التسهيل الكمي(QE) هو السلاح الذي إستخدمته الولايات المتحدة سنتي 2009 و2010 وحقق نتائج مذهلة حيث أدى إلى تصدير التضخم في الولايات المتحدة للخارج ورفع سعر الأصول والأسهم والسندات كما أدى إلى تخفيض في قيمة الدولار الأمريكي نتيجة زيادة كمية المعروض منه. إذا حاولنا توضيح مبدأ التسهيل الكمي(QE) بكل بساطة فمن الممكن التصريح بأنها عبارة عن عملية طبع للدولار الأمريكي من لاشيئ, من الهواء. من أجل القيام بذالك فإن بنك الإحتياطي الفيدرالي يقوم بشراء أذونات الخزانة من قبل مجموعة بنوك تسمى المتعاملون الأساسيون أو الأوليون الذين يقومون بدور الوسطاء بين بنك الإحتياطي الفيدرالي وقاعدة واسعة من الزبائن والأسواق الأجنبية. تلك القاعدة الواسعة من الزبائن على المستوى العالمي تشمل مؤسسات مثل صناديق التحوط, صناديق الإستثمار السيادية الأجنبية, صناديق التقاعد,مؤسسات إستثمارية وأشخاص أثرياء يرغبون في إستثمارات أمنة. عندما يرغب بنك الإحتياطي الفيدرالي بتقليص الكتلة النقدية في الأسواق, يقوم ببيع أدوات إستثمارية منها أذونات الخزانة إلى المتعاملين الأساسيين حيث تختفي محصلة البيع من الأموال في خزائن الإحتياطي الفيدرالي وبذالك تتقلص الكتلة النقدية على المستوى العالمي. والعكس صحيح حيث يقوم بنك الإحتياطي الفيدرالي في حالة رغبته بزيادة الكتلة النقدية بشراء الأدوات المالية والأوراق الإستثمارية وضماناتها من المتعاملين الأوليين ويدفع لهم بواسطة دولارات أمريكية تم طباعتها مؤخرا. عمليات بيع وشراء الأدوات الإستثمارية بين بنك الإحتياطي الفيدرالي والمتعاملين الأساسيين وبنوك مركزية أخرى هي تعد الشكل الرئيسي الذي تتخذه مايسمى عمليات السوق المفتوح والتي لها هدف أخر غير التحكم بحجم المعروض النقدي حيث يتم إستخدام تلك السياسة للتحكم بأسعار الفائدو القصيرة الأجل. ولكن كيف يكون التصرف في حالة كانت أسعار الفائدة على الأدوات المالية قصيرة الأجل هي صفر, فكيف سوف يقوم بنك الإحتياط الفيدرالي بزيادة كمية الكتلة النقدية في الأسواق؟ الحل هو بشراء أدوات مالية بأسعار فائدة طويلة الأجل لخمسة, سبعة أو عشرة سنين, والأخيرة تحديدا هي التي يتم التقرير من خلالها بخصوص أسعار الفائدة على القروض العقارية وأسعار إقراض الشركات. الهدف من شراء أوراق مالية بأسعار فائدة لمدة عشرة سنين هو تنشيط السوق العقاري حيث يصبح من الممكن للمواطنين الأمريكيين شراء المنازل مما يؤدي إلى تنشيط الإقتصاد. عمليات التيسير الكمي تعد نوعا من المضاربة على أسعار العملات حيث أن كمية متزايدة من الدولارات الأمريكية المطبوعة حديثا سوف تجد طريقها للصين في شكل فوائض تجارية أو أموال ساخنة تبحث عن عوائد مرتفعة أكثر من المتوفرة في الولايات المتحدة. سعر صرف اليوان مرتبط بالدولار وتلك سياسة يتم المحافظة عليها من قبل بنك الشعب الصيني على إفتراض أن الولايات المتحدة لن تقوم بإسائة إستخدام تلك السياسة. الحاصل حاليا أن التيسير الكمي يتم ممارستها بشكل متكرر حيث أدت إلى تصدير التضخم إلى الصين بسبب قيام الصين بطباعة اليوان الصيني بما