لمن يقرأ تاريخ الحرب العالمية الثانية فسوف يتعرف على مجموعة أسباب أدت لهزيمة ألمانيا في تلك الحرب. من الممكن تلخيص تلك الأسباب بمايلي: قيام الجيوش الألمانية بغزو الإتحاد السوفياتي, إعلان ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة, التحالف الإيطالي-الألماني. هناك بالطبع مجموعة أسباب أخرى من وجهة نظر الكثيرين ولكن برأي الشخصي فإن هناك سببين رئيسيين أولهما يشترك فيه الكثيرون وهو غزو الجيوش الألمانية للإتحاد السوفياتي, أما السبب الثاني فهو النفط. نحتاج إلى بعض التمعن في قرائة السببين الرئيسيين لهزيمة ألمانيا في الحرب إن أردنا أن نتعرف على التاريخ بعمق وليس بالسطحية التي تتناول وقائعه بها الكتب والمناهج الدراسية والجامعية. أول سبب رئيسي لهزيمة ألمانيا في الحرب هو دخول القوات الألمانية للإتحاد السوفياتي مما فاجئ الكثيرين وخصوصا أنه كانت بين ألمانيا وروسيا معاهدة عدم إعتداء(مولوتوف-ريبنتروب) تم توقيعها في موسكو سنة 1939 ولكن خسارة القوات الألمانية للحرب على الجبهة الشرقية لم يكن لها علاقة بعدد القوات الألمانية المخصصة لعملية بارباروسا(Barbarosa) وهي كلمة تعني ذو اللحية الحمراء, ولا بعتادها ولا بتدريبها فهي كانت من كل تلك النواحي أفضل بكثير من خصمها ولكن الذي هزم القوات الألمانية على الجبهة الروسية هو الوقت. النقطة التي قد لايستوعبها الكثيرون أن ستالين كان يتحين الفرصة لغزو ألمانيا كما كان هتلر يتحين الفرصة لغزو روسيا. كلاهما كان يعرف ذالك ويتصرف بناء عليه على الرغم من توقيعهما لتلك المعاهدة. ستالين قام بحشد قوات هجومية ضخمة بالقرب من الحدود الألمانية من ناحية دول البلقان(يوغسلافيا السابقة) مما أدى إلى تأخير توقيت عملية بارباروسا لمدة شهر كامل بسبب إشغال عدة فرق من الجيش الألماني في تأمين الحدود الألمانية من تلك الناحية وحل فصل الشتاء الروسي القارس على الجيش الألماني وهو على أبواب موسكو ويقاتل في ستالينجراد بلا مبالغة ليس من شارع إلى شارع, وليس من منزل إلى منزل بل من غرفة إلى غرفة. معركة الأردين أو كما تعرف بإسم معركة الثغرة هي أحد أهم المعارك في الحرب العالمية الثانية وأخر محاولة هجومية رئيسية تقوم بها القوات الألمانية في الحرب والتي لو إنتصرت فيها لكان مقدرا لها أن تغير مسارها. القوات الألمانية خسرت تلك المعركة بسبب نقص الوقود الأمر الذي تسبب بتعطيل الدبابات الألمانية التي تعتمد خطة الهجوم عليها وذالك بعد فترة زمنية حقق الهجوم فيها نجاحا كبيرا. نقص الوقود كان السبب الرئيسي الثاني لهزيمة ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية خصوصا على الجبهة الشرقية ثم تراجع القوات الألمانية ودخول قوات الحلفاء العاصمة الألمانية. فشل القوات الألمانية الإحتفاظ بحقول النفط في رومانيا وباكو حيث كان الإستيلاء عليها السبب الرئيسي لهجوم القوات الألمانية على منطقة القوقاز. الحكومة الألمانية وفي محاولة لتعويض النقص في الإمدادات النفطية قامت بزيادة إنتاجها من النفط الصناعي المستخلص من الفحم المتوفر بكثرة خصوصا في شرق ألمانيا حيث تحملت شركة أي جي فوربان(I.G. Forban) عبئ تلك المهمة بالتعاون مع شركات نفطية أمريكية. العملية التي كانت يتم إنتاج النفط الصناعي بواسطتها كانت تدعى (Bergius Hydrogenation) ولكنها على الرغم من الجهود المبذولة فإنها لم تكن تكفي إلا لإنتاج مانسبته 25% من إحتياجات ألمانيا من النفط ومشتقاته التي تحتاجها القوات الألمانية بشدة خصوصا أن حوالي 75% من إحتياجات المانيا من النفط يتم إستيرادها خصوصا من حقول النفط الرومانية المملوكة من شركات خاصة أمريكية وبريطانية وتلك كانت ثغرة بالنسبة للسياسة