ضفيرة من شعرك امرأة بكاملها
فتصير،!!
أّّّلبسها سريرا واستغاثات
وأصرخ في فراغ الأرض:
حوائي التي أحببت
هبها من لدنك الروح،
خض عروقها كي تستوي امرأة
وأهديها بحيرات
لتسبح روحها في الليل
راءات لتلثغ
زهرة لتحب
أقمارا لأتبع شعرها حتى النهاية"
أوقفوني عند هذا الحد
أخشى أن يراني عاشق فتخونه قدماه،
أو غصن فتقصفه الكآبة،
كيف تصنع قطرتان من الندى امرأة
وألمس جسمها فتذوب
بين يدي
من عشرين عاما
أسلمت دمها إلى الطوفان
واشتعلت
على مرأى من الأشجار
ومن أقصى الكهوف إلى
قميص النوم
كان الموج يلطم بطنها الملساء
ثم يعود نحو البحر،
أيتها المساءات ،
المصابيح،
الحبيبات اللواتي حلمن بالأنهار
إني عاشق،
بيدي هاتين اقترفت الحب
بالقلب الذي لم تحنه الريح انحنيت
ورأيت نهرا كاملا يمشي على قدمين
عصرا من براعم وانكسارات
تسميه الحبيبة صدرها
وأنا أقيم على مداخله فروض الحب
لماذا لا ترون من الحبيبة غير هذا الانكسار
لماذا تنصتون إلى نشيج دموعها الأبدي
أترون ضفة روحها الأخرى
وساعدها الذي دفعته نحو الشعر
والقلب الذي هدمته كي تبني عليه البحر
ذات صبيحة،
أترون كيف يفر من دمها الجنون
كتينة حمقاء
أعرف أنها اختلقت نجوما لا أساس لها
لتقنعني بهذا الحب
لكني نسيت العمر فوق ذراعها ورجعت
كي ألقاه
في الجهة الوحيدة
حيث أرفع رايتي للعاشقين
ولا أرى شيئا سواك
لا الهواء ولا المرايا
لا النبيذ ولا الكنائس
لا يمامات الفراغ ولا سطوح الجامعات
ولا أريد لطائر أن تتبعيه،
لكوكب أن يستظلك
إن جسمك لا يدين بوحل هذه الأرض
والشمس التي صنعتك
لم تلبث أن اتحدت بصدرك كي تضئ
والأنهار تسرع
حين يبدأ نصف نهديك الأخير
وليس للساحات من معنى
إذا لم تشرعي الأبواب
كي يرث الحمام الأرض،
وتغسلين العمر من أوجاعه
وتقلمين أظافر الأزهار
باليد نفسها
تتحولين إلى غبار أو إلى امرأة
فماذا تفعلين بما تبقى من يديك!!؟؟
وكف يمكن أن أصدق أن خصرا
يستطيع هزيمة الدفلى بمفرده
ويترك في فضاء القلب طعنته الأخيرة،
كيف يمكن أن أصدق
أن عاشقة بمفردها تعادل كل هذا القمح،
لذلك أستعين عليك بالكلمات
حين تناصبين دمي العداء
واحتمي بيدي
حين يكون صدرك عند ذروته
أريد من المرايا أن تدمر نفسها ماذا يظل من الحدائق غير روحينا اللتين
ومن الندى أن يستقيل
ومن نساء الأرض أن لا تسترق السمع
للجرس الذي تتنصتين إليه
وأريد أن ألقي برأسي فوق صدرك
ثم أصغي للكتابة
وهي تخرج من كهوف الشعر
نحو أصابعي الخرساء
حيث الموت لا يأتي
لأنك تشبهين نقيضه
والعمر لا يجري
لأنك تسكبين يديك في صلصاله الأزلي
تلاقتا في الصمت
ماذا يظل من الحرائق غير الرغبة الخضراء
في النسيان
آتي العمر لا يكفي لهذا الانتحار.
وأنت أكثر من ملاك
كي أرفرف حول صدرك
أنت تتجهين نحو حقيقة تنهار
وتنحازين للطرقات ضد المقعد الخاوي
وللأشجار ضد الجامعات
وتتركين على امتداد القلب
عاصفة من الطيون
واتفقي على جسد لأبدأ موتي العكسي
واتفقي على حجر لأسند فوقه
رأسي المهيض
أردت من القصيدة أن تزلزل صمتك الحجري
فاخْتنقت
وعلى شفير الانتحار
أراك تقطعين آلاما لأشبه واحدا منها
وأرى ابتسامات وأغصانا
تقود الروح نحو غبارك الكوني
ثم أعود من كفيك نحو الشعر
ليس لغربتي حد
ولكني دخلت إلى الكتابة عاشقا
وخرجت أعمى
كيف يمكن أن أحبك !؟
كيف؟؟..
التعليقات (0)