يوازي كمية الدولارات المطبوعة والتي تجد طريقها للأسواق الصينية. بالإضافة إلى أن سياسة التسهيل الكمي قد أضرت بقيمة أكثر من تريليون ونصف من أذونات وزارة الخزانة الأمريكية التي تمتلكها الصين حيث إنخفضت قيمتها وتأكلت عائداتها بسبب إنخفاض قيمة الدولار. إقتصاد الولايات المتحدة يعتبر مرنا وقادرا على إمتصاص الأموال والإستثمارات المتزايدة بدون أن يؤدي ذالك إلى إحداث تضخم بسهولة بينما الصين على النقيض من ذالك فقدت أدت سياسة طبع اليوان لإمتصاص الكمية المتزايدة من الدولارات إلى إحداث تضخم في الأسعار وخصوصا المواد الغذائية. التضخم في الصين بلغ أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011 خمسة بالمائة يضاف إليها عملية إعادة تقييم لسعر صرف اليوان مقابل الدولار بلغت 4% والمحصلة 9% إرتفاع الأسعار وتكلفة مشاريع البنية التحتية في الصين. في حال محافظة الصين على سياسة ربط سعر صرف عملتها بالدولار فإن الإحتياطي الفيدرالي سوف يواصل سياسة التيسير الكمي وفي حالة قامت الصين بإعادة تقييم لعملتها فقد تنجح في السيطرة على التضخم ولكن ذالك سوف يؤدي إلى إرتفاع قاعدة التكلفة مقارنة بالبلدان الأخرى. في كلتا الحالتين سوف تكون الولايات المتحدة سعيدة للغاية حيث أنها هي الطرف الرابح ومن المتوقع خلال السنوات المقبلة إنخفاض قيمة الدولار أمام اليوان 20% مما يؤدي إلى زيادة أسعار الصادرات الصينية للولايات المتحدة وتنشيط صادرات الولايات المتحدة للصين. الولايات المتحدة ربحت الجولة الأولى ولكن ليس بالضربة القاضية بل بالنقاط. المعركة بين الولايات المتحدة والصين حول أسعار الصرف وتخفيض قيمة الدولار أصابت شظاياها دولا أخرى وظهرت أثارها في تضخم أصاب دولا مثل كوريا الجنوبية, البرازيل والهند وتسببت بإرتفاع أسعار المواد الغذائية والأولية حيث تم إلقاء اللوم على تلك الدول وخصوصا النامية لإتباعها سياسات نقدية خاطئة والإبقاء على سعر صرف منخفض لعملاتها. خلال إجتماع مجموعة العشرين في سيؤول بتاريخ 11 نوفمبر 2010 فقد حاول وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غيثنر إلقاء اللوم على الصين عن طريق عرض توضيحي ملخصه أنه في حال زيادة الفائض التجاري لدولة معينة عن نسبة 4% من ناتجها المحلي الإجمالي فإن ذالك يستوجب إعادة تقييم(تخفيض) لسعر صرف عملتها لأن فائضها التجاري مبالغ فيه وغير مستقر. المشكلة أنه في طرحه هاذا صوب سهامه على ألمانيا والتي تعد بلدا تصديريا وتتمتع بفوائض تجارية كبيرة. كما أنه في الفترة التي كان يتم فيها تطبيق المعيار الذهبي الكلاسيكي فإن تلك العملية كانت تتم بشكل تلقائي وبدون الحاجة لتدخل من البنوك المركزية. فشل غيثنر في الترويج لفكرته وإيجاد حلفاء له في أسيا أو أوروبا حيث أن ألمانيا على وجه الخصوص من أخر إهتمامتها إعادة تقييم سعر صرف عملتها(اليورو) في مقابل الدولار. بتاريخ فبراير 2011 تم الإتفاق في إجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء الإقتصاد والذي عقد في باريس على الخطوط العريضة والتي تقرر المعايير المعتمدة للقياس