وعبثا ً
حاول أصحاب خطابنا الديني ارتداء رداء الحداثة ..
فكان ما كان
وكأنهم لم يكن يدروا أن هناك من غير ناسهم وأتباعهم وُموريديهم .. من يراقبهم عن بعد ويلمز عليهم .. بل ويعد العدة لمجابهتهم
فعادة ً ما تكون
النظرة الشكلية للأمور .. دائما سطحية .. مما يفقدها القدرة على التغلغل إلى المحتوى الموضوعي .
وهنا تكمن الإشكالية
التي لم نجد لها حلا ً .. ولن نجد
طالما هناك بشر يقدس بشر ، ويُعصمهم ، ويُعظمهم ، ويُبجل فكرهم ، وقراراتهم ، وطالما هناك على الساحة الفكرية خطاب ديني يتمخض عن القديم في زي جديد .. متعلقا ً بظاهر الأمر وشكله .. ويتفادى التوغل والولوج في أمور مستحدثة .. أمور تفقده مصداقيته
ومن هذا المنطلق
نجده قرر البعد التام عن أصل ومحتوى الحداثة أو مفاهيمها طالما تحتك وتتماس أو تتعلق بأمور ومفاهيم دينية متوارثة .. مشهرا سلاح الخروج عن الجماعة والمألوف لما لديهم في وجه من يعترض أو يحاول الولوج لمحتويات الحداثة
ولا غرو في هذا
فنصيبهم من العلم ما قد ُدرس ، وُحفظ ، وُنقل .. حتى ولو كان بدون فهم أو تدارس أو تعقل المهم عندهم إنه ثابت ، وقد سبق من دَرسه وفرضه فريضة ، فبات لا يمكن تغييره أو استبداله ، ولا حتى أتتهم الجرأة على تعديله ليواكب عصرهم ..
هذا ما كان وسيكون .. فتجد في جعبتهم أن البدع جميعها تشترك في وصف الضلالة ، فليس فيها ما هو حسن وما ليس بحسن ، والبدعة هنا هي التحديث والحداثة .. أما هم فلهم ما نقل بالحرف وزيادة واستزادة من شرح المشروح .. ليس إلا
.واكتفوا كما اكتفينا بالتبعية باستهلاك الحداثة ومنتجها .. حتى فكرها ابتعناه واشتريناه دون أن نعلم ما بين ضفتي هذا الفكر
وتناسوا .. وجهلنا
أن الحداثة ترتبط بالفكر و المفاهيم والوعي الجمعي والسلوكيات البشرية .. قبل ارتباطها بالوسائل والمنتج الحديث
وبات رفضنا للحداثة يعادل
.. تشبثنا بالتخلففما كان من هذا الرفض الشعبي لمفهوم الحداثة الذي واكبه يقين بارتباط النهج الديني باستقرار الحكم فأضحى وكأنه لازال تحت نير الاستعمار
وأستقر الوضع على ما هو عليه .. وبات على المتضرر أن يلجأ
….. سنلجأ لله عز وجل
...
فكِلا المفهومان سواء كان مفهوم الحداثة أو مفهوم التخلف الموتور المهجور لهما من السيطرة على السلوكيات الخاصة والعامة تأثير ذو مردود على المجتمع ككل
فهناك من جدد فكره وتعليمه وثقافته مرتكزا ً على أسس علمية وعمليه .. فشيد حضارته وبنى تقدمه وتحضره ..
وهناك من لا يزال يبحث عن كيفية التداوي ببول الإبل .. ويجادل حول كروية الأرض
من مُسٌلمات المُعرفات .. والمعترف بها دوليا ً .. ونفتقد إليها ..