البريطانية التي تركز على حرمان أعدائها المحتملين من إمدادات النفط ولكن بالنسبة لحقول النفط الرومانية فقد كانت مملوكة لشركات نفط خاصة ولم تكن واقعة تحت السيطرة المباشرة للحكومة البريطانية كما في العراق. شركة النفط الأنجلو-إيرانية كانت إحدى تلك الشركات الخاصة قبل أن تقوم الحكومة البريطانية بالسيطرة على مانسبته 51% من الحصص فيها خصوصا مع الإتجاه لتحويل الأسطول البحري البريطاني لإستهلاك النفط كوقود بدلا من الفحم الحجري مما دفع القيادة الألمانية للتفكير بجدية بالسيطرة العسكرية المباشرة على رومانيا لتأمين حقول النفط التي تحتويها والتي كانت ضرورية للمجهود الحربي الألماني. حتى أن هزيمة القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى وفشل الهجوم الرئيسي لها في أوروبا سنة 1918 يعزوه البعض لقيام الأحزاب الشيوعية في ألمانيا بالإضرابات والمظاهرات والإعتصامات على نطاق واسع بل وتخريب وقطع خطوط المواصلات والإمدادات للجيوش الألمانية على الجبهة وبث معلومات زائفة ومضللة بهدف تحطيم معنويات الجبهة الداخلية والضغط على الحكومة الألمانية. ولكن هناك سبب أخر وهو حقول النفط في رومانيا والتي سيطر عليها الجيش الألماني سنة 1916 بعد فوات الأوان ونجاح القوات البريطانية والرومانية المتحالفة معها في تخريبها وتدمير المصافي والمخزون النفطي الإستراتيجي وعدم نجاح القوات الألمانية في إستعادة الإنتاج إلى مستواه السابق بما يضمن نجاح حملتها التي توقفت عند منطقة السوم(Somme). الجنرال الفرنسي فوغ(Fouge) قام بإرسال رسالة عاجلة للرئيس الفرنسي كليمنتو(Clemenceau) في شهر ديسمبر 1917 يرجوه فيه مخاطبة الرئيس الأمريكي ودروو ويلسون(Woodrow Wilson) بخصوص خطورة نقص الإمدادات النفطية على جهود قوات الحلفاء في التصدي لهجوم الربيع الألماني الذي كانت التوقعات بأن يبدأ سنة 1918. كما أن وزير خارجية بريطانيا اللورد كروزون قد صرح بعد إنتهاء الحرب سنة 1918 وتوقيع ألمانيا هدنة كومبين أن الحلقاء إنتصروا بفضل سيطرتهم على منابع إنتاج النفط. إن دخول النفط كسلاح من الأسلحة المستخدمة في الحروب قد أحدث تحولا جذريا في الطريقة التي تخوض بها الجيوش معاركها. هجوم الربيع الألماني سنة 1918 إعتمد بشكل رئيسي على الوحدات السريعة المتنقلة خصوصا في نقل الجنود والإمدادات والتي تعمل على الوقود وليس الأعلاف كما هو الحال مع الخيول وغيرها من الحيوانات التي كانت إستخدامها شائعا في الجيوش الألمانية خلال السنين الأولى من الحرب. البحرية الألمانية كانت تعتمد على الفحم بشكل رئيسي في تسيير بواخرها بسبب عدم توفر إمدادات كافية من الوقود بينما البحرية البريطانية تحولت إلى إستخدام الوقود منذ سنة 1914 بفضل اللورد وينستون تشرشل. في الفترة التي تلت إنتهاء الحرب مباشرة فقد تم إحصاء 56000 ألف شاحنة, 36000 سيارة بحوزة القوات البريطانية, 70000 شاحنة, 12 ألف طائرة بحوزة القوات الفرنسية. كما أن الولايات المتحدة 50000 مركبة لأوروبا وقامت ببناء 15000 طائرة لإستخدامها في الحرب. مشاركة الطائرات بكثافة في معركة السوم سنة 1918 وكذالك الدبابات التي تم إستخدامها لأول مرة في الحرب لم يكن ممكنا بدون الثورة التي أحدثها دخول النفط بكل ماتحمله الكلمة من معنى كأحد الأسلحة المستخدمة في الحروب حيث أصبح من الواضح أن سلاح النفط أكثر فاعلية في الحروب من المدافع والقنابل. فحرمان العدو من النفط له أكبر التأثير في هزيمته أكثر من التفوق العددي أو التفوق في تعداد الأسلحة أو صنوفها. مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2016/02/1.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة نهاية الجزء الأول
التعليقات (0)