والتي تقرر إن كانت الفوائض التجارية لدولة معينة مبالغ فيها وغير مستقرة. تم تأجيل إتخاذ القرارات المتعلقة بتلك المقاييس للإجتماع المقرر عقده في إبريل ثم تم تأجيل العملية برمتها لإتخاذ قرار نهائي بشأنها في إجتماع القمة السنوي لمجموعة الدول العشرين والتي عقدت لاحقا في مدينة كانيس في نوفمبر 2011. المشكلة أنه بنهاية العام لم يتم إتخاذ قرار نهائي بخصوص تلك المشكلة بسبب غياب القيادة الفعالة, فالأمم المتحدة لا تستطيع تقديم أي مقترحات أو حلول, مجموعة الدول السبعة في حالة موت سريري ومجموعة الدول العشرين هي كل مايمكن الإعتماد عليه في المرحلة الحالية ولكنها كانت غير قادرة على الخروج بقرار يكون موضع التنفيذ وملزما لجميع الأعضاء بسبب إختلاف الأجندات. في وقتنا الحالي لايوجد شخص مثل ريتشارد نيكسون يأخذ العالم بالمفاجئة ويعلن قرارات إقتصادية حاسمة كتلك التي اعلنها سنة 1971 أو وزير خزانته جون كونالي المشهور بصرامته وعناده. يبدو أن أمريكا فقدت زمام المبادرة ومن الواضح أنه لن يتم إتخاذ قرارات حاسمة متعلقة بالوضع الإقتصادي العالمي حتى حدوث أزمة مالية عالمية أخرى والتي نظرا لسياسة التيسير الكمي وتأثيراتها الجانبية في زيادة نسبة التضخم, لا تبدو بعيدة المنال. ولكن الظروف أحيانا قد لاتخدم بلدا فيما يتعلق بسعر صرف عملتها وهناك دائما إستثنائات حيث لا تجري الرياح كما تشتهي السفن. في الفترة التي تلت الزلزال بقياس 9 ريختر الذي ضرب اليابان بتاريخ 11 مارس 2011 والذي تسبب بأكبر كارثة نووية منذ كارثة تشيرنوبل الشهيرة ودمار هائل في البنية التحتية والتجارية لقسم كبير من اليابان, لم تجري الرياح بما تشتهي سفن المسؤولين عن الملف الإقتصادي في اليابان حيث أدى توقع تزايد الطلب على الين في مشاريع إعادة الإعمار لما هدمه الزلزال إلى إرتفاع كبير وغير مسبوق في قيمته أمام الدولار الأمريكي. إن ذالك الإرتفاع ألحق المزيد من الضرر باليابان والتي كانت تعاني من الكساد الإقتصادي منذ فترة طويلة ومن مصلحتها سعر صرف عملة منخفض لزيادة الصادرات. إن إرتفاع سعر صرف الين مقابل الدولار نظريا يعد من مصلحة الولايات المتحدة ولكن حجم الكارثة اليابانية والتي جعلت من المستحيل تجاهلها فاليابان تمتلك إستثمارات خارجية خصوصا من سندات الخزانة الأمريكية بما قيمته 2 تريليون دولار وكان من الملح طرح نسبة منها في الأسواق المالية الدولية لتمويل تكالبف إعادة الإعمار مما سوف يؤدي إلى المزيد من الإرتفاع في قيمة الين. لم يكن هناك إجتماع مقرر في القريب العاجل لمجموعة الدول الصناعية السبعة من أجل معالجة الأزمة اليابانية ولكن بعد إتصال هاتفي بين وزيرة المالية الفرنسية كريستين ليجاردي ووزير الخزانة الأمريكي تيموثي غيثنر وبتاريخ مارس 17 2012 وتحت المظلة الإسمية لمجموعة الدول الصناعية السبعة, تم تنسيق المواقف وبدء سلسلة من العمليات المالية المنسقة بهدف إجبار الين على التراجع وذالك بتاريخ 18 مارس 2012 الساعة الثامنة صباحا توقيت بدء التداول في البورصات والأسواق المالية اليابانية. البداية كانت بعمليات بيع للين