أن
المفاهيم الحديثة وَصَفت الحياة البشرية بمواصفات غيرت من شكلها وظاهرها واستفادت غالبية الأمم من هذا التوصيف ، وتقدمت باستدعاء الحداثة الكاملة لفكرها ومفاهيمها ، تقدمت حينما تبنت الفكر المتطور جنينا ً حتى كبر وكبرت معه ، ونظرت للحياة بنظرة إيجابية وفعالة .. تعايشوا الإنسانية وعاشوا لها فصارت الإنسانية فيهم .. وُطوعت الحياة لهم وأصبح للإنسان معنى وحق
أما أمتنا
فلها العجب .. ومنها
فما زال أصحاب خطابها الديني يخشوا من أن تسحب الحداثة البساط من تحت أقدامهم ، ويفقدوا مكانتهم وسلطويتهم على الناس البسطاء فقرروا مواجه هذا المنافس القوي .. وجاء قرارهم بإسقاط الجنين قبل أن يولد .. حرصا ًمنهم على آلا يصير خطابهم خالي المحتوى أمام هذا العملاق الجديد " الفكر الحديث وحداثة الفكر " .. وفي نفس الوقت كي لا يفقدوا قدرة طرح إجابتهم على الأسئلة المتنوعة والمتعددة التي قد يطرحها هذا العملاق الذي ظهر فجأة ولم يكن في الحسبان .. فما بالك لو تطور الفكر والمفهوم والمفاهيم لدى الناس في وجوده
.أتت صلاة الجماعة من يوم الجمعة الماضية .. وأذن المؤذن .. لصلاة الجماعة .. واستعد الناس لها .. واتخذوا المسجد وجهتهم .. وتهافت من تهافت وجلس من جلس واستمعنا لخطيبها يخطب فينا خطبته العصماء
ولكم بعض ما قيل بالحرف
يقول الرجل :
فقد جاء في الصحيح من حديث العرباض بن سارية أن النبي قال ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وزاد النسائي ( وكل ضلالة في النار ) آلا إنها ليست على رتبة واحدة في الضلال ، فمنها البدع الكبيرة والصغيرة والمكفرة وغير المكفرة .
وليتني أدري بزيادة النسائي تلك أ كانت من عندياته .. أم من أقوال الرسول .. وما المقصود برتب الضلال التي تكلم عنها خطيبنا بلغته الفصحى التي يجهلها غالبية المستمعين ؟؟ أو حتى ليته بين لنا ما المقصود هنا بمعنى الضلال نفسه المرتبط بالبدع ؟؟ ولم يضرب لنا أمثال لتلك البدع
ثم إذ به يزيد ويقول :
أن هذا الحديث على قلة ألفاظه يحوي من المعاني والمسائل الشيء الكثير ، فقد بين الضابط العام والقاعدة الكلية التي توزن بها الأعمال وعلى ضوئها يحكم بمشروعيتها أو عدمها ، ومن خلاله يتبين أن مقتضى العبادة
" والتساؤل هنا " :
لمن الحكم هنا الذي يحكم به على ضوء الأعمال ، ومِن مَن ، ومن أين ؟؟؟ " ، ثم لاحظ " لفظ العبادة هنا ومقتضياتها " التي خلق لها الإنسان " ولا ننسى أن جميع المخلوقات خلقت للعبادة كما تعلمنا وليس الإنسان فقط " " يسبح لله ما في السماوات والأرض "
ويستكمل ليقول أن يجعل المسلم " ولاحظ هنا أيضا ً لفظ المسلم " أقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته وفق المناهج التي جاءت بها الشريعة ، وأن يفعل ذلك طاعة واستسلاما ً وانقيادا ً
....لأن مولانا الخطيب لم يبين المقصد الحقيقي من لفظ محدثات الأمور
وتركها عائمة هائمة يتفهمها من يتفهمها .. كلا ً حسب ما يصل إليه مفهومه عنها
وممارسة الحياة الزوجية على الطريقة الإسلامية ، و.. ، و .. ، و..