الياباني والأدوات الإستثمارية المتعلقة به بهدف زيادة المعروض كما تم القيام بنفس العمليات بخصوص الدولار الأمريكي والفرنك السويسري واليورو ولكن بالشراء وليس البيع وذالك بعد تنسيق المواقف مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجهات إقتصادية ومالية في سويسرا والإتحاد الأوروبي. كما تواصلت العمليات المالية في مناطق مالية أخرى مثل نيويورك ودو أوروبية والتي تم إفتااح التداول فيها لاحقا بسبب فرق التوقيت. تدخل البنوك المركزية والبنك المركزي الأوروبي كان ناجحا وبنهاية اليوم تم إجبار الين على التراجع لمستوى سعر الصرف الطبيعي مقابل الدولار. وزيرة المالية الفرنسية كريستين ليجاردي والتي أثبتت جدارتها وقدرتها على إتخاذ القرارت الحاسمة في أحرج الأوقات خصوصا الأزمة المالية 2007-2008 وأزمة الديون السيادية الأوروبية سنة 2010, كانت الخيار الدولي المفضل لمدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس والذي خرج من منصبه بفضيحة أخلاقية من العيار الثقيل يقال أنها كانت مختلفة للإيقاع به بعض معارضته لبعض السياسات المالية والتي رأى أنها تسبب عم إستقرار الإقتصاد العالمي. لقد أثبتت مجموعة الدول الصناعية السبعة قدرتها على إتخاذ القرارات بطريقة حاسمة وسريعة في حال توافق الأجندات والإتفاق على طريقة العمل لتحقيق تلك الأجندة الموحدة, في سنة 2012 كان إرتفاع سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار أحد تلك الأجندات المتفق عليها. الحل لمشكلة الين الياباني كان مؤقتا حيث أنه لم تتم معالجة الظروف التي أدت إلى تلك المشكلة كما أن المضاربين الذي قاموا بجني الأرباح لم يذهبوا بعيدا ولايهمهم إفتعال الأزمات أو الإستفادة من القائمة منها لجني المزيد من الأرباح. ولفترة قادمة فقد عادت الأمور إلى سابق عهدها سنتي 1970 و 1980 حيث مجموعة محدودة من البنوك المركزية تحاول حماية نفسها من المضاربين الذين يعملون وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بالإضافة إلى المستفيدين من تخفيض أسعار صرف العملات وإستغلال ذالك لتحقيق الأرباح. من الواضح أنه لايمكن لجميع الدول القيام بإعادة تقييم عملاتها بنفس التوقيت. حتى اليابان والتي كانت في العادة تجاري السياسة الإقتصادية الأمريكية بخصوص سعر صرف مرتفع للين مقابل الدولار قد وجدت نفسها تنضم إجباريا للراغبين بتخفيض قيمة عملاتهم والذي يشملون الولايات المتحدة والصين وأوروبا. وفي المحصلة فإن مشكلة العلاقة بين سعر صرف اليوان مقارنة بالدولار سوف يتم ضمها لأجندة إجتماعات مجموعة الدول العشرين والتي تعد مشغولة بالبحث عن حلول للمشكلة التقليدية في الصراع بين اليوان والدولار حيث يحاول الجميع إيجاد حل عالمي لمشكلة العلاقة بين أسعار صرف العملات المختلفة من دون التسبب بتطور الصراع مما قد يؤدي إلى أزمات إقتصادية وحتى إنهيار الإقتصاد بشكل كارثي. رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.com/2015/08/blog-post_12.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية النهاية
التعليقات (0)