هذا هو مثال بسيط للعلة والمعلول يدلل عن حجم المساحة التي يستطيع التحديث أن يسبح فيها في حياة الناس في مجتمعاتنا بعيدا ًعن فكرهم ومفاهيمهم ووعيهم ومداركهم .. حيث هي مقدار المساحة نفسها التي سمح بها أصحاب الخطاب الديني من دون معارضة أو مصادرة .. ومع ذلك يدّعى أصحاب الخطاب الديني قدرتهم على التواصل مع اصل الحداثة ومحتواها ، متصورين أن تغيير شكل ومظهر الحياة هو في حد ذاته تحديث كامل متكامل ، وهذا غير منطقي بطبعه أن يكون فكرنا ومفاهيمنا ومنابع سلوكياتنا ذو جهد تاريخي متوارث عبر عصور ولت بصحيحها أو سقيم تاريخها ، وما بين أيدينا وحياتنا محدث ومتطور ولا يمت لواقع هذا الفكر الحديث بصله ، ودائما ما كان ذاك الفكر محصور أبدا ً في آراء الفقهاء وأصحاب الخطاب الديني فيما بين التحريم والتحليل ، شرعي أو غير شرعي .. وكأنهم يتعاملون مع بشر فقد مقدرته على التمييز ، إناس فاقدي الإرادة والعقلانية ، عقول دائما ما تحتاج لمن يوجهها ويقودها ويقومها .
والتساؤل هنا :
كيف بمفهوم فقهي لأمر ما أن يتحول من الحرام للحلال لمجرد عجزه عن مواكبة الواقع المستحدث ؟؟
وإليك عزيزي القارئ مثال بسيط حول مفهوم قضايا المرآة المرتبط بالنص والأثر كالإقرار في البيوت ، عدم التلامس بالمصافحة ، الحجاب ، التحدث للغريب من وراء حجاب ، .. ، .. ومن ثم مفهوم تلك القضايا الخاصة بنفس المرأة المرتبط بالحداثة .. وخروجها للعمل مثلا ً.. فكان لابد من التحديث في الخطاب الديني الموجه للعقول ليواكب مرحلة حداثة وضع المرأة الجديد .. فكانت الفتوى ... بأن ُتخرج المرأة العاملة ثديها لترضع زميلها في نفس العمل .. كسرا ً للخلوة .
وهنا نجد كيفية ربط الحداثة الشكلية بالفكر الثابت طبقا لما لدينا من تراث ، والمقصد هنا هو الاستمرارية المتواصلة في نقل النصوص البشرية المقدسة وتأويلها والعيش بهذا التأويل وعليه ،
وهنا يظهر ما يجب أن يكون عليه التحديث .. ليس التحديث في الشكل بل تحديث آليات الفكر بمجالاته الثقافية والتعليمية والسياسية و .. و .. والمشمولة بالمسائل المرتبطة بالاعتقاد ، تلك المسائل التي طمست ومحيت ودخلت ضمن نطاق اللامفكر فيه
حقا ً إن ما سبق .. لا يوصف إلا .. بما أحسنه من فهم للحداثة و ما أفضله من تحديث فكر ومفاهيم تقدم على طبق من فضة للعامة من البسطاء ..
وهنا أيضا ً لا تعليق سوى
.... يا حسرتاه ....
على الورقة الخجولة الميتة التي كتب عليها الحداثيين أفكارهم المشتتة والمبعثرة والتي في الغالب استسلمت للمحاكمة الجدلية المقيتة .. فعجزت عن تجديد الفكر لدينا بشكل جذري ودائم ، وصار الفكر التسليمي التواكلي منهاج حياة للغالبية منا تحت ضغط الثقافة السمعية الشفهية مجهولة المصدر والمهجورة في كتب لا يطلع عليها سوى أهل الخطاب فقط ..
وباتت الناس على حالهم من السكون والقناعة السلبية .. لتصبح تعيش في بلاد مظهرها حديث وباطنها يعلم به الله عز وجل
وإلى لقاء آخر بإذن الله
نستعرض فيه خطبة الجمعة القادمة
محمد عابدين
التعليقات (0)